كتمت سري وكتمني سري في سره..
تحينت الفرصة التي يمكن أن أكلم فيها أبي..
فلا يمكنني أن أكلمه في أي وقت كان..
فكرت كثيرا من أين أبدأ؟؟ وكيف أبدأ؟؟
فكرت وقدرت ثم قررت..
واستغربت من نفسي كيف تجرأت ونطقت..
أبي يبدو أن عاشوراء أصبحت قريبة جدا.. أليس كذلك؟؟
نعم.. على ما يبدو.. لماذا؟ ما الأمر؟؟
لا فقط أريد أن أعرف متى سنشتري المسدسات أنا وإخوتي..
على كل حال سيكون ذلك في القريب إن شاء الله تعالى..
هل سيكون ذلك غدا؟؟
إن شاء الله..
أبي.. أنا عندي فكرة.. فبدل أن تشتري لي لعبة..
لماذا لا تعطيني ثمنها..
ثم أتصرف أنا.. فإني أحب أن أشتري ما أريد..
نعم لك ذلك.. لكن بشرط أن تعينني غدا على قضاء الحاجات..
نعم.. أبي .. نعم..
اعطني غدا صباحا قبل خروجي إلى المدرسة بعض الدراهم..
بل الآن خذ هذين الدرهمين واتركني وارحل عن ساحتي..
وارتمت يدي على الدرهمين كما يرتمي
الحارس على الكرة ليحتضنها..
وانصرفت قاصدا بيت جدتي وقد كان قريبا من بيتنا..
جلست مع من كان فيه لوهلة..
ثم استفردت بالجدة العزيزة سائلا إياها:
هل سأنال منك هذا العام لعبة عاشوراء..
بالطبع ستكون لك مني لعبة حديدية..
لا أنا لا أريد أي لعبة جدتي.. لو سمحت فإني أريد شيئا آخر..
لذلك اعطني نقودا بدل اللعبة..
اترك الأمر الآن..
ولا تشغل نفسك بهذا لم يصل وقت الحديث عنه..
لم يبق من الوقت إلا القليل.. أياما معدودات.. جدتي..
وفجأة تغير الموضوع وأخذ الحديث مسارا آخر مخالفا..
و مر الوقت.. وظننت أنني نسيت..
وعندما هممت لمغادرت البيت إلى منزلنا
وسلمت على الحاضرين
نادتني جدتي وكأن صوتها
بعث في نفسي الطمأنينة..
ولم أدر كيف وصلت أمامها ويدي ممدودة..
ضحكت ومدت يدها إلى صرتها المعلقة على جيبها..
فتحتها أدخلت أصابعها مفرقة وأخرجتها مجتمعة..
وضعت يمناها في جيبي
وقالت اذهب إلى البيت مباشرة ولا تلعب مع أحد..
أغلقت الباب خلفي وفتحت جيبي..
إنه درهم أبيض يحمل صورة رأس الملك متسخة..
قلت في نفسي: ها هي ثلاثة دراهم قد اكتملت..
فمن أين لي بالدرهم المتبقي؟؟
والليل بدأ يرخي سدوله.. ما عساي أفعل؟؟
يجب أن أشتري الكتاب قبل أن يفوز به غيري..
وتلاطمت أمواج من الأفكار داخل رأسي الصغير..
ما أذكر منها إلا دعاء التيسير من الله..
رفعت بصري إلى السماء..
ثم أرجعته إلى الأرض
لأجده أمامي منتصبا يكاد يصفعني
لولا رحمة الله تعالى بي..
قلت له ماذا تفعل هنا في هذا الليل؟؟
ألا تخاف على نفسك من الظـّـُلْمَة والظـَّـلَمَة..
والتفتت يمنة ويسرة وحملته بخفة غير معهودة مني
وأطلقت نفسي للريح..
ووضعته كي يستريح من وحشة الوحدة..
ويستدفئ من برد الليل.. ويستأنس بأخيه..
على أمل اللقاء بالأخوين الآخرين في الصباح الباكر
فسوف يبيتان عند الوالدة..
ثم الرحيل بالجميع إلى مسكن آخر..
لا أدري كيف سيكون..
وضعته في جيب سروالي..
وأنا أكاد أطير من الفرحة..
وكأن الكتاب ضمنت ملكيتي له بدون منازع..
أخذت الكتاب يلفني وألفه..
أخذ الدراهم يعدها وتعده..
وضعته بين يدي أبي قائلا:
ها هو الذي حدثتك عن حبي له ورغبتي في ابتياعه..
انظر إليه
هـــــــــــا
هـــــــــــو
أول كتاب
في حياتي