رسالة لقارئة السطور
"تضامنا مع صاحب الحذاء: منتظر الزيدي"
تهدّل الفجرُ على أقبيتي ،
يبتاع خيط النور..
وكنت ما أزال أرتمي في لجّة الظلام ،
أستحم بالبخور
أكتبُ أبجديتي فوق خطوط الشفق الوردي والغيوم
تلك التي تنام عند ساحل الأفقِ،
على مشارف الوجوم
أكتب دون ريشةٍ عامرةٍ بالحبرِ،
أو مسّودةٍ من ورقٍ محموم
خلاصة الهموم
فالليلُ في الغاباتِ يستلقي على أريكة السحاب
ويبعث الرهبة والوجوم،
يجرّني من ياقتي لعالمٍ مهجور..
أنا وعازف الناي على مقربةٍ من شاطئ الفرات
من ألفِ عصرٍ جاء يرتدي خمارهُ المسحور
عيناهُ نجمتان تلمعان،
تحكمان عالمَ الموات
رأيتهُ ، وكانت المدائن الكبيرة
تغطُّ في النومِ إذا ما لاحها الديجور..
فتحتسي أنوارها الأخيرة
والموت والجذام..
وعندما تصحو،
يكون قدّ مرَّ على بوابةِ الظلام،
سيلٌ من العصور..
*
أكتب من خلف حدود الشمس ،
رسالة تحملها الطيور
إلى التي ستقرأ السطور:
"عشتارُ " والسماءُ والصحراءُ والنجماتْ،
أسرنني ، ونخلةٌ وحيدةٌ في آخرِ الواحاتْ..
أبرقن حلمي حمرةً حطّتْ على خدِّ الشطوطِ،
وناعسِ النايات..
ما بينَ " دجلةَ" والمها وتنفّس الآهات..
والدرّة الأم التي أودعتها معشوقتي،
وبوادر المأساة..
تلك التي ما همها عشقي ،
ولم تعترِها النوبات..
في هذهِ الليلةِ أسترجعُ دربَ النفي والحمّى،
وأستصرخُ ربَّ الجند..
من قاع بئر الموت في معمورة الأطلال
فما الذي كانت ولادةَ موتهِ نفياً،
بلا أهزوجةٍ يمشي ولا موّال؟
لو علمتْ قارئة السطور..
كيف تسفُّ هاجسي بواطن القبور
وكيف تنبثُّ خيوط الشمس من رأسي،
إلى مدائن الخوف التي حاصرها المحظور
تخترق الحرّاس والجنود بعد حاجز المنطقة الخضراء
هناك حيث هبَّ صاحب الحذاء،
منتفضاً بوجهِ أفعى الحقد والشرور
فترعد السماء
من بعد رميتين رعدة القتال
فينهضُ القتلى عرايا دون ما أكفان
يستجلبون القطر للمكان
*
حاصرني جنود " بانيبال"
ذاك الذي قيّدَ قرص الشمس في قرطاسهِ ،
والقمر العرجون
في قاعة العرش معلقين رأس الملكِ المكسور
على أريكة الجلوس ، ثمَّ أحكموا الأقفال
قالوا، ولم يهدأْ نزيف الدمِ من شريانهِ المطعون:
الرأسُ بالرأسِ،
ونصف جثّةِ المأسور
تأكلها الغربان والنسور..
وما تبقى حصة الوحوش في الجبال
لكنني انسلخت كالأفعى من الجلد،
إلى خميلةِ النخلات
يصحبني "شاماش" صوب "بابل" المسوّرة 1
لأكتب الأشعار فوق جثّة الفرات
والعسكر الجديد والطاعون ،
حولي يقهقهون..
جاءوا من الغربِ،
ومن غياهب السجون
من قلب إعصارٍ من البحرِ ،
من الأدغال
تتبعهم كلابهم وشرّ جند الخلق
والعاهرات والخمور والأغلال
جاءوا محررين..
للأرضِ من سكّانها،
والزيتِ من قمقمهِ ،
و الماءِ من نافذة ِالغربال..
*
أسقطُ كالنيازك المهشمة
فوق سطوح الحي في "بغداد"..
مغطياً جرحي بملح الأرض والرماد
بحثتُ عن جاري ،
وعن حديقة الزهور
في آخر الحي ، فقالوا : غادر البلاد
وزوجهِ صاحبة الخمسين قدْ جنّدها " الموساد"
أما زهور الحي في الحديقة الغنّاء،
يقول شيخ الجامع الكبير:
مكانها حوائط الأسمنتِ والصخور
أكتبُ ما زلتُ إلى قارئة السطور
رسالتي المحمومة
لعلها تقرأ ما سطّرتْ ،
بدون أن يدهمها عساكر الحكومة،
أو قبل أن تباغت الأجواء زمرةً بحجّةِ التفتيش
فترجع الطيور،
إلىَّ دون ريش..
*
ألمانيا 14/12/2008
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. شاماش: هو شاماش شوموكن الأخ التوأم لآشور بانيبال ملك نينوى وكان حاكما لبابل القديمة 669 ق.م.حيث أنقلب على حكم أخيه وحاربه لأربع سنوات قبل أن يختطفه الموت.