غزة جديدة ..
بين أزقة الأحياء القديمة في غزة , اختفت الفوارق بين الناس , الكل يتحدى بطريقته , الأطفال كانوا يكبرون بين مخالب البؤس و العوز , و تلتمع فيعيونهم تلك الحماسة الهائلة التي اكتسبوها من قصص الأمهات الحزينة المترعة في الوقتذاته بالتحدي .. تفتح كلمتا " الله أكبر " أبواب الدنيا عامرة أمام أعين الجميع .. بالرغم منذلك الحصار اللعين المطبق على أفئدتهم .. و بني صهيون لا زالوا يتربصون بهم فيمحاولة يائسة لغسل ذاكرتهم من دماء أبنائهم , و نزع مرجل التحدي من عيونهم و قذفهافي ظلام اليأس قبل أن يتبدد وهمهم العذب أمام ضربات رجال المقاومة التي أيقضتهم علىحقيقة مرة أخرى .
هذا أبو مقداد رجل في العقد السادس من عمره , و واحد منالأهالي ممن ذاقوا مرارة الظلم من الجلاد , كسرت يده , استشهدت زوجته , لكنه أصرعلى جعل نفسه قرباناً للحرية .. مضت أيام الحصار , طالت .. فزع بني صهيون .. قررواقتل إرادة الحياة عند أهالي القطاع , و باشرت يد الحقد بالفتك .. مدت ذراعها لتقترفالجريمة في المدن و القرى مساء يوم كانوني مطير , أبو مقداد يظهر يوماً في حي الشيخعجلين ليختفي أياماً .. لم يتحدث أحد عنه إلا حين انتشر نبأ استشهاده بين أهالي حيه , و لما شيعت جنازته , تساءل الناس : أين كان استشهاده , قيل : كان يعمل على نقلالإمدادات للمقاومين على التخوم الشرقية للمدينة .. في منطقة الشيخ رضوان رجل آخريدعى أبو مقداد .. قيل لأبناء الشهيد أنهم رأوه هناك , و ربما يكون أباهم , و هو فيالعقد السادس من عمره أيضاً , لا يزال حياً يرزق .. ذهب أبناء الشهيد أبو مقدادإليه و بيدهم صورة والدهم , طابقوا الصورة بينهما , كاد أن يتوقف خفقان قلبهم , قالوا له و هم ينظرون بحيرة :
- صباح الخير يا .... أبي !
رد عليهم بحنو وعطف :
- صباح النور يا أبنائي .. ماالذي جاء بكم إلى هنا ؟
- نريد الاطمئنانعلى صحتك ؟
أجابهم :
- بخير و الحمد لله كما تروني .. أتسمعون رصاصهم و دويمدافعهم ؟
- نعم نسمع ..
- إذاً اذهبوا و خذوا حذركم ..
- و أنت ؟
- سأعود مع أول خيط فجر !
انصرف الأبناء و هم لا يزالون في حيرة .. في اليومالتالي شهدت المدينة جنازة ثانية لأبي مقداد .. لم يعلق الناس هذه المرة .. بلواروه التراب و عانقوا ذوي الشهيد الآخر , أدركوا الآن أن غزة جديدة ولدت اليوم , وولد معها آلاف الرجال من أمثال أبو مقداد .