إنتظر الشيخ محجوب حتى ولجت قدماه الحذاء الجلدي المطرزبأشكال تقليدية جميلة بعدما ساعده على لبسه حفيده محمد قبل أن يتهادى بخطاه نحو الباب مرتكزا بيده على عصاه العتيقة و مسحة ألاشمئزاز تكتسي وجهه الناظر و لحيته الموقرة بظفائر شائبة يتوسم فيه الناظر ملامح رجل مخضرم عاش عنفوان التورة المجيدة وشاهد صرح الاستقلال الخالد سبقه نحو الباب حفيده محمد يحمل كرسيا مركزا ببطائن ألاغطية تقي ضعف الشيخ ووهن جسده
كانت اشجار الزيتون العتيقة تقع بمحاذاة البيت الواقع اسفل هضبة تمتد بعدها أراضي مترامية الاطاف فما من سائل على أل الشيخ إلا وإستدل بها على معرفة البيت المطلوب زيتونات باسقات غصونها كبيرة جذوعها ملاذ للشيخ من ضجيج البيت و و مرتعه لذكريات خالدات
علت الحيرة وجه محمد حفيد الشيخ عندما أسند كرسي جده على جذع إحدى الزيتونات حيث لمح ثلاثة ثقوب صغيرة لم يسبق له مشاهدتها من قبل رغم طول عهده باألاشجار فسأل جده المسن دون إثارة فزعه
السوس بدأ ينخر الاشجار و سوف تموت عاجلا؟ ساعتها سرح الشيخ بخاطره من أين يبدأ؟من النهاية أو البداية؟فتحت عيناه على الدنيا و الزيتونات باسقات فخبايا الطبيعة تحمل ذكريات الانسان كم يؤلمه أن يرى نهايتها مساء اليوم الجرفات سوف تأتي عليها لتشق الطريق العمومي الذي قدر له ان يمر بمحاذاة البيت
فتأود في نفسه لكم هي قاسية يد الأنسان بعكس حنان الطبيعة و ألارض لا يتوانى ألادمي عن فعل أي شيئ ليصل لمأربه حتى تدمير ذكرياته بيده ماذا سيفعل هذا المساء تدمر ألاشجار و معها جزء من نفسه و تاريخه سوف يقبع لمشاهدتها دون حول و لا قوة ؟
إستدرك الشيخ قول حفيده قائلا عجيب ألم تدرك الثقوب الثلاثة من قبل؟إنها تمتد على أضعاف عمرك مزجت روحها تعلق الانسان بألارض فوراء الهضبة تمتد أراضى أممها الكولون لثورات أجدادك المختلفة عليهم لم يبقى منها إلا اشجار الزيتون أوصى والدي بتعهدها و رعايتها قد يمس بسوء من يضرها حلت بها بركة الاجداد لفظ أنفاسه أمامها شهيد من جيش التحرير فالثقوب الثلاثة من وقع الرصاص الذي أطاح به
إنقلب جواب الشيخ لكلام جارف كأنه إنتظر طويلا من يثير فيه أشجانه و ماضيه و ربما يعزيه عن مصير اشجاره المنتظر مساءا فنقل أسماع حفيده لكلام ذو شجون قائلا و متحدثا
عن بساطة مولده مع بداية القرن و رفض والده المشاركة في الحرب العالمية ألاولى لجانب الفرنسي الكافر و عهد ألاحزاب السياسية و المدارس التعليمية التي ميز فيها العرب الجزائريون بلباس لايتعدى قندورة مخاطة بأكياس السميد ألامريكي أثناء المجاعة الكبرى و طربوش أحمر يميز الجزائرين و قدوم الامريكين سنة 1942 والثورة المجيدة
و أدرك الشيخ فيما وراء العقل والكلمات أنها أعظم شيئ في حياته من أيامها يتأسى على ليلة خروج والده الجريح بصحبة مسبلين أثنين من جنود جيش التحرير لمدواة جراحه الثخينة وهو يقول لست أدري من يقرأ الفاتحة على قبري ؟ولم يتذكر منه سوى طاقم أسنانه الذهبي و حذاءه اللامع أعياه البحث عنه فلم يحد سوى إجابة واحدة لقد أستشهد؟ اين دفن ؟ليس هناك من يدري
تأصلت في الشيخ عادات حميدة يتعهد زيتوناته صباحا ويذهب لقيلولته ظهرا و يجالس أقرانه محدثا إياهم عن حاضره ألاغبر مساءا لكن أمسية اليوم كغير سائر ألامسيات فالجرافات تقلب الارض و معها أشجار الزيتون وهو ينظر إليها وعلى حين غرة.....
لاحت لأنظار الشيخ رفات بشرية أدرك لتوه أنها لشهداء من بقايا مستشفى لجنود جيش التحرير و من بين الهياكل ظهرت جمجمة ذات طاقم أسنان فضية و حذاء لامع لم يأتي عليه الزمن فأيقن أن والده قد دفن تحت أشجار الزيتون
سارع لجمع رفاته في برنوسه الناصع البياض غير مصدق لمايرى قائلا لحفيده لقد حلت بركة الزيتون وكان الولد في ذلك الحين يرفع يديه ليقرأ الفاتحة على روح جده الأكبر الذى تسأل يوما من يقراء الفاتحة على قبره؟
و أخيرا....... عادل الشيخ محجوب ماضيه بحاضره ولابد له أن يكون سعيدا فالارض هي ألانسان فمن ضياع أشجار الزيتون إنبعثت رفات أباه الذي يبقى شهيد الخلود
....................رحم الله كل شهداء الامة الاسلامية....................
و اشكر كل من ساهم في تشجيعي من الاخوة المشاركين في المنتدى
من تأليف غماري احمد صور الغزلان البويرة الجزائر