مشاهدة نتائج الإستطلاع: مسابقة المربد الأدبية

المصوتون
15. هذا الإستطلاع مغلق
  • ممتازة

    12 80.00%
  • جيدة

    1 6.67%
  • لا بأس

    2 13.33%
إستطلاع متعدد الإختيارات.
النتائج 1 إلى 12 من 18

الموضوع: مشاركات قسم القصة

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 رد: مشاركات قسم القصة 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية مريم خليل الضاني
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    183
    معدل تقييم المستوى
    16
    سأشارك في مسابقة القصة بهذه القصص الثلاث :
    1 مارد .
    2 ـ صباح الدم .
    3 ـ انتظار .

    على الرغم من حيرتي الشديدة في اختيار إحدى هذه القصص للمسابقة لكنني سأختار قصة ( مارد ) وعلى بركة الله .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    القصة الأولى :



    (مــارد)

    ماما ، متى ستأتي مها ؟ .
    سألني وائل بلثغته الواضحة وهو يضع أذنه على بطني ويرهف السمع . دفعه أنس بكفيه الصغيرتين ووضع أذنه على نفس الموضع ثم سألني :
    ماما ، مها تحبني ؟ .
    ضممتهما إلى صدري وأجبتهما :
    مها تحبكما. بعد أيام قليلة ستخرج من بطني بإذن الله ، وستكبر وتلعب معكما .
    ركض الصغيران ليلعبا تحت ظل شجرة في حديقة البيت ، فيما أخذت أتحسس بطني البارزة أمامي في استدارة محببة .
    كان سامي جالسا بمحاذاتي يحتسي قهوته ويراقب طفليه ، تتراقص على وجهه ابتسامات مشرقة ، ومن حين لآخر يتسابق الصغيران للوصول إلى ذراعيه المشرعتين ، وعندما يصلان إليه يحتضنهما و يتدحرج معهما على العشب فيتناغم ضحكهما و كلامهما مع قهقهته ولهاثه .
    شرعتُ أتأمل وجه سامي الذي يشي بالألفة والحنو ، فتنبّه إليّ وهو ينفض التراب عن ثيابه ثم جلس إلى جانبي. ألصق فمه بأذني وهمس لي :
    من أسعد مني يا حياة ؟! .
    ضمّ أصابعي بين كفيه وقبّلها . هممت بأن أضع رأسي على صدره فانتصب بيني وبينه ذاك الجدار السميك .
    ها أنت يا خالد تتراءى لي من جديد تحت تلك الشجرة ، وعيناك العسليتان المشبعتان بالانكسار لا تبرحان عينيّ . ضمني سامي إلى صدره وربت على شعري فاستسلمت لدفئه ، وسرعان ما ابتعدتُ عنه حين دنوتَ مني وانهالت عليّ سياط وجودك . سحبتُ أصابعي من بين كفَي سامي حين حاذيتني . بدأ الخوف يدب في عروقي . وجهك تزداد مساحته بالتدريج حتى يغطي السماء . يدمدم صوتك في أعماقي رعدا :
    لطالما أقسمتِ لي يا حياة أنك لن تكوني لرجل آخر سواي .
    ـ لا تلمني على أمر ليس بيدي يا خالد . أنت تعلم جيدا أنني أحب الأطفال بجنون .
    ازدادت حدة الانكسار في عينيك حين خفضت رأسك قائلا:
    لو كنتُ مكانك لما تخليت عن أحب إنسان إليّ .
    ـ ربما ، ولكن ليس لأنك أشدّ وفاءً مني ، بل لأنك رجل لديك خيارات أخرى : إنّ بمقدورك أن تتزوج امرأة ثانية تحقق لك حلم الأبوة وفي الوقت ذاته تحتفظ بي ، أما أنا فليس لدي أي خيار آخر ، إمّا أنت وإمّا الإنجاب .
    تناءيت عني وجلست على العشب متكئاً بظهرك على السور ، تراقب ولديّ وهما يلعبان . نهضتُ من مقعدي ومشيتُ صوبك بخطى بطيئة ، ثم جلستُ بمحاذاتك . تأملتني مليا ثم أشرت بسبابتك إلى وائل قائلا :
    وائل يشبهك تماما .عيناه جميلتان واسعتان مثل عينيك ولكنهما فاحمتا السواد مثل عيني أبيه.
    تناولتَ عودا من الأرض وشرعتَ ترسم به على التراب دوائر متداخلة ثم أردفتَ : ـ


