نبينا الخاتم يعرفه المنصفون حتى لو كانوا غير مسلمين بعد أن درسوا سيرته بموضوعية فأسلموا بعد ذلك كما سترى..
نبينا الخاتم يعرفه المنصفون حتى لو كانوا غير مسلمين بعد أن درسوا سيرته بموضوعية فأسلموا بعد ذلك كما سترى..
العداء لنبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم ليست غريباً، فقد تطرقوا لذلك منذ سنوات بالرسم والتصوير الكاريكاتوري، وأخيراً أصدرت مجموعة من أقباط المهجر المصريين فيلماً مسيئاً متزامناً مع ذكرى مأساة (11 سبتمبر 2001م) بإخراج يهودي أمريكي تحت مسمى (اليوم العالمي لمحاكمة الرسول) بالتعاون مع القس الأمريكي الحاقد الذي سبق أن أحرق القرآن الكريم وهو المدعو/ تيري جونز، وقد ووجه عملهم بحملات ناقدة بما فيها رفض بعض النصارى المصريين للفيلم كونه يكرس العداء والفرقة بين أبناء الوطن الواحد[1].
ومن خلال متابعتي لما كتب في السيرة النبوية التي سطرها العديد من الكتاب والمفكرين المنصفين من المسلمين ومن غير المسلمين؛ أحسب أن السيرة النبوية لنبينا الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم والتي تطرق مدونوها إلى كل صغيرة وكبيرة في حياته صلى الله عليه وسلم بموضوعية؛ لم يتم تدوين سيرة لأي شخصية أخرى عبر التاريخ، سواءاً كانت للأنبياء أو الرسل أو الحكام أو الأدباء، ولم تأتِ بهذا الشكل؛ غير سيرته عليه الصلاة والسلام، وهذا ما جعل الكثيرين من الكتّاب، وبخاصة غير المسلمين يقفون مواقف معادية للإسلام والمسلمين، كما سنرى في هذه العجالة، وفي الوقت نفسه وجدنا من أولئك من حكَّم عقله فقال الحق معجباً بهذه السيرة لهذا النبي العظيم حتى إن لم يكن مسلماً كما سيتضح لك ذلك فيما بعد.
والذي دفعني لكتابة الموضوع زيادة على ما ذكر ما تم نشره مؤخراً من دعوى أحد الكتاب الأمريكان الصهاينة وهو المدعو (روبرت سينسر) في كتابه الجديد (هل وجد محمد هل عاش محمد؟)؟!! وقد وضحت (صحيفة الحياة) مؤخراً جهل الكاتب المذكور بسيرة الحبيب والرد عليه رداً لا بأس به في مقالين لطيفين[2] بيَّنا حقيقة ذلك الكاتب الجاحد الجهول والحقود، وهذا ما سأفصل دوافعه -بإذن الله تعالى - حيال محاولة جحد رسالة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وهي في الحقيقة ليست جديدة، فقد تحدث عنها القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى: (الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) [سورة البقرة، آية 146]، فقد أخبر الباري جل وعلا بما تقرر عند أهل الكتاب بما يعرفون عنه صلى الله عليه وسلم، وأن ما جاء به الحق والصدق، وأنهم يعرفون الرسول كما يعرفون أبناءهم، لا يمترون فيه، لكن فريقاً منهم وهم أكثرهم الذين كفروا به، لذا كتموا هذه الشهادة مع بيقينهم بها وهم يعلمون[3] .
