وأخيرا
... ثم ما إن بنى الليل خيمته ومد أسبابها ودق أوتادها، حتى أحس بالحمى تهب على جسده هبوب الريح العاتية، وإذا بجبينه يتصبب عرقا، وبرئتيه تزداد ضيقا وتمزقا، وبأنفاسه تغوص في سواد العتمة غرقا، ثم إن النوم فر لشدة ما ألم به من عينيه فرقا ...
جثم الصمت وقد أرخى سدوله على صدره، وخيل إليه أن الروح فارقته وأن جثمانه قد استقر في قبره، فلم يتأخر الهلع عن زيارته، إذ أرعد في سمعه وأبرق في بصره، ولم يمهله الظمأ قليلا، إذ أحكم قبضته على حلقه، وإلى الماء زاد حر الجو في شوقه ...
ثم إنه لما رأى ما آلت إليه حاله في تلك الليلة العصيبة، وقد شد وثاقه ما ابتلي به من مصيبة، تذكر طيشه في أيام ظنها بعيدة منه بعد آثارها الرهيبة، وتذكر في أخرى بطشه وهي منه قريبة، فبدت له الدنيا لأول مرة واعظة في حلة عجيبة، وكأنها تهمس بالقرب من أذنيه بكلمات ليست عنه غريبة ...
د. أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com