نَزَلْتُ فِي تِلْكَ الْمَقْهَى ؛ أحْتَسِي نَوْعَاً مِنْ الْرِضَابِ ..
هُنَاكَ قَرَأْتُ وُجُوهَ الْنَاسِ أَتَفَرَّسُهَا :
منها عَابِسَةً ...
وأخرى تُرَتِّلُهَا بَسْمَةً , يَخْطُو نُورُهَا , يَشُقُّ الْعَتْمَةَ , تَصُبُّ دَاخِلهَا عَزْمَاً وأَمَلاً ,
- يَاعَبْهَرِيَةَ الْنَسِيمِ ..! كَمْ انْتَظَرْتُكِ كَثِيراً ... كَلِمَاتُكِ : شَذَاً تعْبِقُ بِهِ الأَرْجَاءُ .. زهوراً تَيْنَعُ بِدَاخِلِي ..!
لَكِ هَذَا : كَأْسَ ودٍ مْعَتَّقٍ نَتَقَاسَمُهُ مَعَاً , أَوَدُّ الْتَوَاصُلَ غَالِيَتِي .. وَقَفْتُ مَشْدُوهَاً مُذْ رَأَيْتُكِ .. ثَكْلَى كَلِمَاتِي , ومُنْتَهِكَة حُرُوفِي ... هَلْ لَي أَنْ أَرَى مَحْيَاكِ ؟!
سَبَقَتْنِي قَدَمَايَ بِالْخُرُوجِ , أتَقَيَّأ اشْمِئْزَازَةَ مُقْتٍ .
تَتَعَثَّرُ خُطَايَ...
عَلِيلٌ ... ! مُؤَكَّدِ أنَّهُ يَتَألَّمُ , بَلْ يُرِيدُ الْمُسَاعَدَة ...
- ياذات الصوت الآسر.. قَدْ أصَابَنِي الْوَصْبُ , وتَخَبْخَبَ الْبَدَنُ حَتَّى لَصبَ جَلْدُهُ , اسْتَعَزَّ بِيَ الْعَيَاء وأَضْنَانِي الْهَيْضُ , وقَدْ أَعْضَلَ الْدَاء الأطِبَّاء , وعِلَّتِي لا يَنْجعُ فِيهَا الْدَوَاءُ .
آآآهَاتٍ .. أَنْ لا تَتْرُكِينِي يَاسَلِيلَةَ الْكَرَمِ , فَمَا أَحْوَجَنِي لِوُجُودكِ ... كُونِي بالْجِوَارِ ...!
يَالَهُ مِنْ نَائِحٍ مَلُولٍ ..
نَظَرْتُ فِي أَعْيُنِ كَلِمَاتِه , قَرَأْتُها انْتِدَاحَاً , فَوَهَصْتُ بِهَا .
هُـــــنَا ..! وَدَدْتُ صِلَةً مُوثِقَةُ الْعرى , لِيَكُنْ بَيْنِي وبَيْنَهُ حَبْلٌ مُحْصَفٌ ...
- أُخْتَاهُ ..
رَدِيئَةٌ تلك البَضَائِعُ وأَنَا لَكِ نَاصِحٌ أمِين ...
لاتَجْذِبكِ ألْوَانَها فَتُضِلِّي ... ولا تُبْهِركِ أضْوَاؤَهَا فَتَكُونِي مِنَ الْنَادِمِين .
إني أتَوَسَّمُ فِيكِ مَخَايِل الْكَرَمِ , وأرَاكِ مُطْهَمَةُ الْخُلُقِ ... مَاءُ الْجَمَالِ يَتَرَقْرَقُ فِي حَرْفِك وَقَدْ فَغَا عَبِيرُه طُهْرَاً , وتَضَمَّخَ بِالْنَقَاءِ .
أصَخْتُ لَهُ , وتَلَمَّظْتُ كَلِمَاتَهِ . كَمْ هُوَ جَم الإِفْضَالِ ... فَيَّاض الْلُهَى .
ظَنَنْتُهُ هَكَذَا ..! دَنَوْت أرْتَجِيه احْتِوَاء ...
أذْهَلَنِي مَا ارَتَأَيْتهُ..! إنه يَسْتَنْزِلُ عَنْ حُلْمِهِ , ويَزْدَهِفُ عَنْ وَقَارِهِ , وقَدْ حَلَّ حُبْوَتَهُ الْطَيْشُ .
أمممممم ....
مَاأَطْيَبَ رَائِحَة الْزُهُورِ الْزَكِيَّةِ ....
