** ذاكـــرة الجســــــد **
ـ روايـة ـ
للروائية * أحلام مستغانمي*
بقلم / الكاتبة بنــور عائشـــة (الجزائر)
الذاكرة " إنها وظيفة نفسية تتمثل في إعادة بناء حالة شعورية ماضية مع التعرف عليها من حيث هي كذلك "
لالانــد
عادت أحلام بذاكرتها الحالمة إلى أحلامها الطفولية ، تعيد ذاكرة كان الجسد هو محورها .
ماذا وجدت عندك يا أحلام ؟ أو بالأحرى في ذاكرة الجسد ، هل جسد الجسد ، أم جسد الروح للروح .
ذاكرة الجسد هي روح أنثوية ، ملامحهـا بين طيـات السطور و خفايا الكلمات ،، روح أنثوية تداعب الحب الرجولي و البوح الأنثوي في ثنايا الروح، مُطَلِقـة الجسـد باشتهاءاته وتلعب على أوتار الكلمات والحميميات ...قد تكون عبارة عن رسائل وجدانية بلغة النساء ، أو رسائل اغتراب يشوبها الحنين إلى لحظة ميلاد هاربة في جسر من الجسور المعلقـة .
و أنا أقرأ الصفحات الأولى لذاكرة الجسد ، كأني بي أقرأ رسائل "غادة السمان " إلى "غسان كنفاني "حب واغتراب و حنين و أحلام وانكسار .
قلم يتحرر في عبودية استعراضية للأشياء،، عبودية الحب والمنفى و الحنين إلى الجذور .
كتابات أخذت بالرواية إلى منحى آخر ، أو قفزت بها إلى الضفة الأخرى، أسلوباً و عاطفة، وفي قالب لغوي جميل له أهميته الفكرية كما يقول الفيلسوف ((لافيل )) :
"" اللغة ذاكرة الإنسانية ، فهي تحتفظ بسائــر مكتسباتها و هي أغنى من فكر أي فرد إلى أبعد حد "" بالإضافة إلى الإشـارات الحميمية .. تكتب لترسم و تشخِّص المكان في روح الذاكرة استفهاماً و استنطاقاً مـُقولِبَة بذلك الأشياء و بقايا الأشياء من شظايا الحب و الإغراق فيه .
لقـد أثارت رواية ذاكرة الجسد الكثير من الجدل و أسالت الكثير من الحبر و التي اختفـى وراءها الشاعر العراقي سعـدي يوسف و انتسابها له ، و قد استبعدت الكاتبة هذا الاتهام وندد بعض الكتـاب بموقف سعدي يوسف أمثال حنا مينا و سهيل إدريس و الناقـد ممـدوح عدوان و الروائي الجزائري الطاهر وطـار الذي قال :
(( لو كان الأمر يمثل هذه البساطة من رشق الاتهامات غير المؤسسة لتوقف الجميع عـن الكتابة .. وبإمكان أن يصيح أي واحد في المقهى : إنه كاتب هذا العمـل أو ذاك ، و يكتب ديــواناً كاملاً عن اللائي يكتبن رواية مشـهورة ! و ليس قصيدة واحدة ))1 .
كما قال كذلك الكاتب عبد الله القفاري (( … وهي قادرة على كل حال على الكتابة ، إنما الذي يستوقفني ـ وأنا لست سوى قارئ لذلك العمل ـ العمق الفلسفـي في الرواية الذي لم أجده نفسه في أي من مقالات مستغانمي ، و إن بقيت التقنية الكتابية التي تعتني بالألفاظ و رسم الكلمات تعطي دلالة واضحة على الانسجام لا يحتاج إلى دليل ))1
و قد علقت الروائية أحلام مستغانمي عن هذه التهمة و الادعاء الفكري له في ندوة " الأدب و المرأة " في مهرجان الرباط بالمغرب قائلة :
(( … المسألة مسألة مجتمع عربي ذكوري يرفض الأنثى و يحتقر الإنـاث حتى إنه ما ظهرت كاتبـة أو شاعـرة عربية إلا و جاء من يقول :
إن ثمة ـ حتما ـ رجــلا يكتب لها ، وهو ما لم نسمع أنه قيل عن رجل ))1 .
