Originally Posted by
يوسف أبوسالم
أطعَمْتُهُ قلبي وأَسْقَيْتُهُ دمي
تَقَضَّى ربيعُ العمر في لوعة القهر
وجفَّتْ مآقي الدَّمع مِنْ شدّةِ الأمرِ
وإنّي إذا ما الليلُ (أرخى سدولَه)
لَكَالزَّوْرَقِ المخروق في لُجّةِ البحر
أنادي بلا صوتٍ شراعا مرقَّعا
وأحسُو بلا سكرٍ دنانا مِّنَ الخمر
وأهذي كما يهذي مصابٌ بنافضٍ
خلا أنّني لم أعرفِ النومَ منْ دهر
وقد شَطَّ شطُّ البحر حتّى تحطّمتْ
مجاديفُ آمالي على صخرة الصبر
وأطيافُ حلمِي فرَّق اليأسُ شملها
كما بدّدتْ ريحٌ غماما بلا قَطْر
زجاجُ المرايا قابعٌ بين أضلعي
يغذِّي عروقي منْ ينابيعَ كالجمر
وقوسُ الرزايا اسْتمرأتْ رميَ مهجتي
بنبلٍ لها تَتْرَى وقدْ راقها نحري
تعاطي قريضِ الشعر جمرٌ ألوكه
كما لاك طيرٌ رزقَ أفراخِه الغُبْرِ
مقاليدُه دانت وباتت بقبضتي
فبايعْتُهُ بالعدل في النَّهيِ والأمر
وأطعَمْتُهُ قلبي وأَسْقَيْتُهُ دمي
وأرسلتُه شمساً أضاءت مع الفجر
فما آب إلاّ باكيا بُحَّ صوتُه
بآهٍ على ما فات من قيمة الشعر
كأنِّي بحِبْري بعدما كان مخلصا
يُرَجِّي فراقي شاكيا شدّةَ العسر
فطمأنتُه أنّي سأهريقُ غُبْرَهُ
عسى أنْ يَرى رَوْحاً على البُعد والهجر
أيا حبرُ لا تجزعْ فقد آنَ بينُنا
فلا خيرَ في شعرٍ ولا خيرَ في النّثر
فهذا زمانٌ أنْكَرَ الحرفَ أهلُه
وعدُّوا اكْتِسابَ المجد في وَفْرةِ الوَفْر
شاعرنا الكبير
جلال الصقر
مساء الخيرات
قرأت كل ما كتب هنا
وأعجبني هذا الحوار حقا
لرقيه وبعده بشكل أو بآخر عن أية مآرب أو إسقاطات شخصية
وبذلك يتحقق في هذا المربد ما كنت وسأظل أطالب به دوما
وهو أننا نريد حوار خلاقا حول أي نص أدبي محترم
حتى نستطيع أن نستفيد ونفيد
وأشكر الأخت روان لإثارتها هذا الحوار
والأخ أبوماجد الذي مر مرورا نقديا إلى حد ما على هذه القصيدة
وأعتقد أن من حظ القصيدة والشاعر عموما أن يدور حوار أدبي رفيع حول شعره
واختلاف الرؤى والآراء أمر طبيعي وإيجابي
فهو يتبع اختلاف الثقافات والأمزجة والخبرات
والنص الذي يقرأ من زاوية واحدة لا يستأهل القراءة أساسا
وحسب هذا النص قراءته من زوايا عديدة بدليل هذا الحوار الراقي حوله
وبعد أخي جلال
لن أفسر ما ذهبت إليه الأخت روان فهي قادرة أكثر مني على تفسير وتوضيح رأيها وأعتقد أنها فعلت
لقد قالت في معرض نقدها أنها لم تحس بأعماق الشاعر في القصيدة
ولعلي أؤيدها فيما قالت
إن الإحساس بأعماق شاعر ما أمر لا تفسره قراءة نقدية أكاديمية
ولا يفسره تأويل أو تبرير
ولكنه إحساس
وإذا جاز لي أن أضع بعض المؤشرات على ذلك أو عن سبب ذلك
أقول
استعمال بعض المفردات شبه نادرة الإستعمال
مثل ...( المخروق ، خلا ، تترى ، نافض , شطَّ ، قوس الرزابا ، سأهريق ، غُبْرَهُ ، وفرة الوفر ( وها التعبير بالذات أقصد به تركيبه )
والقارىء لهذه المفردات لا يشعر بحال أنها تنتمي لروح العصر
ولكنها تبدو وكأنها استعيرت من عصور سحيقة سابقة وهو أمر يجعل القارىء يظن أن باختيار هذه المفردات نوع من أنواع التعمد أو القصد وأنه من الصعب في حالة الوحي الشعري التلقائي أن تخطر على وحي شاعر في هذا العصر كلمة سأهريق على سبيل المثال )
استعمال مفردات لا نتذكرها أو نقرؤها إلا في قصائد الشعراء من عصور سابقة
مثل ( خلا ، سأهريق ، وقوس الرزايا ....الخ )