لكني لن أستفيض في الرد الشرعي الإسلامي بإثبات شخصية الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك مضانه المعروفة، لكني سأقتصر على شهادة غير المسلمين الذين أثبتوا حقيقة الرسول وصدق رسالته ومنهم من أسلم ومنهم من لم يسلم؛ ليكون ذلك أكبر دليل على كذب الحاقدين والمشككين به وذلك فيما يلي:
أولاً: أول كتاب إنجليزي يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته ضد افتراءات المفترين
إنه الوثيقة التاريخية الفريدة والنادرة التي ألفها د. هنري ستوب، أحد علماء القرن 17 م تحت عنوان (دفاع عن الرسول والإسلام)، وهو أول كتاب باللغة الإنجليزية، ولعله أول كتاب غربي تام بهذه المهمة النبيلة التي تفضح مواقف كثير من النصارى الأوروبيين من الإسلام ورسوله والذي خرج عن السياق النمطي المألوف الذي انزلق فيه كبار القوم، أمثال: دانتي وشكسبير وفولتير وغيرهم؛ لكن صاحبنا كان يتمتع بعقل حر وتفكير مستقل تمثل في كراهيته للتقليد والجمود وتجافيه عن التعصب الأعمى والانغلاق على الذات، ما دفعه للاعتراف بالآخر وتقديره بأمانة وموضوعية كما هو في الواقع المتعين وليس كما تهوى الأنفس ويمليه الظن السيئ فإن الظن لا يغني عن الحق شيئاً، فقد ألف كتابه في القرن (17) م، أي في عصر الجهالة في موقف الغرب من الإسلام.
ومما يؤسف له أن هذا الكتاب بقي لأمر ما مخطوطاً قرابة قرنين ونصف من الزمان إلى أن هيأ الله له نزيل لندن الهندي المسلم (حافظ شيراني)، حيث قام بتحقيقه وتوثيقه ونشره في لندن عام 1917م ثم أعادت طبعه وتصويره مطبعة أكسفورد (كمبردج) ونشرته دار (oriehtsira) في لاهور سنة 1975م، والكتاب أقدم أثر في الأدبيات الإنجليزية يتعاطف مع الإسلام ورسوله، وهو يمثل فرصة فريدة لإطلاعنا على تصورات الأوروبيين المزيفة عن الإسلام في المناهج الدراسية والمراجع والموسوعات ووسائل الإعلام المختلفة. يحتفظ المتحف البريطاني بثلاث نسخ مخطوطة لهذا الكتاب علاوة على خطابات ورسائل تبادلها المؤلف (هنري ستوب) مع بعض العلماء والمفكرين، ويتكون الكتاب من عشرة فصول هي:
1. نظرة عامة إلى حالات اليهودية والنصرانية منذ عيسى عليه السلام إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
2. تقويم المؤلف للروايات السائدة عن تاريخ النصارى الأوائل وعقائدهم.
3. تقرير موجز عن الجزيرة العربية والعرب.
4. سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من مولده إلى هجرته من مكة.
5. إنجازات محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة.
6. غزوات محمد صلى الله عليه وسلم.
7. حجة الوداع وموت النبي صلى الله عليه وسلم ومواراته الثرى.
8. شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وادعاءات النصارى الخرافية عنه وعن دينه.
9. القرآن ومعجزات محمد وبشارات الأسفار الدينية النصرانية حوله، ورأي موجز عن ديانته وسياسته.
10. عدالة الحروب الإسلامية وتبرئة محمد صلى الله عليه وسلم من موقفه من النصارى، وأن الإسلام لم ينشر ديانته بالسيف.
هذه فصول هذا الكتاب العظيم وكيف سفه المؤلف دعاوى النصارى عن الإسلام ورسوله ورد خرافة الانتشار للإسلام بالسيف، فهذا الكتاب استطاع أن يقدم للنصارى صورة واضحة القسمات عن إشكالية (الغرب والاعتراف بالآخر) متمثلة في محتوى الكتاب ذي القيمة العلمية والتاريخية وليلفت في الوقت ذاته أذهان الباحثين والمهتمين بهذه الإشكالية إلى قراءته ودراسته بوصفه وثيقة في موضوعها ومنهجها وتاريخ تدوينها طالما نُسيت أو تنوسيت والكثيرون في غفلة عن أمرها[4] .