رواية أحلام مستغانمي " ذاكرة الجسد "تعــود إلى بداية الجسد في شكل خطيئة و تستعرض بها أول الحماقات في أكل التفاحة و الشهوة إلى الجسد ..اسقاطات تضفي عليها أبعادا مرسومة ، تمارس فطرياً التغزل و من أين جاءت الخطيئة (( ..أم وحده التفاح الذي مازال يحمـل نكهة خطيئتنا الأولى ..))ص16
(( كنت المرأة التي أغرتني بأكل التفاح لا أكثر . .. لأكون معك أنت بالذات ، في حماقة آدم .))ص16 . بالإضافة إلى التناقض الإيحائي ، البعيد الرؤية تصوره في هذه العبارة التي اختـزلت بها الخطيئة في أكل التفاحة و الصلاة (( الوطن كله ذاهب إلى الصلاة .. و المذياع يمجّد أكل التفاحة)) ص 16 هذه الرمزية المتعمدة أو لماذا حاولت أن تقرب الخطيئة من الصلاة ؟ قد يكون الطهر و قد تكون الحماقة عند النفوس المضطربة.
هل كــانت ذاكرة رجولية بعيدة كل البعد عن اللسان الأنثوي ؟
رجولية تداعب المخيلة بوقفـات تأريخيــة .. لمخيلة مبدع يغازل الذاكرة و يتمرد عليها بإعلان الحقائق .
تمنيت أن يكون هذا العمل الروائي رواية نسائية بلغة نسائيـة ،لا رواية نسائية بلغة رجولية ؟ و ليس معناه التشكيك و أحيانا يكون الشك هو اليقين كما قال أب الفلسفة الحديثـة ديكارت (( أنا أشك إذن أنا موجود )) .
و لأن المرأة هي أقرب للتعبير عن المرأة ، حتى و لو استطاع الرجل أن يتقمص هذا العالم الأنثوي كشاعر المرأة نزار قباني القائل:
(( روايتها دوختني و أنـا نادراً ما أدوخ أمـام روايـة من الروايات ، و سبب الدوخة أن النـص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق ، فهو مجنون و متوتر و اقتحامي متوحش و إنساني و شهواني ،و خارج عن القانون مثلي …
هل كانت أحلام في روايتها ( تكتبني )دون أن تدري؟ …))2
و لعلماء النفس رأي ،كالأستاذ "" سيرل بيرت "" ( أن البنات أكثر في تصور مواقف بغاية من الوضوح تفوق البنين و ذلك بالاستعانة بخيالهن الواضح ).
فالموازنة بين الجنسين من حيث الصفات الوجدانية تختلف باختلاف قوة المشاعر و هي أكثر الفروق العقلية .
ورواية ذاكرة الجسد التي اتسمت بسرد المغامرة لأحد رموز الثــورة ( سي الطاهر ) و مجازر 45 و قيمة الثورة في بطل الشخصية المحورية الرسام "خالد" الذي أخذ البعد الآخر للرواية ، ثم دراسة الطبائع والسمات وتحليل الاحساسات والعواطف لدى المرأة بعاطفة ذاتية قوية .
هـذا السيل الجارف الذي أخذته أحلام في طريقها للأشياء لا يتوقف عند حد من الحدود ، و أحياناً بتأملات فلسفيـة قوية الحضور و الدلالة ـ و هذا نلمسه من خلال ما قاله عبد الله القفاري سابقا كنوع أشبه بالتشكيك الضمني ـ و هذا ما نفتقده في الروايات العربية إجمالاً وهي أقرب إلى تعاليم الخلوة الجسدية و الفكرية الراقية .
لقد أتاحت هذه الذاكرة الجسدية المرونة اللغويـة اللامتناهية في سمات أنثوية يتعـذر الفصل فيها ما بين ما هو ذكوري أو غير ذلك..
هذه الألوان الإيحائية في الكلام أخذت أحجاماً و أشكالاً مختلفة في التعبير الوجداني الذي يثـير الاستجابة الانفعالية فيعطي إحساساً أشبه بالسحر العاطفي اللامتناهي للقراءة و إعادة القراءة أو بما يسمى نهم القراءة .
