-هيا يا صغيري .. هيا فقد سبقتك العصافير إلى المدرسة..
أفتح النافذة ليلفح وجهي نسيم الصباح مداعباً خصلات شعري..أتجه إليه ..أسحب الغطاء برفق عنه ..أضرب على خده برفق..
-هيا استيقظ ..لمَ كل هذا الكسل ..؟
يتململ في سريره ..و يعاود سحب الغطاء على جسده الغض..
أزيح الغطاء مرة أخرى ..أحادثه بغضب:
- العصافير أنشط منك!!
- لا أحب العصافير ..و لا أحب المدرسة .. و لا أحب الأولاد..
-هل تحبني..؟
يصمت..ثم يصرخ : أريد أن أنام .. لا أريد المدرسة.
صوته الصغير يشي بشيء .. لم يكن صغيري هكذا من قبل .. كان صوته دوما ينشر في نفسي الأمل .. و التفاؤل.. أصحو دوما على ابتسامة تنسج في قلبي الحب..صغيري ..لم يعد كما كان.. صغير يتألم ..أشعر به.."حتى و إن لم أكن".. أهز رأسي أحاول إبعاد هذا الهاجس ..فأنا أمه الحقيقية..أنا من حملته بين ذراعي و سهرت الليالي حينما كان يبكي متألما.. أنا أمه..
أرفع رأسه .. أحتويه بذراعي ..أضمه لصدرٍ طالما ضمه في صغره ليبكي عليه ..أو لعلنا بكينا معا.. ألثم جبينه بقبلة صادقة..بقبلة أم حقيقية..
- مالذي يغضبك يا حبيبي..
- ماما.."يقولها بعد صمت"
- هل للعصفور أب؟
- نعم.. لماذا تسأل..؟!
- يعني لكل شيء أب ..أليس كذلك ماما؟
- صحيح يا حبي؟
- يستوي جالساً يفرك عينيه الصغيرتين ..يتلعثم المرة بعد الأخرى..
- ماذا تريد أن تقول..؟ هل تشكو من شيء..هل أغضبك أحد؟
- ماما..لك أب صحيح..و هو بلحية بيضاء ..و دائما يحمل العصا الغليظة.. يناديني دوما ليعطيني الحلوى..
ألتزم الصمت و أحدق في وجه صغيري جيداً .. أحاول أن أستشف من تلك الملامح البريئة شيئاً..فقلبي لا يكذب ..طفلي يتألم..
حينما يلاحظ صمتي..يجهش باكياً بعدما ترتسم علامات الحزن على ملامحه..
_ لماذا يقول مدير المدرسة "أين أبوك؟" فأين أبي؟ كل شيء له أب ..و أنا ..
حرقة تنتشر في قلبي .. و ألم يبدو على تقاسيمي.. تمنيت أن يقف الزمن قبل أن ينطق صغيري بهذه الكلمة..تمنيت أن يتوقف الزمن قبل أن يقولها المدير..أن يتوقف الزمن كله قبل أن يسأل طفلي عن والده المجهول..والده الذي لا يُعرف إلا بطفل رماه يوماً أمام مكب النفايات..متخلصاً مع من معه من عار الدنيا..
أحتوي جسده بذراعي.. نبكي معاً ثم أهمس في أذنه بحبٍ دافئ "أنا أمك و أبوك..أنا لك كل شيء..أنت حبيبي .."
نبتسم بألم يملأ كوننا الصغير "لا مدرسة اليوم!"