    سميتهما وائل وأنس ، اسمان من الأسماء التي كنت أنوي أن أسمي أبنائي بها ، لو أن الله رزقني بأبناء .
    ـ أنت لا تكف عن تأنيبي ! .
    ـ .............. .
    ـ والله إني أدعو الله لك في كل صلاة أن يرزقك بالذرية .
    ابتسمتَ ابتسامة مشوبة بالأسى وقلتَ :
    أن يكون للمرء أبناء ، شيء يبعث على السعادة والرضى ، أليس كذلك ؟ .
    ـ أتذكُر يا خالد كم كنت أتحرق شوقا إلى أن يكون لي طفل يناديني يا ماما ! ؟ ، وكم كنت أعشق رائحة أجساد الأطفال حديثي الولادة ومناغاتهم ، وأطرافهم الدقيقة وملابسهم القطنية الناعمة الملمس ؟ .
    أتذكُر يوم أن باغتني وأنا ألقم ثديي فم ابنة أختك الوليدة خفية ؟ . كنتُ آنذاك أتخيل أنها ابنتي وأهدهدها لتنام .
    أتدرك عمق حسرتي حين كنت أشتري الهدايا وأذهب لأبارك لصديقاتي اللاتي وضعن ؟ ، وحين كانت النسوة يطلقن عليّ رصاص أسئلتهن الذي لا يفتر : ألم تحملي بعد ؟ ! .
    قذفتَ بالعود بعيدا وقلت وأنت تنفض يديك من التراب :
    وها أنت يا حياة قد أصبحت أما وتحقق حلمك القديم ، وبيتك الآن يضج بنداءات ولديك : ماما .. ماما .. ماما ، فهل وجدت السعادة التي كنت تنشدينها ؟ .
    ـ كنت سأجدها لو أنك كففت عن ملاحقتي .
    ـ أنا لا ألاحقك !.
    تنهدتَ واختلج صوتك قائلا : ـ
    إن مشكلتي يا حياة هي أنك روحي .
    نظرتَ إليّ بعينيك الدامعتين واستطردتَ : ـ
    كيف يحيا المرء بلا روح؟ ! .
    ـ ولكنك تعذبني .
    ـ ألأنني مازلت أحبك ؟ ! ، أنت أيضا يا حياة لم تخب جذوة حبك لي منذ افترقنا . أتنكرين أنك مازلت ترتدين الفستان الأزرق الساتان الذي أحضرته لك من سوريا ، على الرغم من أن سامي لا يحب اللون الأزرق ؟ ! ، وتصريّن على اقتناء العطر الذي أهديته إليك ذات مساء حالم . وتلك الحقيبة التي تحتفظين فيها ببعض ملابسي ، ألا تلوذين بها في لحظات انهيارك كما تلوذ القوارب المنهكة بأرصفة الموانئ ؟ ! .
    ـ خالد ، أتمنى أن أعيش يوما واحدا بدونك ، و أن أستيقظ في الصباح وأرتب سريري دون أن أشم رائحة جسمك في لحافي ووسادتي ،ودون أن استنشق أنفاسك التي يعج بها بيتي . أتمنى أن لا أرى ملابسك وأحذيتك ونظارتك وأشياءك متناثرة حولي .
    في بعض الأوقات أهرب منك وأختبئ في حجرة أولادي ، وفي أحيان أخر أخلو بنفسي وأغلق الأبواب وأحتسي قهوتي ، فأراك في البخار المتصاعد منها ، أراك عند بوابة المحكمة يوم الخُلع . قلت لي آنذاك:
    والله لن أسامحك ما حييت .