لقـد أثبتـت حركيـة الإبداع في الآونة الأخيرة القدرة على التجديد و عدم الانغـلاق على الـذات و كسـر كل القيود المتعارف عليها ، ومحاولة فك الحصـار أو العزلة التي نجمت عن عدم التجربة والـخوض في أي شيء جديد ووافد . هذا الانفتاح على ثقافات أخرى متعددة و في مجتمعات مختلفـة أتاحت لأحلام مستغانمي التمرس والتأثر فيها والتأثير في كتاباتها، إذ يقودنا هذا الطرح لطرح السؤال التالي :
هل لأدب المهجر خصوصية في الإبداع أكثر منه في الوطن تجعله يتميز عن غيره من الكتابات ؟
بـل امتـدت الروايـة إلى قـراءة مـلامح المجتمع في بعض الأشكال و التعريفات ( الخطيئــة ، الصـلاة ، الهوائيـات المقعرة ،الجرائد والـموت و الألوان و لون المدينة و الاغتراب الأنثوي ، الحب والأحلام ..) أن لا تخضعها إلى القيم المطلقة بل سلطت عليها الضوء ككاتبة بأسئلـة استكشافية أكثر منها تساؤلية و علاقتها بالتحديث أو التغيير في الصورة المرسومة للمدينـة و جسورها و علاقتهـا بالماضي واستخدام تقنيـة التأريخ لهضم التراث الثوري ( الحرية ) ولأن التاريخ استحضر مع رجل عاد من الجبهة ، ولأن الحوادث التاريخية جزء من الإنسان و هو من يؤرخهــا باعتبارها ظاهرة نفسية و فكرية مسيطرة لا تتجزأ منه ، تخضـع لتأثير العاطفة الوطنية، و تأثيرها يصعب الحياد عنه أو تجاوزه ، فجـاءت في الرواية التـزاما منهجيا بالموضوعية النفسية و الــروح الاجتماعية في ظروف لها استعداداتها الخاصة التي تربطها بالماضي الذي أعادت تهيئته من جديد و استحضرته بقوة حميمية ، هـذا الماضي الذي قال عنـه الفيلسوف (( هاليناكس)) :
""إن الماضي لا يحتـفـظ به ، إننـا نعيد بناءه انطلاقاً من الحاضر ""
و هكذا كان الانجذاب نحوه كسيرة حياتية لذاكرة جسدية مبتورة .
هذه النكهة الأنثوية أو الإحساس الأنثوي باللغة تبلور في الرغبـة الداخلية و النداء الأنثوي الجريء ، أو ما يمكن أن نسميه المكاشفة اللطيفة التي زادت النص الروائي رغبة في تشكيل ذات أنثوية لها ملامح القدرة الإبداعية نظراً لطبيعتها البيولوجية و ظروفها الاجتماعية القاهرة أحيانا كالعنف و النفسية التي تستطيع تشكيلها حسب حالاتها ومنها على خلق التوازن الذي طغت عليه الذكوريـة أو بما يسمـى الأدب الرجالي … على أية حال الأدب أدب سواء كتبه رجل أو امرأة ، المهم جنـس أدبي لـه تأثـيره و تفاعله مع المجتمع و همـوم الكتابـــة ووعيـه بأهمية الإبداع .
و في قراءة لـ : جميل داري في كتاب " مائة عام من الرواية النسائيـة العربية " للدكتورة بثينة شعبان أن المرأة هي أول من كتب الرواية ،و قد تطور هذا الفن مع تطور قدرات المرأة على الكتابة و الإبداع .
كذلك تدافع فيه عن الـمرأة المبدعة و إثبات أنها لا تقل عن الرجل ذكاءً و إبداعاً )) 3 .
من ثمة أردت مكاشفة قراءتي الأولية و قراءتي الثانية المتأنيـة فتبين لي للوهلـــة الأولى و في الصفحـات الأولى أنـها أنثويـة ، لكن ما إن واصلت القراءة حتى سيطرت علي فكرة أو شعور أنها رجالية و قد يكون العكس لأن الفكرة كانت مسيطـرة بداخلي و هي التي حاولت أن تبقى راسخة كلمــا حاولت الـهروب منها ، إلا أن بعض الملامح في الرواية جعلتني أعيـد النظر في هذه الفكرة المسيطرة و حتى لا أبقى رهينة الفكرتين المتنـاقضتين وجدت مخرجاً لعقلي و أن أدور حـول القيمة الفكرية للرواية ،و إن كتبتها أحلام فذاك امتداد أنثوي لي .
لماذا تعمدت أحلام في سردها الروائي أن يكون على لسان رجالي بطقوس العاشق الذي يعيش مراحل الحب الأولى المتوقدة فيه ناراً ؟
ـ هــل يمكن أن تكون روح رجاليـة عاشقة أم روح أنثوية لا يمكن أن تبوح بها كامرأة ..؟
ـ هل هي التقاليد المتعارف عليها أن البوح للرجل لا للمرأة و هو الذي اعتمدته في خبايا كلماتها الجميلة (صفحة 69) .