ثانياً: توماس كارليل (1715- 1881) وكتابته عن الأبطال ومن رشح البطل في صورة نبي؟
المفاجأة أن هذا الكاتب الإنجليزي الشهير الذي وضع العديد من الكتب في الفلسفة والتاريخ جاء كتابه الأبطال الذي شرح فيه ما يسمونه عندهم عبادة الأبطال وتقديس العظماء، وأحسن ما جاء في هذا الكتاب فصل عن المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم صور فيه الحبيب بطلاً في صورة نبي وكان عليه السلام في القرن 18 هدفاً للغربيين بالإساءة إليه من أمثال: فولتير ودانتي وغيرهما، إذ قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأحبه لبراءة طبعه من الرياء والتصنع فقد كان مستقل الرأي لا يعوِّل إلا على نفسه ولا يدعي ما ليس فيه، ولم يكن متكبراً، وجاء بالإسلام الذي جاء بأشرف الخلال وأجلها وهي المساواة بين الناس وقد أخرج هذا الدين العرب من الظلمات إلى النور وأحيا به العرب من أمة هامدة إلى أمة ناهضة. وما هو إلا قرن حتى أصبح للعرب رجل في الهند ورجل في الأندلس وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة ودهوراً مديدة بنور الفضل والنبل ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة وكذلك الإيمان العظيم وهو مبعث الحياة ومنبع القوة وما زال للأمة رقي في درج الفضل وتعريج إلى ذرى المجد ما دام مذهبها اليقين ومنهاجها الإيمان ألستم ترون في حالة أولئك الأعراب ومحمدهم وعصرهم كأنما قد وقعت من السماء شرارة على تلك الرمال التي كان لا يبصر بها فضل ولا يرجى فيها خير فإذا هي بارود سريع الانفجار فإذا هي قد تأججت واشتعلت واتصلت نارها بين غرناطة ودلهي ولطالما قلت إن الرجل العظيم كالشهاب من السماء وسائر الناس وانتظاره كالحطب فما هو إلا أن يسقط حتى يتأججوا ويلتهبوا. هكذا وصف كارليل نبينا الكريم بالبطولة في عصر الإلحاد بين مفكري أوروبا[5] .
ثالثاً: المائة الأوائل أو بترجمة أخرى (الخالدون المائة)
هي قائمة اختطها بعضهم ليجمع فيها هذا العدد من الشخصيات المتميزة، ومن العجب أن يكون أولهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأعجب أن يكون المرشح لها هو رجل غير مسلم وهو الكاتب الأمريكي الشهير (مايكل هارت) وقد وضع لشخصياته المائة معايير هي:
- أن تكون الشخصية حقيقية عاشت فعلاً وأن تكون غير مجهولة.
- أن يكون الشخص عميق الأثر سواءاً كان التأثير طيباً أو خبيثاً.
- أن يكون له تأثيره العالمي وليس الإقليمي.
وللكتاب ترجمتان عربيتان: ترجمة (أحمد سبانو) و المحامي (خالد عيسى) وأخرى مصرية لـ (أنيس منصور)، وهما متداولتان، والمؤلف الأمريكي رجل علم من المتخصصين في علوم الفضاء ومن العلماء البارزين في علوم الفيزياء والرياضيات والفلك في أبرز الجامعات الأمريكية.
ومن قراءة هذا الكتاب الماتع الجامع للكثير من الشخصيات العالمية المتميزة تخرج من قراءته بأمرين مهمين جداً وهما:
1. أن المؤلف قد بذل جهداً كبيراً في قراءة تاريخ العالم وحضارته بكل وجوهها واتجاهاتها وأن يختار الشخصيات المرشحة متجاوزاً طغيان التاريخ والانتماء إلى حضارة الغرب الذي ينتمي إليها ليكشف أهمية رجال في حضارات أخرى غريبة عنه كالحضارة العربية والصينية أو مصر القديمة.
