Results 1 to 4 of 4

Thread: عندما تكلم عبد الله الصامت!

  1. #1 عندما تكلم عبد الله الصامت! 
    كاتب مسجل
    Join Date
    Jun 2006
    Posts
    1,123
    Rep Power
    20
    عندما تكلم عبد الله الصامت!
    قصة قصيرة، بقلم: حسين علي محمد
    ...................................

    قال عبد الله الصامت، المُغني الضرير، وزميلنا في قسم التاريخ، وهو واقف تحت ساعة جامعة القاهرة، التي أصبحت مختلة .. وعقاربها واقفة، وكنا في صباحٍ بارد من يناير الثامنة والستين:
    ـ لماذا لا تنصت في مثل هذا الجو البديع يا عبد الصادق إلى أغنية نجاة التي تتهادى إلى آذاننا من شارع بين السرايات المجاور؟!.
    أرهفنا آذاننا، أنا وعبد الصادق فلم نسمع شيئاً!
    سألتُ الصامت:
    ـ نحن لا نسمع شيئاً! .. فماذا تقول الأغنية؟
    قال في غير مبالاة:
    ـ تغني نجاة الآن قصيدة كامل الشناوي: «لا تكذبي»!
    قلتُ وأنا يراودني الضحك، لكني لم أضحك حتى لا يغضب مني، فهو سريع الغضب:
    ـ وما علاقة الأغنية بالأستاذ عبد الصادق؟! ..
    رد في سرعة:
    ـ أردتُ منه أن يسمعها، ويتدبّر معانيها!
    ...
    كان عبد الصادق طالباً في السنة النهائية بقسم اللغة الفارسية، وحبيباً لجميع الطلاب، ويتدخّل لدى الإدارة لحل مشاكلهم، ولهذا انتخبه الطلاب رئيسا لاتحاد طلاب الكلية لدورتين متتاليتين، بينما كان الصامت مطرباً ـ بين أحبابه فقط ـ يُغني أغنيات المقاومة لأولاد الأرض، وأغنيات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، التي تُلاقي هوى منا، نحن الشبان ـ دون العشرين ـ الذين ذبحتنا هزيمة يونيو، وأسالت دماءنا!
    قلتُ لعبد الصادق:
    ـ لماذا لا ترد .. أو تعلق على دعوته؟
    صرخ عبد الصادق، وهو يضرب بقبضته الهواء:
    ـ ماذا يهمكم أو يُغضبكمْ من قوله؟ دعوه يتكلم .. هذا المغني البائس .. الذي ليس له مستقبل.
    ثم قال بصوت منخفض لا يكاد يسمعه أحد:
    ـ «ليس على الأعمى حرج» .. صدق الله العظيم!
    ووضع وجهه على الحائط، وأحاطه بذراعيه كمن يُحاول أن ينام، أو يُبعد صوت عبد الله الصامت عن أذنيه!
    ...
    رأيته يُشعل سيجارة معلقةً في فمه، ودخانها يصنع حاجزاً سميكاً بيننا وبينه.
    خلف الدخان رأيته يحدث نفسه بكلمات غير مفهومة، وعيناه تبرقان.
    قال له زميلنا السمين خيري الجمل وهو من طلاب الانتساب في قسم التاريخ، ويكبرنا بحوالي سبعة أعوام:
    ـ سيدنا الفاضل .. نمْ، ولا تُزعج نفسك بالردِّ على أقواله، فإني أراك تحتاجُ للنوم!
    وأضاف في سخرية بادية:
    ـ يبدو أنك لم تنم منذ عام!
    لم يرد عبد الصادق، وكان فمه يمتلئ برغوة كالزبد! .. ونظر إلى عبد الله الصامت متوعداً، بينما السيجارة تسقط من يده المرتعشة.
    ضحكتُ مخاطباً خيري الجمل:
    ـ ما أجمل النومَ في هذا الطقس البارد! .. أنا أريد أن أنامَ أيضاً! .. ليتني أستطيع!..
    قال الصامت:
    ـ .. وأين المكان الذي نستطيع أن ننام فيه؟!
    أدرتُ وجهي إلى الحائط ..
    استغربتُ ما أبصرته من كلمات وجمل مبتورة ونابية، ورسومٍ لأسهمٍ وقلوب متقاطعة.
    أدرتُ وجهي إلى زملائي، فأبصرتُ الصامتَ، وهو يبصق على الأرض، ويُغادرنا بصحبة مُرافقه الذي لا يتركه، قائلاً:
    ـ إذا نام عبدُ الصادق الكذابُ .. فمن يكتب عنكم التقاريرَ إلى الجهات الأمنية؟