ـ هل كانت تكتب لمجرد الكتابة و أن ذاكرة الجسد ما هي إلا نوع من التفريغ (( … ولا تهم نوعية تلك الكتابة و لا مستواها الأدبي ، المهم الكتابـة في حــد ذاتها كوسيلة تفريغ ،و أداة ترميم .))ص69
(( الرسم أيضا قادر على أن يصالحك مع الأشياء و مع العالم الذي تغير في نظرك ..))ص 69
(( أنت التي ـ كهذا الوطن ـ تحترفين تزوير الأوراق و قلبها …دون جهد )) ص55
قرأتهــا و تمنيت أن أجد إجابات لأسئلـة لا متناهية رسمتها أرض الواقع و اعتراف أن الوطن يحترف التزوير و هل أن أحلام احترفت التزوير كما قال سعدي يوسف ؟
رواية تحمل الكثير من شخصيتها و تقاطعها بالماضي الحاضر فيها ، أم كانت مجرد خيال يلعب بالكلمات حد الجنون (( لن تهربي مني و تختفي في شوارع باريس …ولكنها تكفي للعثور عليك لو اقتضى الأمر ))ص82
هـذه المخيلـة الخصبة التي امتازت بها و التي قارنت فيها بين الكتابات الجيـدة بوقفتهـا عنـد نجمـة بكل إحساسها الثقيل و الكتابات الرديئـة في قولها :((و الروايات الفاشلة ، ليست سوى جرائم فاشلة ، لا بد أن تسحب من أصحابها رخصة حمل القلم ،بحجـة أنهم لا يحسنون استعمال الكلمات و قد يقتلون خطأ بها أي أحد … بما في ذلك أنفسهم، بعدما يكونوا قد قتلوا القراء .. ضجراً ))ص 23
و قد تقارن مع ما قاله أحد المفكرين :
(( قد لا يكون لدى المرء أجمل من مخيلة خصبة يمتلكها ، وقد لا يكون ثمة أقسى و أكثر إيلاماً للفرد من خيال طائش جموح )).
اختزلت وجع الذاكرة و الماضي و الوطن في هموم و سلطة المثقف بالسلطة و عندمـا تتسلل السياسة إلى عقل المثقف فتنخر فيه و تبعده عن رؤاه الفكرية التي يوظفها في خدمة المجتمع ، يصبح السياسي يوظفه لخدمة مشاريعه السياسية و فرض سلطته على فكر المثقف، فيصبح دور المثقف اللجوء إلى الصمــت والهروب وراءه و يبقى سجين الخوف من قمع السلطة أو رهينة أطماعــه الشخصية و المكاسب التي يحققها في استغلال المناصب التي تساعده على تحقيق مآربه .. المهم أن تكون السلطة راضية عنه و لسان حالها .
(( لقد كنت بعد الاستقلال أهرب من المناصب السياسية التي عرضت عليّ ،والتي كان الجميع يلهثون للوصول إليها ))ص166
و من جهة أخرى قد تكون علاقة المثقف بالسلطة يحكمها عدم الثقــة و الشك و هذه المعادلة النفسية الرهيبة هي التي تحطم القدرات الفكرية و تهجر العقول النيرة .
ـ هل تحتـاج السلطـة إلى مجتمع منغلق على نفسه تخضعه للتجــارب و تكرس عليه حياة الفقر و الجوع ، لتجسد مخططاتـها والإبقـاء على مصالحها ، و يبقي المثقف متفرجاً سلبياً عاجزاً عن إبداء مواقفه لتغيير فكر السياسي و مشاريعه .
(( .. فقد كنت ممتلئاً كذلك بالمثل و القيـم ، ورغبة في تغيير العقليات و القيام بثورة داخل العقل الجزائري ، الذي لم تغيـّر فيه الهزات التاريخية شيئاً ))ص167
لقد أصبح المثقف يعيش بالمسلمات و المجردات و أن وجـوده لا يعني شيئاً سـوى الكبت و السخط و الإحباط و قد تكون السلطة نجحـت في إفرازاتها و أبعدته عن طريقها .
ـ هل استطاع المثقف الجزائري أن يقوم بعملية نقــد قوية الرؤى والحجج في الاعتراض أو الرفض أو القبول ؟
(( كانت هناك أخطاء كبرى ترتكب عن حسن نيّـة ، فلقد بدأت التغيرات بالمصانع ، والقرى الفلاحية و المباني و المنشآت الضخمة ، وترك الإنسان إلى الآخر ))ص167
و إزاء هذا الصمـت الرهيب الذي يحن إليه المثقف خاصة أصبح يمارس كما يقول علي حرب :
"" مارس المثقفون ديكتاتوريتهم الفكرية أو عنفهـم الرمـزي باسم الحقيقة أو الحرية .. ""
و يذهب إلى أبعد من ذلك فيسميهم (( شرطة للأفكار )) حسب ريجيس دوبريه أو جورج بالاندييه .