2. أن المؤلف مهما كانت النتيجة التي وصل إليها فقد كان على درجة عالية من التجرد والتحيز مع العلم أنه نصراني الدين، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا اختار (وليم هارت) محمداً صلى الله عليه وسلم أول (المائة الخالدون) في العالم؟
وأرجع اختياره لنبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم في أول القائمة من رجال التاريخ لما يلي:
1. هناك رسل وحكماء بدؤوا رسالات عظيمة لكنهم ماتوا دون إتمام رسالاتهم كالمسيح عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية كاملة وتحدّدت كل أحكامها وآمنت برسالته شعوب بأسرها في حياته، بل أقام دولة جديدة ووضع لها أسس حياتها، فهو قد أقام رسالته الدينية والدنيوية معاً.
2. أن معظم الذين غيروا في التاريخ ظهروا في قلب أحد المراكز الحضارية في العالم المتعلم، بينما كان محمد صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي نشأ في بقعة صحراوية جرداء مجردة من كل مقومات الحضارة والتقدم، فجعل من البدو البسطاء المتحاربين قوة معنوية هائلة قهروا إمبراطوريات عظمى في فارس وبيزنطة وروما المتقدمة بما لا يقاس في تاريخ الغزو في كل زمان ومكان حيث أسلمت شعوب وتعربت لغاتها فتحولت شعوب كاملة لدينها ولغتها، وبعد 1400 سنة أصبحوا أكثر من ثمانمائة مليون مسلم بينهم نحو 150 مليون عربي، وهو معيار في قياس أثر الرسالة (أي استمرارها) الزمني وثباتها ليس له مثيل في تاريخ الفتوح في العالم. كما لا يوجد نص في تاريخ الرسالات نقل عن رجل واحد وبقي بحروفه كاملاً دون تحوير كل هذا الزمن سوى القرآن ولا ينطبق هذا على التوراة والإنجيل مثلاً[6].
رابعاً: هناك كتّاب أجانب اطلعوا على سيرة نبينا الخاتم وكتبوا عنها بإعجاب وتقدير أدى ببعضهم إلى الإسلام ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
1. الكاتب الإنجليزي (مارثن لنجز) كتب مؤلفه بعنوان: (سيرة محمد والحقيقة بين عالمين) الذي رجع إلى المصادر العربية لا لنقلها بنصها ولا باستطراداتها وإنما ليعرف منها الحقائق وينقل زبدتها إلى القارئ الغربي المعاصر بأسلوب يعالج الموضوع وهو (السيرة النبوية) كوحدة عضوية أو شبه عضوية متجنباً ثلاثة أنواع من السيرة سواء التي تركز على الجدل الديني وهو ما طغى على كتابات الغربيين في الماضي، وكذلك تجنب السير الأكاديمية الخاصة بالدراسات الأكاديمية المتخصصة أو ما اعتمد على نتائج الدراسات الأكاديمية وهو ما يوجد عادة في الموسوعات، أو شبه الموسوعات، أما سيرة كاتبنا (مارثن لنجز) في كتابته للسيرة النبوية فقد استفاد من طرح النوعين السابقين وأضاف إليهما عرضاً جمالياً لا يتحقق في أيهما وبالتالي عمل سيرة إنجليزية جديدة أشبه ما تكون بالإبداع الروائي الذي يستحوذ على حواس القارئ فلا يكاد القارئ يدع الكتاب حتى يتمه مع حرصه على الرجوع للمصادر العربية المحترمة؛ فأصبح كتابه قطعة فنية رائعة تنبض بالحركة والحياة والعاطفة، ولصدقه وصدق عاطفته وإعجابه بالسيرة النبوية أعلن إسلامه وتسمى باسم (أبو بكر سراج الدين). وكان قد عمل أستاذاً للأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة حتى عام 1952م، ثم عاد لإنجلترا وعمل أميناً على الكتب والمخطوطات العربية في مكتبة المتحف البريطاني بلندن إلى أن أحيل للتقاعد[7].