    كانت شفتاك ترتجفان بشدة وانفلتت من عينيك دمعة كبيرة ، وأنت تحث
    الخطى منصرفا نحو سيارتك .
    في تلك اللحظة فقط يا خالد أدركتُ هول ما اقترفتُ . عارية كنت أقف تحت شلالات الذهول الثلجية . إلى متى سنظل على هذا الحال ؟ .

    ـ أنا أيضا متعب بدونك .
    ـ من الجنون أن نستسلم لهذه الحبال الروحية التي تربطنا . كلانا متزوج . قدرنا أن نفترق ، فلم يصرّ كل منا على أن يحيا حياتين في آن واحد ؟ .
    ـ ............ .
    ـ أتحب زوجتك ؟ .
    ـ من الغباء أن يهب المرء قلبه لمن يغدر به عندما يتعارض الحب مع المصالح الشخصية .
    ـ أي أنك لا تحبها .
    ـ لا يهم . المهم أن أحيا بسلام . هي أيضا لا تنجب . لا أحد منا يهدد الآخر أو يطالبه بما لا يملك .
    ـ ما الحل يا خالد؟ .
    ـ ماذا تريدينني أن أفعل ؟ .
    ـ ارحل .
    ـ سأرحل عندما تجتثين جذوري من قلبك .
    ـ هب أنني ضعيفة أمامك ، ألا ترأف بي وترحل ؟ .
    ـ هل هو قرارك الأخير ؟ .
    ـ ............
    ـ ............
    التفتُ إليك فلم أرك .
    نهضتُ بمشقة وعدت إلى مقعدي بجانب سامي الذي استقبلني بنظرات قلقة حانية . ضمني إلى صدره قائلا :
    تبدين شديدة الإعياء ! . هوني عليك ، بعد أيام قلائل ستضعين حملك بالسلامة .
    التصقتُ به بقوة وتنفستُ بعمق فتفتحت في نفسي براعم الطمأنينة . همستُ له : ـ
    سامي خبئني بين ضلوعك هناك بعيدا .... بعيدا عن هذا العالم .
    ألصقتُ رأسي بصدره وأصغيتُ إلى نبضات قلبه ، لكن ثمة صوت مبهم يمتزج بالنبض ، صوت بعيد خفيض كأنه قادم من قاع بئر . الصوت يعلو بالتدريج ويستحيل نداءً ملحا ً.
    رفعتُ رأسي فرأيتك جالساً على حافة السور ! .

    بقلم : مريم خليل الضاني




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
    القصة الثانية :


    (صــــــباح الدم )