(( .. كنت أشعـر أنني أبيعه معلبات فاسدة مرّ وقت استهلاكها . كنت أشعر أنني مسؤول بطريقة أو بأخرى عن تدهور صحته الفكرية، و أنا ألقنه الأكاذيب بعدما تحولت من مثقف إلى شرطي حقير .يتجسس على الحروف و النقاط ، ليحذف كلمة هنا و أخرى هناك .. فقد كنت أتحمل وحدي مسؤولية ما يكتبه الآخرون .))ص169
ـ هـل استطــاع المثقف الجزائري أن يقول للسياسي أو للمثقف الآخر إنك مخطئ في قراراتك نحو المجتمع ؟
(( .. لا تبتر قصائدي سيدي ….ردّ لي ديـواني سأنشـــره في بيروت ))ص 169
ـ هل استطاع المثقف الجزائري أن يعارض السياسي و يقف في وجهه ؟
(( ما الذي يمنعني عن فضح أنظمة دموية قذرة ، مازلنا باسم الصمود ووحدة الصف ، نصمت على جرائمها . و لماذا من حقنا أن ننتقد أنظمة دون أخرى …))ص 170
ـ هل خضعت السلطة بمشاريعها و قراراتها إلى المثقف لإبداء رأيه ، أم أن المثقف و السلطة بعيدان كل البعد عن رؤى المجتمع ؟!
(( تعيش في بلد يحترم موهبتك و يرفض جروحك . و تنتمي لوطن يحترم جراحك و يرفضك أنت . فأيهما تختار .. و أنت الرجل و الجرح في آن واحد .. و أنت الذاكرة المعطوبة التي ليس هذا الجسد المعطوب سوى واجهة لها )) ص86
هذه الاسقاطات تدل دلالة واضحة على أن إدراك الكاتبة لبيئتها وفهمها بطريقة تجعلها تتفـق مع حاجاتها و عواطفها و دفعاتها الفطرية و نوازعها الداخلية كما يراها علمـاء النفس و منهم " موراي " على أنها اسقاطات تكميلية . و قد اعتمدت الروائية أحلام مستغانمـي في ذاكرتها على أسلوب الفلسفة الشخصية ، وعلى الانبساط الحسي الذي بدأته بوصف شاعري أقرب منه إلى العقلانية في التفكير مستخدمة جميع حواسهــا في تحديد ملامــح مجتمعهــا( البيئة ) و هذا ينضوي تحت ضوء ( الانبسـاط المفكر ) و بفلسفة هي أعمق في التفكير .
في النهاية يمكن القول أن هذا العمل الإبداعي هو في حقيقتــه تركيب إبداعي روحي ذاتي ، مصحوبة بنوازع وجدانيـة كانت أقـرب إلى النفس و العقل منها إلى عالم الخيــال .
و الذي لا يمكن إخفاؤه أن ذاكرة الجسد استطاعت أن ترقى بالإبـداع إلى القدرة على استنطاق دواخل الإنسان و هواجسه الفطرية ، وسياحة شعورية واللاشعورية عبر نماذج انفعالية ذاتية مبتكرة،كانت رمزاً للعاطفة الأنثوية الجياشة ، وحالة فوق الوعي من الوعي العادي وامتداد (الأنـا) عبر مراحل ودوافـع مختلفة .
إذ يقـول فرويـد :(( إن الشعـراء و الأدباء قد سبروا أغوار النفس الإنسانية قبل أن يتمكن علمـاء النفس من سبر أغوارها )) .
هامش :___________
1 ـ مجلة الفيصل العدد287 /2000
2 ـ مجلة الرافد العدد45 / 2001
3 ـ جريدة الأسبوع الأدببي (اتحاد الكتاب العرب _دمشق ) العدد771
4 ـ كتاب أوهام النخبة أو نقد المثقف ( علي حرب ).
v *الروائية و الشاعرة الجزائرية أحلام مستغانمي خريجة كلية الآداب في الجزائر
و حاصلة على دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السربون بباريس .. صدرت لها دواوين شعرية ( على مرفأ الأيام ، الكتابة في لحظة عري ، أكاذيب سمكة ) ورواية فوضى الحواس .
* المادة مأخوذة من مؤلف "قراءات سيكولوجية في روايات وقصص عربية " للمؤلفة "بنور عائشة (عائشة بنت المعمورة ) الجزائر .