صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
*الجزء الأول*
صفة لونه
عن أنس رضي الله عنه قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر اللون، ليس بالأدهم ولا بالأبيض الأمهق:أي لم يكن شديد البياض يتلألأ نوراً.
صفة وجهه
كان صلى الله عليه وسلم أسيل الوجه مسنون الخدين، ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم، وكانوجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولاأضوأ منه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر. قالعنه البراء بن عازب: كان أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقاً.
صفة جبينه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيل الجبين)، والأسيل: هو المستوي. أخرجه عبد الرازق، والبيهقي، وابن عساكر، وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين: أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً، والجبين هو غير الجبهة، أي: هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين، وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم، وقد صفه ابن أبي خيثمة فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين، إذا طلع جبينه بين الشعر، أو طلع من فلق الشعر، أو عند الليل، أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ)
صفة حاجبيه
كان حاجباه صلى الله عليه وسلم قويان مقوسان، متصلان اتصالاً خفيفاً، لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر.
صفة عينيه
كان صلى الله عليه وسلم مشرب العينينبحمرة، ومعنى مشرب العين بحمرة: أي هي عروق حمر رقاق، وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في الكتب السالفة، وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة - أي رموش العينين - ناصعتي البياض، وكان صلى الله عليه وسلم أشكل العينين. قال القسطلاني في المواهب: الشكلة بضم الشين هي الحمرة تكون في بياض العين، وهو محبوب محمود، وقال الزرقاني: قال الحافظ العراقي: هي إحدى علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال: في عينيه حمرة؟ فقال: ما تفارقه، قال الراهب: هو شرح المواهب.
وكان صلى الله عليه وسلم (إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل) رواه الترمذي، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوان أدعجهما، والعين النجلاء الواسعة الحسنة والدعج: شدة سواد الحدقة، ولا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدقة، وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها). أخرجه البيهقي في الدلائل، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق.
صفة أنفه
يحسبه من لم يتأمله صلى اللهعليه وسلم أشماً، ولم يكن أشماً، وكان مستقيماً أقنى، أي طويلاً في وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته، والأرنبة هي ما لان من الأنف.
صفة خديه
كان صلى الله عليه وسلم صلب الخدين، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده). أخرجه ابن ماجه،وقال مقبل الوادي: هذا حديث صحيح.
صفة فمه وأسنانه
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشنب مفلج الأسنان، والأشنب: هو الذي في أسنانه رقة وتحدد. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والترمذي في الشمائل، وابن سعد في الطبقات، والبغوي في شرح السنة، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضليع الفم (أي واسع الفم) جميله، وكان منأحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم، وكان صلى الله عليه وسلم وسيماً أشنب، أبيضالأسنان مفلج، أي متفرق الأسنان، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات، أفلج الثنيتين، والثنايا جمع ثنية بالتشديد، وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت، والفلج هو تباعد بين الأسنان، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بينثناياه، والنور المرئي يحتمل أن يكون حسياً، كما يحتمل أن يكون معنويا،ً فيكون المقصود من التشبيه ما يخرج من بين ثناياه من أحاديثه الشريفة، وكلامه الجامع لأنواع الفصاحة والهداية.
صفة ريقه
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم خصائص كثيرة لريقه الشريف، ومن ذلك أن ريقه صلى الله عليه وسلم فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل، وغذاء وقوة وبركة ونماء، فكم داوى صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف من مريض فبرىء من ساعته بإذن الله، فقد جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فلماأصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتي به، وفي رواية مسلم: قال سلمة: فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، فجئت به أقوده أرمد، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه،فبرىء كأنه لم يكن به وجع).
وروى الطبراني وأبو نعيم أن عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخواتها دخلن على النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنه، وهن خمس، فوجدنه يأكل قديداً/لحم مجفف، فمضغ لهن قديدة، قالت عميرة: ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن، فمضغت كل واحدة قطعة، فلقين الله تعالى وما وجد لأفواههن خلوف، أي تغير رائحة فم، وممايروى في عجائب غزوة أحد، ما أصاب قتادة رضي الله عنه بسهم في عينه قد فقأتها له،فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تدلت عينه، فأخذها صلى الله عليه وسلمبيده وأعادها، ثم تفل بها ومسح عليها، وقال (قم معافى بإذن الله)، فعادت أبصر منأختها، فقال الشاعر
اللهم صل على من سمى ونمى// ورد عين قتادة بعدالعمى
صفة لحيته
كان رسول الله صلى الله عليه حسناللحية، أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها، وكانت عنفقته بارزة، وحولها كبياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها)، أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة، وابن عساكر في تهذيبتاريخ دمشق، وابن أبي خيثمة في تاريخه.
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: (كانفي عنفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض). أخرجه البخاري، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته) أخرجه مسلم، (وكان صلى الله عليه وسلم أسود كث اللحية، بمقدار قبضة اليد،يحسنها ويطيبها، أي يضع عليها الطيب، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات). أخرجه الترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم حف الشارب وإعفاء اللحية.
صفة رأسه
كان النبي صلى الله عليه وسلم ذا رأسضخم.
صفة شعره
كان صلى الله عليه وسلم شديد السواد رجلاً، أي ليس مسترسلاً كشعر الروم، ولا جعداً كشعر السودان، وإنما هو على هيئة المتمشط، يصل إلى أنصاف أذنيه حيناً، ويرسله أحياناً فيصل إلى شحمة أذنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عما رآه في حين من الأحيان. قال الإمام النووي: (هذا، ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه (أي بالكلية) في سنيالهجرة إلا عام الحديبية، ثم عام عمرة القضاء، ثم عام حجة الوداع).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس راجله. أخرجه أحمد والترمذي، وقال حسن صحيح، ولم يكن في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعيرات في مفرق رأسه، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء، وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ادهن واراهن الدهن، أي أخفاهن، وكان يدهن بالطيب والحناء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته، ثم فرق بعد)، أخرجه البخاري ومسلم، وكان رجل الشعر حسناً، ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كان إذا مشطه بالمشط كأنه حبك الرمل، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضاً، وتحلق حتى يكون متحلقاً كالخواتم، لما كان أول مرة سدلناصيته بين عينيه كما تسدل نواصي الخيل، جاءه جبريل عليه السلام بالفرق ففرق.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلمصدعت الفرق من نافوخه وأرسل ناصيته بين عينيه). أخرجه أبو داود وابن ماجه، وكان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره، أي يرسله، ثم ترك ذلك وصار يفرقه، فكان الفرق مستحباً، وهو آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم. وفرق شعر الرأس هو قسمته في المفرق، وهووسط الرأس، وكان يبدأ في ترجيل شعره من الجهة اليمنى، فكان يفرق رأسه، ثم يمشط الشق الأيمن، ثم الشق الأيسر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترجل غباً، أي يمشط شعره ويتعهده من وقت إلى آخر، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره، أي الابتداء باليمين إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل). أخرجه البخاري.
د. أبو شامة المغربي