    الرياض 19/9/2006م
    Reply With Quote  
     

  2. #2 رد: عندما تكلم عبد الله الصامت! 
    كاتب مسجل
    Join Date
    May 2007
    Posts
    354
    Rep Power
    18
    قوية جدا
    تحية لك وتقدير
    Reply With Quote  
     

  3. #3 رد: عندما تكلم عبد الله الصامت! 
    كاتب مسجل
    Join Date
    Jun 2006
    Posts
    1,123
    Rep Power
    20
    Quote Originally Posted by أم فراس View Post
    قوية جدا
    تحية لك وتقدير
    شكراً للأديبة أم فراس على التعليق،
    مع موداتي.
    Reply With Quote  
     

  4. #4 رد: عندما تكلم عبد الله الصامت! 
    كاتب مسجل
    Join Date
    Jun 2006
    Posts
    1,123
    Rep Power
    20
    عندما تكلم عبد الله الصامت

    بقلم: مجدي محمود جعفر
    ......................................

    المغني الضرير، صاحب البصيرة، من الشخصيات التي تخلد في الذاكرة القصصية، وقد أجاد القاص رسمها وتقديمها بكل أبعادها الإنسانية، والوطنية. ومن خلال هذا الضرير الذي تكلم مؤخرا تم كشف المنافقين والمتسلقين وكتبة التقارير للجهات الأمنية. قام بتعرية نفوس مريضة وضعيفة وشائهة، وفضح مجتمع ما بعد هزيمة يونيه التي أجهضت الآمال والأحلام، وأعاد لنا القاص من خلال هذه الشخصية البصيرة ، الإيجابية، المُقاومة، رغم العاهة البينة.
    هذه الشخصية تمثل في رأيي: الضمير الوطني، والضمير الحي، في زمن مات فيه الضمير الوطني والضمير الإنساني، وأبان القاص عن بعض من قدرات هذه الشخصية الإنسانية، مثل التقاط صوت نجاة الذي لم يسمعه سواه من خلال حاسة السمع التي يحبو بها الله الضرير دائما عوضا عن حاسة البصر، وإن كانت هنا تتجاوز المعنى الظاهري وتدخل في نطاق الحدس والنبوءة، أو الفراسة، لكي يعري الشخصية الأفاقة المنافقة، من خلال المقاربة بين قصيدة كامل الشناوي التي غنتها نجاة وبين هذا الكذاب الأشر.
    وهنا يجبرنا حسين علي محمد على إعادة قراءة أغنية نجاة وتأويلها من جديد، لأنها في النص أخذت أبعادا سياسية، وتعدت القراءات السطحية عندما غنتها نجاة أو ألقتها في فيلم "الشموع السوداء" الذي كان بطله صالح سليم. وهنا إشارة ذكية إلى أن القصيدة تتجاوز المعنى السطحي والعاطفي البسيط؛ فالخيانة، ليست خيانة حبيبة لحبيبها ولكنها خيانة وطن، وهذا ينطبق تماما على حالة الكذاب الأشر الذي لم يأخذ من اسمه نصيب. وإعادة أغاني الشيخ إمام وقصائد أحمد فؤاد نجم التي مثلت في زمنها المقاومة والرفض أثْرَتْ النص وأعطت للمغني الضرير قوة ومرجعية له ليقول بلا وجل، ويكشف بلا خوف، ويعري بلا تردد!.
    أشكر الدكتور حسين على هذه الشخصية القصصية وسأعاود التردد عليها بين الحين والآخر؛ فهي شخصية ثرية ومليئة بالأسرار، وليست بالبساطة التي قد يظنها البعض!
    ...........................
    *منتدى "الواحة" ـ في 30/10/2006م.
    Reply With Quote  
     

Similar Threads

  1. الجواب الأنسب عندما يسأل الطفل: أين الله؟
    By طارق شفيق حقي in forum إسلام
    Replies: 0
    Last Post: 07/04/2016, 10:42 PM
  2. Replies: 1
    Last Post: 10/06/2010, 12:20 AM
  3. Replies: 13
    Last Post: 12/09/2008, 06:50 PM
  4. Replies: 2
    Last Post: 21/09/2006, 08:07 PM
  5. Replies: 6
    Last Post: 29/08/2005, 09:51 PM
Posting Permissions
  • You may not post new threads
  • You may not post replies
  • You may not post attachments
  • You may not edit your posts
  •