وهو الأمر الذي يجعلنا نقارن على الفور وبشكل انطباعي على مدى تقارب هذه المفردات مع مفردات تلك القصائد )
أسلوب النظم والتراكيب اللغوية والجمل الشعرية
القاريء للقصيدة سيرى ويلحظ دون معاناة انتماء القصيدة أو تشابهها من حيث تركيب الجملة الشعرية واستعمال مفردات محددة وجزالة بعض التراكيب يشعر بانتمائها إلى عصر آخر
ويشعر بأنها بعيدة عن روح العصر كما ذكرت
وهو الأمر الذي شكل الطابع العام من وجهة نظري لهذه القصيدة
وما بعد البعد
أخي جلال
إن ما أيدت به الأخت روان وما حاولت أن أبينه من مؤشرات
لا يقلل أبدا من سمو وقوة وجزالة هذه القصيدة
بل إنني أزعم أن قلة من الشعراء يمكنهم أن يكتبوا شعرا بهذا المستوى
ولكن الأمر لا يتعدى الإحساس بالقصيدة
والتماهي معها أو ما يمكن أن نطلق عليه الإنسجام الداخلي معها
بشكل يجعل القارىء يعيد قراءتها مرات بل ويحفظ كثيرا من أبياتها
وحتى أختم ببعض المقارنة هنا
ونحن لا نتكلم عن أمر شخصي لاسمح الله
أقارن على سبيل المقال هذه القصيدة بقصائد لا على التعيين للشاعر الصديق ثروت سليم ( بعد إذنه طبعا )
نجد في قصائد ثروت سليم على الأغلب لغة ومفردات وأسلوب لايمكن أن يذكرك أبدا إلا بالعصر من كافة نواحيها
ولا يمكن أن يعيد ذاكرتك إلى قصائد امرىء القيس مثلا
ربما يعيدنا إلى نزار قباني أحيانا أو إلى أمل دنقل أو بدر شاكر السياب وكلهم شعراء العصر
وأخيرا
فإن هذه المداخلة أولا وأخبر هي رأي شخصي وانطباع ذاتي
ومن المؤكد أن هناك آراء تعارضه وأخرى توافقه
وأرجو من أخي الشاعر الكبير الصقر أن يتقبل بروح أخوية رحبة هذه المداخلة من صديق وأخ
أحب أن يقول كلمة ضمن هذا الحوار الراقي الدائر حول القصيدة
وتحياتي واحترامي للجميع
أخي الحبيب يوسف
أشكر لك هذه الروح العالية و سمو الذوق و رفعة الخلق
و لعلي لن أطيل الحديث لأني رددت على هذه النقطة في الصفحات السابقة
و إن أعدْتُ الرد على بعض ما ورد في مداخلتك هنا فسيكون ذلك
تكرارا لا طائل من ورائه
و لا تعتبر أخي و لابقية إخوتي و أخواتي أن تلك الردود كانت رفضا لما تفضلتم به
من ملاحظات و اقتراحات صادقة و إنما هو النقاش و المحاورة للوصول إلى أقصى
و أعمق نقاط الحوار.
ولعلك سبقتني و قلت في رد لاحق أننا يجب أن نقف هنا و نناقش نقطة أخرى
لأن أحدا لن يقتنع بوجهة نظر الآخر
و أنا أؤيدك في هذا و لهذا لن أطيل و أكتفي بمايلي :
أنت شاعر كبير -ما شاء الله- ..
فهل وجدت في تلك العبارات و المعاني و المفردات ما استعصى عليك ؟؟
(و السؤال ليس موجها لك وحدك أخي يوسف و إنما لكل الشعراء هنا)
أعتقد جازما أن الجواب أنها لم تستعص عليك
و لا على أي شاعر أو أديب هنا في المربد
(و مع فرض أنها قد تستعصي على الجمهور العريض و المتلقي العادي -موافقة مني لآرائكم-)
فيمكننا حل الإشكال ببساطة 7
و هو اعتباركم شعراء الجماهير
واعتباري شاعر الشعراء
مثلما قال محمد عبد الوهاب عن وديع الصافي:
نحن نطرب الجماهير و وديع يطربنا
أخيرا هذا مجرد انبساط -تجنبا للانقباض- من أخ مع إخوته و أخواته فلا تعتبروها مدحا للنفس أو إعجابا بها
اللهم اجعلنا إخوانا على سرر متقابلين
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا
وافر ودي و تقديري لك أخي يوسف
و لكل من شاركنا أو مر على الموضوع