أستاذنا الكريم الشاعر الرقراق
يوسف أبو سالم
مساء العذوبة والشعر والجمال
يامن كنت حبيبي ، نص جميل معبر رقراق ، استوقفني طويلاً ، وأصبح يلاحقني كالحلم ، وكلما رددته وجدت نفسي أغفو تحت أوتار ألحانه وأنغامه الرهيفه وترانيمه ،
فهذه القصيدة من القصائد الإنسانية التي لاتخص قوما دون آخرين لأن المعاني التي احتوتها معانٍ عامه ونموذج لتجارب المريدين والعشاق ، لذا من يقرأها سوف يشعر بحلاوتها وطراوتها وإيقاعها منذ بدايتها ،، فشاعرنا يتحدث مع الحبيبة مباشرة بل ويبدأ ببث أحزانه وآهاته مع مشاطرة ومصاحبة مع جماليات الطبيعة وكما عودنا الشاعر ، فهو يستغرق بمفاتنها وجمالها ، ويتطلع شاعرنا بحب إلى جمال روضها ورونق سمائها ، وقد وجد فيها مرتعاً لخياله ومقيلاً لأفكاره وكانت وحي من أستلهمها ، تداعبه باهتزاز أزهارها وانسياب جداولها وتلألؤ طلها وهدوء ظلها فيجود لنا شاعرنا بالكلم الخالد وهذه اللوحة الطبيعية الناطقة ،،
فهو يتحدث مع الطبيعه ويحكي لها ماجرى معه من تفاصيل عشقه وحبه ، فهو يتحدث عنها بأن خبأها في ورق الشجر حتى أصبح له صوتا ، ثم وضعها في القمر حتى أضاء ماتحته من نجيمات ،وثم إلى امتداد الشفق ، وبعد ذلك يطلق شاعرنا صرخة مدوية في خذلانها لتلك الصور الثلاث ، وبعدها يكمل ويغوص في التفاصيل ، تفاصيل المحبوبة والعاشقة ، بأن كساها موالا ازرق ، وجعلها وشماً في الزند ، حتى أصحبت عطراً بل وجرحا في الأعماق ،
ثم يطلق صرخة أخرى ويقرر وداعها، من كلمة " استودعك الله " وفي كل مرة كان يقيم رابطة جديدة وفكرة جديدة ،
ويختم الشاعر بخاتمة لم أكن اتوقعها ، فكانت لي حالة من الذهول والدهشة من النهاية فكانت مفاجأة ،
أستودعكَ ..
حروفَ الشعرِ
قصائدَ ورقاءٍ من لهفٍ
لا تنبضُ في غير لهيبي
أستودعكَ الله
يا من كنت وأيـْمَ الله
حبيبي ..!؟
نص جميل حافل بالرؤى الصور الأفكار ولعل أكثر الصور تأثيراً في روحي :
سَيّجْتُـكَ ...
بسُلاف الشفقِ الساجِـرِ
علّي أستجْـليكَ
إذا ما راقَ الشفقُ
طيوفا ...؟
صورة مركبة ومشهد ناطق بالذهول والخيال والروعة ، مع تداخل لوني وتناغم صوتي ، فهذه الصورة أطلقت دهشتي وذهولي ووقوفي ،،
وأيضا من الصور الجميلة :
وكسَوتُكَ ....
موالاً أزرقَ
مِن ْ صَلياتِ هدير البحر
صورة رقراقة ملونة بالضياء والرقي ، تداخل صورة الكساء مع لون البحر مع صوت هذا البحر ، كل ذلك كان بحق مشهداً كونياً راقيا ،،
كان النص متخماً بالكثير من الظواهر الصوتية واللونية والطبيعية:
تجليات لونية : ( الشجر الأخضر ، موال ازرق ، الشفق الساجر ..)
تجليات طبيعية : ( النرجس ، القمر ، الريحان ، الرمان ، النهر ، الشجر ، زهر الفل ، البحر ، ....)
تجليات صوتية : ( حفيفاً ، شهيق الشجر، موالا ، هديل الفجر ، هدير البحر ، صلاة الرمان ، خرير النهر ، ...)
تجليات ضوئية : ( ضوءالقمر ، الشفق ، الضوء، لهيبي ، ..)
احتوت القصيدة على كثير من بدائع التشخيص مع الطبيعة: ( ذهول النرجس،
أدعية صلاة الرمان المبحوحة ، فرق القمر )
كانت صورة أدعية الرمان وصلاتها، غاية في الجمال والروعة والرقي ، وقد سمعت صوت هذا الدعاء والصلاة من خلال تعبيرك وتصويرك الساحر والآسر في آن ،
لاحظت تردد حرف الراء كثيراً في النص ، وقد تررد تكراره في أذني في : ( العطر ، الفجر ، الساجر ، ورق ، القمر ، البحر ، النهر ، خرير ، رقيا ....) ، فهو حرف جميل له جرس لطيف وصدى أنيق ورنين شديد ، ولقد أدى الغرض القوي من ذكر لواعج العشق وآهات الوجد ونفحات الحب ،،
أستاذي الكريم
شكراً لهذه القصيدة التي أطربتني، والتي ترفل الآن في ذاكرتي، كأنها طفلة في أرجوحة، فيا لها من أرجوحة جميلة رقيقة سامية،
عذراً على الإطالة لكن هو قصيدكم البديع الذي جعلني أطيل المكوث فيه طويلا،
وأرجو أن لا أكون قد سببت لكم الملل،
دمت بهذا الرقي والتألق والبهاء
مع خالص التقدير