أمّاه ..
يا ربَّة الطُّهرِ المُزمْزَمِ بالنَّقاء ، وما تنَزَّهَ في انفراجات السَّماء
يا أمَّ عيسى .. لم تنَلْكِ نوازعُ الشيطانِ يوماً .. لا مِراءْ .
هيَ حشرجاتٌ اسمعيها من صدورٍ حاسراتٍ ..! :
إنما أمسى الوَرَى في غير حلٍّ عن أساهم يتضورون فيعصرون مواسمَ الزيتون دمعاً .
من كوَّة الشفق المضمّخِ بالرحيل تناسلت خطوات جلاد الفرح ؛
ليستبيحَ خدورَ بناتِ طـهَ .. وهُنَّ يعجِنَّ الدقيق بكفوفٍ بلَلَتْها حسراتٌ تتقطَّر..من حليبٍ ضيَّعَتْه شفاهُ أيتامِ المحاضِن ..
يطويْنَ ليلَ الجوع بطولهِ متمَنْطِقاتٍ ببعضِ أحجارِ الطريق ..
إيْدامُهُنّ جفْناتُ دمٍ .. وقوتُهُن كِسْراتُ خُبْزٍ ،،
تعفَّرَتْ أشلاؤهُ بمسُوخِ المارقين على دروبٍ كالحة ..
آمالهُم وهمٌ وَ وَهْن بعدَما نشَرُوا الضَّمـير على أسلاكِ ذُلٍّ سافِرٍ،،
باتتْ رؤاهُ مالِحة ..
أمَّاهُ .. هذي شكْوَتي ..
قُدَّتْ إليكِ اليومَ من قميصِ ليلٍ مكفَهِرّ .. أثقَلَتْ خطواتُهُ صدْري
وكـاهِلَ مُهْجَتي ..
ونُجـومُهُ انطَفَأتْ في عينِ ثكْلَى توهَّجتْ أفلاكها موتاً حُسُوماً .
أدركيني ،، خبّريني :
بماذا يحلُمُ الخُبزُ المغمّسُ بالأرَق ؟!
أو كيفَ يلهو الماء على أعطافِ دجلة والفرات ؟!
حتى نشيجُ هاتيكَ النواعيرِ اكتَرَى بعض أصواتٍ توارتْ ..
في حناجرِ المدنِ التي أعشى الصباحُ على تُخومِها منذُ أزمانٍ توَلَّتْ .
وأراجيز الصبايا اكتحَلتْ بالغيومِ السودِ ،،
تُسائلُ الماضي الأثيل عن غِلالاتِ الفرَح ..
عن يومِ عيدٍ تائهٍ في حُداءاتٍ حزينة ..
أمَّاه ..
بناتُ طـهَ اليومَ يَحْلُمْنَ بقِنْديلِ سَـكَن ..!
يحْمِلْنَ أكداسَ الصَّقيعِ كما الأجنَّة ..!
ويَدُرْنَ في متاهاتِ البَراحِ بقَدْرِ شهورِ حَمْلٍ ..
فيَلِدْنَ إيماناً توَقَّدَ نورُهُ ؛
كمَا التَّمائمِ في عنُقِ الأسنَّة ..
بالأمسِ .. عرائسُ النَّوارِ تكَسَّرَتْ أمشاطُهُنَّ
بأقدام مَنْ جاسوا وداسوا في أرضِ المعارج والنبوَّة ..
أشباههمْ زحَفوا على رقاب المارقين ..
فأوْصَلُوهُمُ أرضَ الخلافة ، ودارَ هارون الرَّشيد ..
أمَّاه ..
يابنتَ عمران التقيّ .. ( يا أختَ هارون النبيّ ) ..!
هذي الشآم تطَوَّعَتْ لتضيء فِطْنتها شموعاً
للأُلى غفلوا وتاهوا ..!
وصلاحُ الدِّينِ يسْأل :
أمَا حانَ التَنَبُّه وانشداه الواجبات ،،
وانتفاضُ بوارِق الفُرْسانِ أكثر ؟!
مساجِدُ الفيحاء تنتظر المسيحِ ،،
وفُراتُنا يأبى أن يُسمَّى بالجريح ..!!
ونساءُ الرَّقَةِ السَّمراء شَدَدْنَ على جبينِ المَرْجَةِ العصماء
مزيداً من عصاباتِ الوفاء ، أقسَمْنَ لا يحْلُلْنَها إلّا إذا
لبِسَتْ دمَشقُ قشيبها حُلل الفخار ..!
شحذْن بمديةِ صرخةٍ حرّى همَمَ الرجال ، ماجتْ لها بيد الفلاة .
أردفنَ يعقدْنَ النُّذورَ موثَّقات ببابِ أويسٍ القُرَنيّ ،
ونادَيْنَ في أهْلَ صفّين الكرام :
ألا فلتشهدوا اليوم ..!
أنّا نذَرْنا رقاب أبناء الرَّشيد مرابطين ..ولا نحيْد ..
إلّا إذا حلَّ السَّلامُ والنَّصْرُ المؤَمَّلُ والأكيْد ..
أمَّاه ..
رجواتنا تسعَى إلى محرابكِ الأقدَسْ
هُزِّي إلينا أمّنا ..ظِلّاً كثيفاً من عذوقِ النَّخْلِ في بغداد ..
لعلَّنا ننجِبُ يوماً ..حيدَراً أو حمزةً أو يوسف العظمة أو عُمَراً أغرّاً.
صُبِّي علينا من جَدَا بركاتكِ الأنقى ..
لعلَّنا يا أمّي ..
نودِّعُ قهرَنا الممتدّ .. نطهِّرُ التُرْبَ المُدَنَّس
وامسحي يا أمّي .. جباهَ كلّ من يحمونَ باسم الله
دِمَشْقَنا ..وباركينا إنّنَا من نَسْلِ أحمدَ لا نُضَام ..!
ولا تُكْسَر لنا شوكة ولا يُطْفَأ لنا فِكْرٌ بمنفَضَةِ اللِّئام ..!