2. الكاتب الإسباني (ألبرو ما تنور دوم) ألف كتابه في السيرة النبوية تحت عنوان (محمد رسول الله)، ولعله أول كتاب مصنف في سيرة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ويعتبر من أوائل الكتب التي تعتبر مفتاحاً لغيره من الدارسين الأوروبيين من الإسبان وغيرهم، وهو ثلاثة فصول في 315 صفحة.
الفصل الأول: عن جزيرة العرب في العصر الجاهلي، وهو وصف جغرافي دقيق تناول فيه الموقع والتاريخ والسكان وعلاقة العرب بجيرانهم.
الفصل الثاني: عن محمد الإنسان تطرق فيه إلى قبيلته ومكانتها ثم حياة الرسول حتى زواجه من أم المؤمنين خديجة.
الفصل الثالث: عن محمد النبي وتحدث فيه عن رسالته وغزواته ومعجزاته وأهمها القرآن الكريم ثم حديثه عن حجة الوداع ثم وفاته في قالب شعري بديع، وقد ختم المؤلف حياته بإسلامه وتسمى باسم (أحمد عبدالله)[8].
قبل الأخير: هذا هو الرد الفعلي على الهجوم غير المبرر على نبينا الخاتم عليه الصلاة والسلام وادعاء عدم وجوده وتساؤله الفج هل وجد محمد هل عاش محمد؟!! ونقول له هذا الرد جاء من علماء ومفكرين وكتاب مشهورين مع رد تساؤلات الرجل ومغالطاته وأنه يريد الإساءة لرسولنا الكريم واتضح أن تساؤلاته المغلوطة لا مبرر لها البتة وله ولغيره أن يطلع على تقويم رجال وعلماء بارزين من أبناء الحضارة الغربية درسوا حياة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وأبدعوا في كتابتها وتقويمها والإعجاب بها والرد على أعدائها ولم يتمالكوا أنفسهم حيال الإعجاب بحياة الحبيب إلا أن يعلنوا إسلامهم، فما بعد الحق إلا الضلال.
مما يؤسف له أن أعداء الإسلام لا يملكون سوى الكذب والدعاوى الباطلة للإساءة للإسلام ولنبيه الخاتم وما علموا أنه لا يمكن لهم أن يسدوا الشمس بغربال.
وأخيراً: وجدنا فئة منصفة وإن كانت غير مسلمة قد عملت على رأب الصدع بين الإسلام والغرب بعمل فني هوليودي سينمائي في طور الإعداد للسيرة النبوية بتكلفة (100 مليون يورو) يتمحور حول انطلاقة الإسلام ومحاولة إظهار القيم الحقيقية للإسلام بعد ظهور موجة (الإسلاموفوبيا) ليكون الفيلم بعنوان (رسول السلام)[9] دون إظهار صور النبي.. فهل يعي أعداء الإسلام الحقيقة ويتركون الحقد الدفين والتعصب الزنيم ويلجؤون للحقيقة التي أوصلت المنصفين إلى قبول الحقيقة وكتابتها بتجرد، بل أوصلهم الإنصاف إلى إعلان الإسلام والتسمي بأسماء إسلامية جديدة فلله الحمد والمنة.
وأخيراً..لهذا يكرهون الحبيب[10]:
إن من يهاجمون الحبيب صلى الله عليه وسلم لا يجهلونه، بل يعرفونه حق المعرفة كما دلت عليه الآية (146) من سورة البقرة (الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم..) وجاء في آية الأعراف (157) قال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل)، فإذا كان لهذه الأمة ولنبيها عدد من المجرمين في زماننا هذا فمن يكون هذا العدو غير الغرب، والصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب لم تكن بسبب جهل أوروبا، لكنها في الواقع نتيجة معرفة حقيقية بالإسلام غلفت بالحقد والخوف من تنامي تأثير ديننا على أوروبا نفسها، وهذا ما اعترفوا به أنفسهم مؤخراً. ولقد كانت فترة ظهور البروتستانتية هي فترة ازدهار لمن اهتموا بالهجوم على الإسلام وأصبح الإسلام هو السُبة والإهانة التي يمكن أن يوصف بها كل مخالف. ونحن معشر المسلمين لا نرد الإساءة بمثلها ونجنح إلى السلم في معظم مواقفنا لكنا لا نتردد في استخدام كل ما نملك من رسائل الدفاع الشرعية للذب عن كرامة نبينا والحوار هو إحدى هذه الوسائل لكنه ليس الطريق الوحيد بلا شك.
