العجوز و اللص و الباب المفتوح..
.
ترفع سماعة الهاتف , تضغط على الأرقام للمرة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة ..لم تعد تذكر..تحادث نفسها "كان هذا رقم الشرطة منذ زمن؟ فمالذي غيره..ياااه .. كل شيء في هذه الدنيا تغير ماعداي.."
تتشبث يدها بسماعة الهاتف..تنتظر أن يجيبها أحد ..فمنذ أيام و هي تحاول العثور على من يسمعها و يسمع قصتها التي كررتها مرات و مرات..حتى ملّها الجميع..
"ألن يرد أحد على عجوز بائسة مثلي !"
-مركز الشرطة معكم..
ترتجف فقد أصابت هذه المرة ..تعيد صياغة حروفها المبعثرة من جديد ..
-منذ أيام و أنا أطلب مركز الشرطة ..فيقولون مرة "الرقم خاطئ" .. و مرة" منزل سعيد باشا" و مرة أخرى " منزل السيدة شجن" فمنذ متى غيرتم الرقم!
يصمت الشرطي ينتظر أن تبلغ عن شيء ..أن تشتكي على أحد..أن..أي شيء ..المهم أن تنتهي المكالمة..
.
تعيد السؤال من غير يأس.."متى تغير لقد كان في شبابي مختلفاً..
-يبدو أنك يا سيدتي ..لم ترتدِ النظارة منذ شبابك ..
تتأوه"صدقت مذ رحل للجبهة لملاقاة العدو..لم أرتدها حيث لم أعد أرغب في رؤية وجه غير وجهه..
-سيدتي مالذي تريدين الإبلاغ عنه..
قصتي طويلة .." تصمت تبتلع حروفها المتألمة" هل تسمعها؟!
بغيظ يرد" ماهي؟"
-لقد سُرقت.
يحادث نفسه "الحمد لله لديها ما تتصل من أجله في هذه الساعة!
-أتسمعني ..ألو ..ألو..
-أسمعك ..سيدتي..أكملي..
ثم يباغتها بسؤال آخر..
- من الذي سرقك .. و أين تمت السرقة و فيمن تشكين.. و ماهي الأشياء المفقودة؟
-لقد كان الباب مفتوحا..
بعجب يقول الشرطي" و تتركين بابك مفتوحا .. و لا تريدين أن تُسرقي..
- لقد كان بابي مفتوحا..فدخل بهدوء كالنسيم ..بل كالبلسم يشفي جراحاتي ..
لكنه دخل من الباب المفتوح و سرقني!
- هل تعرفين اللص؟
تستجمع قوتها تصرخ في السماعة بغضب" ليس لصاً إنه أكبر من أن يكون هكذا..فلم يسرق غيري..
بنفاد صبر يقول الشرطي"..ماذا سرق "مجوهرات ..أموال..أجهزة كهربائية"
-ليته سرق كل هذا و ترك الأغلى..
-إذن عملية اعتداء مع سبق الإصرار و الترصد..
تصرخ ثانية "يا غبي إنه غاية في الشهامة و النبل و الكرم ..لم يؤذني يوما بكلمة ..بل كتب فيّ معلقة ..علقتها على نافذتي ..
يقهقه الشرطي بغضب..
-أين المشكلة إذن ..مادمت رضيت عن السرقة و السارق..
- لقد رحل بكل شيء .. رحل ..و تركني لوحدتي رحل و تركني وراءه مع طفل صغير.. تركني أعاني الوحدة و الألم ..قال إنه سيعود ..لكنه لم يعد ..خرج و ترك الباب مفتوحاً في ليلة شاتية..
تصمت و يصمت الشرطي و يصمت الكون..و تسقط السماعة من يدها و يبقى الباب مفتوحاً.
,
,
,