    أتأملك يا أبي من وراء فرجة باب حجرة نومي ، صبيحة ليلة عرسي . أتيتَ مبكرا كعادتك عندما تزور بناتك في مثل هذه المناسبة .
    أتيتَ خائر القوى ، جاف الحلق ، زائغ النظرات . يلوح على وجهك ذلك الانكسار الحاد العميق الذي غدا جزءاً من ملامحك ، و تطوّق عنقك أغلال سوداء ثقيلة لا يراها أحد سواي . لم يعد هناك إنسان يهددك بعد أن تزوجت شقيقاتي كلهن غيري يا أبي ، أنا ابنتك التي لم يأتها نصيبها إلا عندما شارفت على الأربعين من العمر .
    كانت شقيقاتي يصفن حالتك في صباحيّاتهن ، وكيف كان أزواجهن يعطونك ملاءة السرير البيضاء الملوثة بالدم وهم يهنئونك قائلين : ـ
    بيّض الله وجهك يا عمي .
    عندئذ تنفرج أساريرك ، وتسترد أنفاسك ، وتحسي حسيات من الماء البارد لتطفئ الحرائق المستعرة في جوفك . لطالما تمنيتُ وأنا أصغي إلى أحاديثهن أن لا أتزوج قط لكيلا أرى وجهك في ذلك الموقف العصيب ، ونمَت تلك الأمنية في نفسي بعد أن تزوجَت ابنة عمي اليتيمة؛ وجهها الشاحب المذعور ووجه الطبيب الذي فحصها مسماران مغروسان في قلبي . كان الطبيب يحاول سدى أن يمتص غضبك العارم وهويشرح لك عبارته :
    إنها عذراء ولكنها من الحالات الشاذة التي لا تنزف .
    وعندما هممنا بمغادرة العيادة ألقيت بعبارتك في وجهه:
    هراء ! . الدم هو الدليل الوحيد على عفة الفتاة . الله لا يبتليني أنا أبو بنات . الله يستر عليها وعلينا .
    حين سمعتُ عبارتك تلك هوى قلبي في جبّ لا قرار له وهاجت في نفسي عواصف التوجس:
    ماذا لو كنتُ مثلها يا أبي ؟ ! .
    أي أرض ستقلّني وأي سماء ستظلني ؟ .
    أين المفر منك آنذاك ؟ .
    ألوذ بسريري ، أتأمل الضوء الشحيح المنبعث من وراء الستائر الداكنة ، و الهواء يعبث بباب حجرتي . تبدو وأنت جالس في زاوية الصالة كالسجناء المحكوم عليهم بالإعدام في لحظاتهم الأخيرة ، حين يصغون إلى وقع أقدام جلاديهم وهي تدنو منهم.
    كنت تختلس النظر إلى باب حجرتي ومن حين لآخر تنظر إلى الساعة مستبطئا مرور الوقت ، وتطلق زفرة كأنها نفس من أنفاس جهنم .
    حدقتُ في عينيك المتقدتين وأبحرتُ في ذهنك الذي تتلاطم فيه أمواج الريبة والخوف :
    لماذا تأخر زوجها في الخروج من الحجرة ؟ ! .
    لا بد أن هناك خطبا ما ! .


    لا .. لا ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ابنتي فتاة شريفة ، أعرفها . ابنتي الكبرى العاقلة ، أنا ربيتها فأحسنتُ تربيتها ، وأخواتها اللاتي تزوجن قبلها لسن أفضل منها خلقاً وتديناً ، ولكن من يدري لعل شيئا ما قد حدث لها عندما كانت طفلة ! .