هذا بعض ما ورد في كتاب (لماذا يكرهونه) صلى الله عليه وسلم للدكتور باسم خفاجي وفقه الله وسدده.
وختم الدكتور المؤلف الفصل الرابع ببيان السبل الرادعة للأعداء لمنع تكرار الإهانات التي يقوم بها سفهاؤهم بوضع محورين متوازيين معاً هما:
العمل على تغيير النظرة السلبية عن نبي الإسلام لدى الغربيين.
والمحور الثاني وهو لا يقل أهمية عن سابقه وهو إيقاف الاعتداء على كرامة نبينا ومواجهة من يعلنون معاداته مع فتح أبواب الأمل والرجاء للالتقاء على نقاط وجدانية مشتركة مع كل الحضارات والثقافات مع وضع مشروعات مقترحة مثل: (وقف النبي) لنصرة الحبيب بقيمة 1.5 مليار يورو تقسم على 1.5 مليار سهم بقيمة يورو واحد لكل سهم بهدف حث كل مسلم على وجه الأرض في للمساهمة في الوقوف في وجه حملات التشويه والإساءات غير المنصفة لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام، مع وضع مشروعات علمية مقترحة مثل (جائزة المصطفى العالمية) وإنشاء المركز الدولي لدراسات السيرة وتكوين آليات للضغط الدولي المستمر وإنتاج عدد من الأفلام وإنشاء قناة المصطفى الفضائية وآليات الدفاع عن المصطفى عليه السلام والمؤتمر العالمي للسيرة النبوية وإصدار مجلة عالمية بالإنجليزية وإنشاء ندوات وحلقات نقاشية والتعاون مع المؤسسات الإسلامية الدولية من أجل تحقيق أفضل إنتاج عن البرامج والمشروعات المشتركة لتقديم أفضل صورة مشرقة من توجيه الجهود والتكامل فيه في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وفي الفصل الأخير وضع المؤلف خلاصة توصيات ويؤكد المؤلف أخيراً أن ظاهرة العداء الغربي لنبينا الحبيب هي ظاهرة مرضية ويتساءل إن كان لهذه الأمة ونبيها عدد من المجرمين في زماننا هذا كما أخبرت عنه الآيات الكريمة فما يمكن أن يكون هذا العدو سوى الغرب كما يمثله أولئك الأعداء المتعصبون، أما من كانت له رؤى فكرية مستنيرة فلا بد أن يهديه الحق إلى الحقيقة ولا يلبث سوى أن يعلن إسلامه على رؤوس الأشهاد كما بينا سابقاً لبعض النماذج المتميزة.
وأخيراً: فإن من يغلق عينيه دون النور يضر عينيه ولا يضر النور، ومن يغلق ضميره وعقله دون الحق يضر عقله وضميره ولا يضر الحق؛ فالنور منفعة للرائي لا للمصباح، والحق منفعة وإحسان إلى المهتدي لا إلى الهادي إليه، وما من آفة تهدد العقول البشرية كما يهددها التعصب الذميم الذي يفرض على أذهان أصحابه وسرائرهم ما هو أسوأ لذوي البصر، لأن الأعمى قد يبقى بعد فقد بصره إنساناً والأصم قد يبقى بعد فقد السمع إنساناً، أما من اختلت موازين عقله أو موازين وجدانه حتى لا يميز الخبيث من الطيب فذلك ليس بإنسان بالمعنى المقصود من كلمة إنسان[11].