مَاأرْوَعَهَا .... نَدِّيٌ صَبَاحُهَا بَائِعَةُ الْوَرْدِ , عِنْدَمَا يَزُّخُ قَطَرَاتَهُ عَلَى الْرَوْحِ يرْوِيهِ بَلْسَمَاً ..
جَذَبَتْنِي رِقَّتُهَا وآثَرَنِي عَطَاؤُهَا ..
- أَنْ خُذِي هَذِه يَاحَبِيبَة : فِي صَبَاحِي أَنْتِ أُنْشُودَةً ...
حقاً مَا أَجْمَلَ الْبَيْلَسَان وسَنَابِل الْقَمْحِ وزُهُور الْلَوْزِ .
اِقْتَرَبْتُ ... أَكْثَرَ لأقْطِفَ مِنْ بُسْتَانِهَا , وإذَا بِي أٌطْبِقُ يَدِي عَلَى أَشْوَاكٍ دَامِيَةٍ ...
آااااه ... كَمْ آلَمَتْنِي حَتَّى تَنَفَّسْتُ الْدُمُوعَ حَسْرَة ً..!
انْحَنَى عُودُ الْقَمْحِ هَاتِنَاً .. يُقَبِّلُ قَاعَ مَاقَدْ وَطَأَتْهُ قَدَمَايَ ... وَهَبَّتْ دَمْعَةٌ أودعت جفني نيران السهد وهياج الوجع
اسْتَنْشَقْتُ كِبْرِيَائِي , وتَطَهَّرْتُ بِعِزَّتِي ...
أمْتَطِي صَحْوَةَ الْضَوْءِ .
هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مُسْرِعَةً عَاقِدَةَ الْعَزْمَ عَدَمَ الْعَوْدَةِ ؛ فَعِطْرُهَا كاَذِبٌ .. خَادِع .
وَهُنا اخْتَلَطت بِدَوَاخِلِي ثَوَرَاتٌ كَادَت تَتَفَجَّرُ بركاناً .....
كَثِيرَاً مَاتَلَقَّفَتْنَي الْخَوَاطِرُ الْوَاهِنَةُ ... تَتَمَعَّنُ الْعُزْلَةَ والْحَيَاةَ المُعْطِبة ...
إنْطِوَاءٌ .. يُقَهْقِهُ عَابِثَاً بِتَأَمُّلاتِ صَمْتِي ..!
وثِقَةٌ .. يَتُوقُ لَهَا الْفَقْدُ لِتَتَرَبَّعُ عَلَى عَرْشِ الإنْزِوَاءِ ,
حِينَ احْتَضَنَ خَاطِرِي مَخَاضُ الْفِكْرًةِ : أَنْ الْفُظِي تِلْكَ الْوِحْدَةَ الْمُوحِشَة .
رِحْلًةٌ مُفْلِسَةٌ إلَى مُلْتَقَى الأوْهَام...
وَقَفْتُ عَلَى حَافَةِ قَرَارٍ بِالْعَوْدَةِ صَفِرَاً .. وكَفَانِي تَقَعْقُعَاً مَابَيْنَ نَصْبٍ لِلْحَبَائِلِ ... وَبَثٍ لِلْغَوَائِلِ .
آَثَرْتُ الْصَمْتَ ...
وآثَرْتُ الْوِحْدَةَ ...
فَقَطْ حَاوَلْتُ لَمْلَمَة شِتَات فِكْرِي الْمَنْثُور .
نَظَرْتُ عَلَى مَرْأَى الْبَصَرِ ...
اقْتَرَبْتُ .. شَعُرْتُ بِجِيُوشِ الْخَوْفِ بَاتَتْ مَهْزُومَة ... حَيْثُ تَهَاوَتْ قِلاع الْيَأْسِ ... قِنْدِيل أَضَاءَ دَيْجُور الْلَّيْلِ يُعَانِقُ الْرَوْحَ ,
يَقِينٌ وَارِفٌ ... وصِدْقٌ صَهِيلُ حَرْفُه صَادِح ..
أخَذْتُ أُحْدِقُ الْرُؤْيَةَ لِتِلْكَ الْجَوْهَرَةِ الْنَفِيسةِ , الْسَاطِعُ نِبْرَاسها... دَنَوْتُ مِنْهَا ... دَنَوْتُ أكْثَرَ , لأرَاهَا مَوْسُومَةً بِالْخَيْرِ !
وَضَعْتُهَا أَمَامَ عَيْنِيّ تَحْتَضِنُهَا الْمُقَل ...أَتَنَفَّسُهَا فِي امْتِنَانٍ .
أغْلَقْتُ شَاشَةَ الْحَاسُوبِ والْبَسْمَة مِلْء الْقَلْبِ .. لَنْ تَنْتَهِي أَبَدَاً