    ما أشد تلهفك على رؤية وجه زوجي يا أبتِ !.
    أجزم أن ضغطك الآن قد حاذى حدوده القصوى . كل شيء فيك يحترق في أتون الانتظار ، تتراءى لك هاوية المهانة التي تتأرجح على شفيرها . يكاد الدم ينبجس من مسامك ، يتفصد العرق من جبينك غزيرا ، تتحد قطراته وتجري في أخاديد وجهك ثم تنزلق باتجاه ذقنك . غدا وجهك قطعة رمادية باهتة بلون شعرك وأنت ترشف رشفة من العصير ، أخالها تسيل في حلقك كحمم البراكين .
    أغمضتُ عينيّ وهربتُ إلى الزقاق القديم ، أركض فيه طفلة صغيرة تطير ورائي جديلتي وكشاكش فستاني الواسع ،.أدسّ جسدي النحيل بين أجساد الصبية وهم يلعبون ، ثم يهرب أحدنا فننطلق على أثره كأسراب الطيور. كانوا يختبئون فوق الأسطح الترابية وكنت أختبئ في صندقتي المهجورة التي لا تعرف مكانها يا أبي .
    مازال قطار الزمن متوقف عند باب حجرتي ، وأنت منهمك في تجفيف عرقك المتصبب ، بينما يرتدي زوجي ثيابه بتؤدة و يبحث في سلّة الملابس المتسخة عن ملاءة السرير . عندما خرج إليك سحبتُ اللحاف على جسدي المتعرق المرتعش و دفنت رأسي تحت الوسادة .استسلمت لرحى اللحظة الحاسمة تسحقني فأتطاير في الهواء كالغبار .
    تفتحت كل جراحي القديمة ، يتدفق منها الدم حارا لزجا غزيرا ، أشم رائحته التي تبعث الخدر في أوصالي وتصيبني بالدوار . بقع الدم تتناسل حولي وتلطخ الجدران والأثاث والسماء البادية من الفرجة الصغيرة للنافذة. تصطخب في أغواري رؤى متداخلة وتطل عليّ برؤوسها كالعناكب : يوم أن بلغتُ وأصبحتُ امرأة ، بيتنا الذي يعج بالتفاصيل الأنثوية ، صراخ أمي وهي تضع في المستشفى ، و وجهك المُسوَد وأنت واقف هناك ، تمتطي صهوة الأماني وما تلبث أن تهوي على صخرة الكلمة التي تتفوه بها الممرضة :
    بنت ! .
    وضعتُ إصبعيّ في أذنيّ لكيلا أسمع صوتك ، ولكن قهقهتك دوت في حجرات البيت كطلقات مدافع العيد .هائجاً كنتَ ، تصيح تارة وتهذي تارة ، ثم تردد بصوت متحشرج :
    الحمد لله .. الحمد لله . ألف مبروك ... ألف مبروك.
    ناديتني فلم أقو على الرد ولا على الوقوف على قدميّ ، فاقتحمتَ حجرتي مادا ً ذراعيك لتحتضنني .
    كان وجهك مشرقا مبتهجا كشمس الصباح حين قبّلتَ رأسي ووضعتَ في يدي نقودا ، وأنت تردد بصوت خنقته العبرة :
    بيّض الله وجهك يا ابنتي كما بيّضتِ وجهي .