وصدق الله العظيم: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وهكذا اجتمع مكر وحقد اليهود مع جهل وغباء النصارى على كراهية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل هذه الدعاوى الباطلة سبب للبحث عن حقيقة هذا الرسول الكريم ليسلم به من بحث عن الحق والحقيقة كما جعله أحدهم أول شخصية في التاريخ والبطل في صورة النبي (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)، وأحسب أن تحكيم العقول لدى الباحثين عن الحقيقة سيؤدي بهم إلى معرفة نبينا الكريم بعد قراءتهم سيرته التي سيتداعون لمعرفتها. وهنا يصدق القول الكريم (لا تحسبوه شراً لكم) وحسبنا أيضاً قول الله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين)، ولا شك أن ردود الأفعال العنيفة التي نتجت عن التهجم على نبينا الكريم سوف تجعل الغربيين يعملون على تقنين حرياتهم المزعومة وعدم قصرها على حماية دعاوى الصهاينة فقط فهل يعون خطر ذلك أم على قلوب أقفالها؟!
[1] ـ بتصرف من صحيفة الحياة العدد (18058) الصادر في 25/10/1433هـ الموافق 12 سبتمبر 2012م.
[2] أشار وتحدث عنه مشكوراً الأستاذ الصحفي (جهاد الخازن) في زاوية بصحيفة الحياة (عيون وآذان) في العدد (17905) والعدد (17908) الصادرين في (20/5/1433هـ -23/5/1433هـ الموافق 12/4/2012م و15/4/2012م)، والأستاذ الخازن مسلم حسبما ذكر عن إسلامه بعكس من شكك بذلك متحدثاً عن النوايا وهذا لا يصح إلا بدليل.
[3] تفسير ابن سعدي ص 72 تحقيق د. عبد الرحمن اللويحق.
[4] بتصرف من عرض لكتاب د. هنري ستوب من علماء الإنجليز في القرن 17 نشرته مجلة (أحوال المعرفة) العدد 17 ربيع الآخر 1421هـ الموافق يوليو عام 2000م من مطبوعات وزارة التربية والتعليم السعودية تحت عنوان: (وثيقة تاريخية نادرة لأول كتاب بالإنجليزية يدافع عن الرسول والإسلام ضد افتراءات الغرب)، وهو جدير بالإطلاع عليه لأهميته. ويا حبذا لو تمت ترجمته الكاملة للعربية من الجهات السنية المعنية مع ترجمته للغات الأخرى إسهاماً في التعريف به لغير المسلمين الذين تنتشر عندهم مثل تلك المفتريات والدعاوى الباطلة.
[5] بتصرف من كتاب (الأبطال) لتوماس كارليل ترجمة (محمد السباعي) نشر دار الرائد العربي بيروت ط 4 عام 1402هـ الموافق 1982م.
[6] مجلة البحوث الإسلامي السورية العدد 5 السنة 46 عرض لكتاب المائة الأوائل.
[7] بتصرف من عرض كتاب (سيرة محمد والحقيقة بين عالمين) مجلة العربي العدد 207 في يونيو 1984.
[8] بتصرف من عرض لكتابه في مجلة (منار الإسلام) الإماراتية، من إعداد الكاتب عبداللطيف عبدالحليم.
[9] صحيفة الاقتصادية السعودية العدد (5513) الصادر في 16/11/1429هـ الموافق 14/11/2008م بتصرف.
[10] انظر: كتاب لماذا يكرهونه: الأصول الفكرية لعلاقة الغرب بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، سلسلة كتاب البيان العدد 77، تأليف د. باسم خفاجي، وهو من أبرز ما ألف في هذا الباب بموضوعية وعلمية.
[11] من تقديم (نظمي لوقا) القبطي المصري في كتابه (محمد الرسالة والرسول) ومع موضوعية الكاتب وتقديره للإسلام ولنبيه الكريم لم يقدر له أن يسلم ومات على نصرانيته، أسأل الله للجميع حسن الختام.
البيان