العباس يتصدى للمظاهر الثقافية في الرواية المحلية.. أولها النسوية وتفكيك القيم
ثقافة اليوم – محمد المرزوقي:
عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع في سورية، صدر هذا الأسبوع كتاب (مدْينة الحياة – جدل في الفضاء الثقافي للرواية في السعودية) في مائة وثماني عشرة صفحة، وهو الإصدار الثامن للناقد محمد العباس. ويتناول فيه العباس عدداً من العناوين والموضوعات التي هيمنت على الخطاب الروائي في السعودية إبان الطفرة الروائية، من خلال مجموعة من الدرسات والأوراق التي قدمت في منابر مختلفة.
يجادل محمد في كتابه الكيفية التي قارب بها الروائيون مسائل الهوية وأفق تلقي الرواية داخل ما يعرف (سلطة القارئ، وخطاب الحب) كعصب للسرد القائم على قاعدة تغيير المعادلة الاجتماعية، ومدى ما تم تحقيقه لزحزحة المجاورات اللغوية المعتادة للاقتراب بالرواية من الحياة، كما يناقش العباس حضور الرواية في مقدمة خطابات الإبدال الثقافي التي تراهن على استثمار التناقضات لتأويل قيم المجتمع المدني بما هو فضاء للتنافس الأيدلوجي بين قوى خارج النص تنعكس إراداتهم داخله.
يأتي مدينة الحياة كامتداد لكتاب سابق خصصه للرواية في السعودية وهو (نهاية التاريخ الشفوي) وكان قد تناول فيه جملة من الروايات التي يفترض انها انتقلت بالمجتمع من مرحلة الشفاهية أو ما قبل الرواية، إلى حافة الفعل الروائي نتيجة تماسها بأفق الكتابة إلى جانب مقاربتها لموضوعات على درجة من الحساسية.
الكتاب تجاوز مطالعة كل رواية على حدة، وتصدى لظواهر وموضوعات شكلت الاشتغال الأهم للروائيين والروائيات، من خلال قراءات عبر نصية تنطلق من الواقع إلى النص وتعود إلى الواقع بما يتشكل من وعي داخل النص، فيما يبدو تأكيداً على أن الرواية باتت في مقدمة الخطابات القادرة على إحداث التغيير الاجتماعي والاستحواذ على المشهد الثقافي ؛ ورغم ما يكتنفها من الوجهة الفنية من ضعف وارتباك، إلا أنها لا تخلو من قيم تدميرية على المستوى الفردي تستبطن في داخلها رغبة أو قوة تدميرية ثقافية اجتماعية، وبالتالي تتكثف في نهاية المطاف كقوة جمعية ذات طابع حقوقي، وعلى هذا الأساس تبرز في كتاب العباس عناوين أو إشكالات على درجة من الأهمية كفكرة الآخر بكل تمثلاته وأطيافة المناطقية والفئوية والمذهبية.
كما تحضر النسوية بكل التباساتها الأنثوية، على اعتبار أنها مظهر من المظاهر المطلبية والحقوقية، إلى جانب سلسلة من القضايا التي لا ينفك الروائيون عن مجادلتها ولو بشكل كعناوين مستعجلة كما يبدو ذلك جلياً في محاولة التصادم الدائمة مع التجليات المادية للمؤسسة الدينية، وتفكيك منظومة القيم الاجتماعية، كما يتم التعبير عن بعض ذلك التجابه من خلال النموذج الملفق للمناضل السياسي، أو من خلال طريقة التعاطي بالحب كقيمة تقويضية يتم الرهان عليها دائماً لتوسيع المعيارية الأخلاقية للمجتمع، واللغة كمكون بنائي في الرواية التي تعلن رغبة كاتبها في التجاوز والتصدي للبالي من القيم، فيما يخبئ الخطاب الروائي في طياته عموماً نكوصات وارتكاسات لا تتناسب مع مستوجبات اللحظة الديمقراطية ، فهذا الفضاء الثقافي المتنوّع، والمتعدد الذي تتحرك في مداره الرواية في السعودية يفترض أن يكون فيه الفعل الروائي محمولاً على هاجس الانعتاق من سمته الشمولية إلى مكوّن نصّي متعدد الأبعاد والأصوات ليتحقق النصاب الأدبي المطلوب.
أما مظاهر العلمنة الشكلية التي تكتظ بها أغلب الروايات فقد تشي بروح أو ذات راغبة في التحرر، ولكنها عند الاحتكام إلى حقيقة النص الروائي ليست سوى دلالة على ارتفاع منسوب الهدف الاجتماعي لمثل هذه الكتابة الروائية، واحتقانها بفائض مدرسي تعقيمي.
كما يتضح من طريقة اشتغال اللغة داخل النصوص الروائية التي تتدافع بلا هوادة، في مشهد بات مفتوحاً على اتساعه لمختلف النبرات، الأمر الذي يغري الكثيرين بالتورط فيه، كما يستدعي من الوجهة النقدية مقاربة تحليلية تسائل ولا تحاكم، وتتلمس منسوب التقدم فيه، وهو الأمر الذي يحاوله كتاب (مدْينة الحياة – جدل في الفضاء الثقافي للرواية في السعودية) أي استنطاق طبيعة هذا الوعي الجديد، للوقوف على آلياته لمحايثة اشتراطات المجتمع المدني، كما تحاوله ذوات روائية أعطت لنفسها حق تشكيل جانب من الظاهرة الثقافية والانتماء لحركة تاريخية اجتماعية.
المصدر