    تحاملتُ على نفسي ووقفت على النافذة أراقبك وأنت تتجه صوب سيارتك بخطى رشيقة . لم تكن تتكئ على عكازك ، بل كنت تلّوح به في الهواء وأنت ترقص وتدور حول نفسك. كان ظهرك منتصبا على غير عادته ، ورأسك شامخ كالجبال حين ركبتَ سيارتك وانطلقتَ بها تسابق الرياح .


    بقلم : مريم خليل الضاني

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
    القصة الثالثة :

    (انتظـــار)
    يجثمون على صدري كالجبال ، يحيطون بي كالأسلاك الشائكة ، أرى وجوههم قبيحة كوجوه الذباب .
    يجلسون على أرائك الحجرة ذات الجدران الرمادية . يحتسون عصير الليمون البارد ويثرثرون حول حرارة الصيف ، والمقهى الذي انتقل إلى شارع آخر ، والمسلسل العربي ذي النهاية المفتوحة .
    أمي تتذمر من كرش أبي الكبيرة وأبي يلح على أمي أن تقص شعرها مثل قََصة شعر مطربته المفضلة . احتدم النقاش بينهما وسرعان ما صمتا وشرعا يتابعان الحلقة الأولى من المسلسل الجديد .
    جهاز التكييف المقيت مازال يضخ في الحجرة أمواجا متلاحقة من الهواء البارد الذي ينخر عظامي.
    أرى وجه أمي من بين فخذيّ المقوستين الناتئتي العظم ، ترمقني بنظرة سريعة وهي تنهض قائلة:
    سأحضر لحافاً .
    بدأ مغص حاد يعتصر بطني تلاه خروج براز سائل حار مني .
    كم أكره رائحة برازي ونظراتهم التي يرشقونني بها حين يشمون رائحته المنتنة! .
    تبا لهذه البرودة ! ، المغص يشتد وجسدي يرتجف .
    أطلقتُ صوتي الذي يشبه خوار البقر فالتفتوا إليّ ثم عادوا إلى مشاهدة المسلسل .
    دخلت أمي الحجرة تحمل لحافاً دثّرت به أخي الصغير النائم بجانبها .
    . أطلقتُ صيحات أخرى حين شممت رائحة البراز التي بدأت تنتشر في البيت ، عندئذ
    صوّب أبي نحوي عينيه الطافحتين بالاشمئزاز ، ثم أغلق أنفه بإصبعيه وهو يومئ برأسه إلى أمي . قالت أمي وهي تنزلق في أريكتها وتستلقي على ظهرها باسترخاء : ـ
    أنا متعبة الآن . بعد قليل سأنظفه .
    حدّقتُ في اللوحة المعلّقة على الجدار منذ سنين : طريق ترابي طويل يلوح في نهايته مرج مشمس . تظلل جانبي الطريق أشجار كثيفة داكنة الاخضرار .
    كثيرا ما كنت أشرد بذهني وأختبئ بين تلك الأشجار ، أو أركض في الطريق ولكن قدميّ تكلان دون أن أصل إلى نهايته . تأملتُ في زجاج اللوحة انعكاس صورة جسدي الذي اشتد نحولا واصفرارا في الأشهر الأخيرة .
    أختي التي تجلس بجوار النافذة تطلي أظافرها بطلاء أحمر، وتمط شفتيها بامتعاض قائلة : ـ يا خسارة ! ، لن نسافر إلى ماليزيا هذا الصيف .
    أثارت عبارتها حنقهم ، فتبادلوا عبارات مقتضبة ثم طفقوا يتحسرون على طبيعة ماليزيا الخلابة وأسواقها الرخيصة . بغتة صمتوا جميعا ونظروا إليّ بأعين زجاجية معتمة ، فاختبأت بين أشجار الطريق. أغمضت عينيّ وأصغيتُ إلى وجيب قلبي ولهاثي وعندما
    فتحتهما رأيت فضاء الحجرة مغبرا أصفرا تتساقط فيه ذكريات كأوراق الشجر الميتة: وجه أبي وهو يضاحكني ، و رائحة صدره حين كنت أنام في فراشه عندما تسافر أمي
    ،والحكاية التي اعتادت أمي أن ترويها لي قبل النوم : حكاية الولد المعاق الذي شُفي عندما أصبح شابا .
    آه ... البرودة تشتد !
    لو أنهم يغلقون جهاز التكييف برهة ! .
    شرع أبي يقلّب أوراق التقويم ثم تكلّم بصوت شديد الخفوت : ـ الصبر جميل . ربما نتمكن من السفر بعد شهر .
    أطرق أبي قليلا ثم أردف وهو ينظر إلى السماء من فرجة النافذة ، و يشير بسبابته إلى أعلى : ـ
    إذا تحققَ ما توقّعه الطبيب .
    استيقظ أخي من نومه ثم نظر إليّ بخبث وابتسامة صفراء تلوح على فمه . لابد أنه اشتاق إلى هوايته المحببة إليه التي اعتاد أن يمارسها في غفلة من والديّ : غرسَ أظافره بقوة في قدمي بينما يراقبه والداي صامتين ، وعندما ضج البيت بصياحي نهراه بفتور .
    انتهت الحلقة الأولى من المسلسل فنهضوا وهم يتثاءبون ويتمطون .
    حين حملتني أمي لتأخذني إلى الحمام حدقتُ مليّا في اللوحة المعلقة على الجدار ، لكنني لم أر فيها إلا انعكاس صورة التقويم القابع على الطاولة المقابلة للوحة .

    بقلم : مريم خليل الضاني
    التعديل الأخير تم بواسطة مريم خليل الضاني ; 19/11/2008 الساعة 07:29 PM
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات قسم القصة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 15/03/2010, 04:15 AM
  2. مشاركات قسم الشعر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 14/03/2010, 04:26 PM
  3. مشاركات قسم الشعر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 05/12/2008, 11:18 AM
  4. نقد مشاركات المسابقة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 22/12/2007, 12:05 AM
  5. مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة))
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مسابقة المربد الأدبية الرابعة
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 01/12/2007, 04:11 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •