قصة : بيريــنْ*
( نشكرُ الأقدارَ تارةً لأنها حققتْ أمانينا .. ونكفرُ بها أخرى لأنها حرمتنا إياها .. ما أغربنا ! )
..." قريـن ".. شريانُ " الجوابر" ..قلعةٌ دون حصونٍ .. شجرة ٌتعلوه .. تطل على الأخضرِ و اليابسِ .. صخورُهُ لا تتيحُ لك فرصةً لتستريحَ على أريكتها الباهيةِِ.. حصانٌ متمردٌ ، يتمنعُ الترويضَ ،لكنه حـُروأصيل ْ.
في ركنِ زاويةِ الكهفِ .. يتهيجُ إحساسُك بأنفاسِ مَنِ ارْتادُوهُ .. همْ كذلك ( صُلاحٌ) مباركون، بركةَ جوهِ المشحونِ بالاطمئنانِ.. لَكَمْ كُنا نغالبُ أنفسنا حتى نصلَ قمتَه منهُوكِي القوى ..نتفيأُ ظل شجرتِهِ .. تحتَ شمسِه الحارقةِ الحنونِ .. و ليس ببعيدٍ منه.. الهامةُ العز " عاسْ رُوحُو " يمد يداً بضةً بالتواصل و الحب .. ففي مثل هذه اللحظات يكثرُ المناصرون لأيهما .. وينتصرُ الإثنان.
.. أذكرُ مرةً تلك الزيارةَ الربيعيةَ .. المعبقةَ برائحةِ الزعترِ المتماهي في " البقرير .. الروينة.. الكعبوش .. قهوة الصفاي" .. و رائحة القطران المنبعثة من " القْنُونَة " .. كلها شواهد على بساطةِ الحياةِ السعيدةِ.. بينما كنا نلهثُ باحثِينَ عنْ حباتِ " الفقاع" دون كللٍ أو ضجرْ.
- لا ينبغي أنْ تتعبقَ القهوةُ بغير هذه البهاراتِ..تحت تلك الشجرة ..أو بين جنباتِ الغارِ المفروشِ بعبيرِ السكونْ ..!
... لا أجدُ لمن أحبها وصفاً يليقُ بمقامها ... سوى أنها تأتي إلي في أثناء القيلولة كما الثلجُ يباركُ الأرضَ الجافةَ بعد اشتياقٍ طويلٍ .. كلما أستلقي على سريرِ هجيرِ الذكرياتِ اللافحِ المكسورِ .. و لا أجدُ حراكا .. فأخلدُ إلى النومْ .
... تعاودُني لمساتُها اللطيفة ُعلى كتفـي المثقلِ بأسئلتها :
- مَنْ يكونُ الذي يسألُ بدونها ..؟
- .............................. !
..الدهشةُ أبْـلغُ منْ أنْ تجدَ لهذا السؤال جوابا، يتملصُ من تحت لسانكِ المعقودِ ، منذُ أنِ احتل اسمُها شغافَ عقلي وقلبي وصد دهاليزَهما و شرفاتِهما دون سابقِ إشعارْ .
... ذات مرة - وأنا أسابق "هيثم "على ضفافها - و النحلُ يعزفُ ألحانَه برتابة ٍصيفيةٍ ، بعيدًا عن المقهى الذي ألفنا ارْتيادَهُ .عاودتْهُ السؤالَ الذي لنْ يجيبَ عنه كعادته:
-
" بيرينُ .. هل تَجْبُـرُ قلبَ مَنْ تعشقـُه و يعشقُها !؟ " .
ويبقى السؤالُ عالقاً، والحيرةُ واجمة ً، منقوشة ًعلى وجهي الأسمر،و الجواب دائما : ... " .
... بَقِيَ منَ الوقتِ ما لمْ يمْضِ منه.. مرتْ خاطرةُ السؤالِ مُرُورَ فراشةٍ كانتْ تحاولُ صعودَ البابِ المزركشِ بالألوانِ الدهنيةِ الجميلةِ .. كانت قد حسبَتْها نوعًا مِنَ الرياضِ التي تترددُ عليها كثيرًا كل مساءٍ .
..اللهفة لأن أجد لكل أسئلتها المتعبة جوابا مفعما بالإثارة والصفاء أكبر من كل المتوقع ،وأغبى مِنْ ظن هذه العابرةِ البريئة ... لم يكنِ الجوابُ عن السؤال مُهمًا .. فالمهمُ أنْ يكونَ السؤالُ مقنعًا ، حتى يتمكنَ الجوابُ هو الآخرُ من الوصول إلى عتبة التحررِ من سجن الإبهامْ . سألته بين رجاءٍ و يأسْ :
-
هيثم .. بيرينُ .. تنادينا..ككل أم .. و ليست ككل أمْ !. حينها رددتُ بيتًا من الشعرِ لطالما أفرحني و أبكاني :
لَـلْبعدُ يقتلُ كل ذكرى واهماً * أني نسيتُـكِ قلتُ "مـا أنسـَاكِ "
.. الدمعةُ في عينيها تنحدر بشرفٍ و كبرياءٍ ، دون أنْ تُحدثَ زلزالاً من تحت قدمينا .
- ماذا لو قلتُ لها : " ليس عندي منديلٌ أجففُ به دمعَك.. لكني سأجعل من نسيم قلبي البارد ، يجفف بِهَبتِهِ ما استبقى من آثار حزنِكِ الساحر " . ثم انصرفتُ غيرَ بعيد ٍ.. دون أن أكترثَ بما ارتسم في خاطري من شجون.
... تبسمتِ ابتسامةً متأففةً .. أرادتْ أنْ تُعاودَ اتْزانَها المعهودَ. مثلما كانت تفعل بعد كل حزن ، كان يتصيدُ فيها خريفَهُ !.. أطلقتْ للنسمةِ المسائيةِ ذراعيْها .. تسربتْ قشعريرة ٌإلى جلدها المنهكِ ، بإبرِ السنينِ العجافِ .. وشـوكِ المتشائمين الجُـدُدِ القدامى من لحظاتها المنتشاة .. حينها ربتَ على كتفي " هيثمُ " .. و قالَ بعد تأملٍ كبير ٍو صبرٍ قليل ٍ:
- يا لك منْ مكابرْ !.. إنها معي بين دفاتري و في أحلامي المغبرةِ في روحي، من قبل أنْ ألجَ ثراها المتعبَ بالأقدام الشفافـةِ.. وكيف تبحثُ عن سعادتها وقد وزعتْها على كل من أحبها وأحبته.. وكل من تنكرَ لها دونما سببٍ ، فصبرتْ على لؤمه .. وأعطته !
... بعد كل ماجرى تذكرتُ أنه لم يزلْ للوقتِ متسعٌ حتى أتمكنَ من البحثِ عن سعادتِها المشتتةِ.. هنا و هناكْ .
- نعمْ ! الوقتُ مايزالُ كافيًا لأجل ذلك . أتُرَى سيُسعفنا الأجلُ لنُلملمَ سعادتَها الضائعةَ بينَ شتاتِ أبنائها ..
.. في طريق عودتنا للمقهى الذي نرتاده كل مساءٍ .. انقطعَ سيلُ حديثنا فجأةً ..وقع شجارٌ بين رجلين.. أحدهما يصرخُ متهماَ الآخرَ بالسرقة.. يهدأُهُ بعضُ مَنْ يعرفهُ، و الآخرُ يُطيلُ النظرَ في صاحبه مبتسما كأنْ لمْ يحدثْ شيءٌ بينهما . والواقع أن الأول أخطأ في العنوان .. فلم يكنِ الثاني سوى شبيهِ مَنْ كان يظن أنه هو السارق... !
... حينَ كانتِ العصافيرُ تزقزقُ ، بينما أتَرشَفُ قهوةَ المساءِ المفضلةَ لدي ، تناولَ " هيثمُ " سيجارةً ..
كان يبدو عليه بعضُ التوترِ.. بدأ َ يُخربشُ بالفرنسية على ورقةٍ جَلَبَها معه مِنِ امْتحانِ هذا اليوم، تلصصتُ لأقرأ ما فيها .. لكني لم أفهم شيئا.
لمحتُها ..لمْ أتبينْ باقي الخربشةِ .. تيقنتُ أن ما قيل بالأمس قد حَركَ اللحظةَ فيه ساكنًا . و أسرعتُ بالسؤال :
- قصيدة جديدة ..إذنْ !
- نعم .. ولكنْ !
- ما بالـكْ ..!
- الضجرُ يتسللُ إلـي .. أشعرُ أن الباقي سيكون حزينا !
- حتى لو...
- يا صديقي .. خلقنا لنُسعدَ الآخرين لا لنزيدهم هَماً .. ومن سيقرَأُها سيضحكُ لسخريتها.. وسيبكي لسخريته .
.. و اكتنفَهُما الصمتُ منْ جديدْ .
... تغيرتْ نبرتُه .. هذا ما كنتُ أبحثُ عنه ..لكنْ سوف يسألني حينها عن جوابي المفعم ِبالغموضِ، حالما نجلسُ قليلا بـالمقهى البعيد عن ضجةِ السياراتِ و الناس ِ.. جلسنا .. أمسك كأسَه التي اعتاد أنْ يشربَ فيها .. ترشفَ .. تنحنحَ ..مُبديا تضمرَهُ من طعمها الجديدِ . لقد قدمَها إياه النادلُ الجديدُ ، سمعتُهم ينادونه " عُبيزة ".. لم ينتبهْ لذلك بعـدُ .. يبدو أن كل شيئٍ في هذه المقهى سيتغيرُ هو الآخرُ.. واسْـتدارَ ثائرًا :
- " وهل سيغيرُ الوضعُ من حالتها شيئـًا !؟ "
تحاملتُ حر ذلك اليوم ، و قلقـَهُ .. أطلقتُ ضحكةً ساخرة ً.. لم أجدْ لها من داعٍ .. و تأوهْتْ :
- " بيرين ..ماأصعبَ أنْ يشعرَ الواحدُ بالحُمى وقدماهُ تقفـان فوق قطعةِ جليدْ ! " .. و عاد كلاهما إلى بيته .
.. استمرَ السؤالُ يمزقُ إهابَ ما يعترضه .. و القرية ُالبيضاءُ ..الرماديةُ.. الخضراءُ ..سمها ما شئتَ أنْ تُسميها.. لا يتسربُ إليها المللُ مثـلنا ، فاللونُ لنْ يُغيرَ في صميم الجوهر شيئا .. ما دامتِ المدينةُ هي المدينةَ و الطيورُ كذلك.
.. كان الوقتُ أصيلاً، ينازعهُ الغروبُ حُلـتَهُ .. عيناها لا تجيدان الغمزَ مثل الغروبِ ساعةَ الشفقِ ..جميلتان جمالَ حيائهما .. تعلوهما رموشٌ مخملية ٌ..لم يكنْ لهما نظيرٌ بين كافةِ الصورِ و الملصقاتِ التي شاهدتُها والتي لمْ أشاهدْها بعدُ ..
.. القمرُ الذي تألقَ ليلتَـها تمنعَ ضوْءُهُ من المباهاةِ ..اجلالاً لهما.
ما يُميزُها.. ظفائرُها المسدلةُ على جبالها البنيـة الشماءْ ..
.. هي لا تجيد فن العشق ولكنها تزلزل مَنْ يعشقها بفنٍ دون أنْ تُبادله إيـاه .. تقاسيمُ وجهها تعيدُ حساباتِ الكثيرِ مما سقط من سجلاتِ الذاكرة ِالجحودْ .
.. لم يترددْ " هيثم " لحظتَها أنْ يبادلني السؤالَ في استحياءٍ و انتشاءْ :
- ألمْ تشربْ خمراً أشهى و أزكى منها.. !؟ .
- بلى ! بل إني أتصيدُ رائحتَها مِن غير أنْ تضُوعَ رائحتُها . مثل ابتسامةِ "جُوكَنْـدا " الساخرةِ المحيرةْ .
.. لعلي الآن فقط تيقنتُ أني تعسفتُ في حبها .. لمْ أبحثْ عنها في نفسي .. قاسمتُها خبزَها .
" جابـرية " ..لمْ تكنْ مثلَ باقي النساءِ ..اللواتي تصرُخْنَ متضمراتٍ في غضبٍ :
- " لماذا تُدفـنُ الأضواءُ ليلاً ، و لا فائدة َمن إحيائها نهارًا !؟ ".. مع أنها كانت – بحياءٍ - متضمرةً مثلهن !
.. و عاودتني الحيرةُ بوجُومٍ خائـرٍ من جديدْ :
" كمْ خانها الحظ مراتٍ معهم ( ! ) ، وحالفها مرةً معنا ".
... " الغريبُ الطيبُ " أحدُ هؤلاء الذين حالفها الحظ معهم.. أَحبها رغمَ حداثَةِ عهْدهِ بها ..جاءَ ضيفا يُشِيعُ النورَ في ظلمةِ بعضِ أبنائِها.. هو أيضا لمْ يَـرَ حريقًا منْ قبلُ ، حتى أمسكتْ كلتا يديْهِ بِدلْوِ ماءِ " أُم الريـشْ " أطفأ به لهيبَهُ و لهيبَها.. وقال : " الحُب يُـلزمُكَ الوَلاءَ لمَـنْ تُحِبْ .. و الرضَا بسُخطِ مَـنْ تكـرهْ ! " .
.. عندما احترقتْ ذاتَ شتاءٍ ، ازْدادَ حزنُها .. ما من سبيلٍ لإطفاءِ نارِها منْ أنْ نُلملمَ رمادَ ما احْترقَ ، لنشيدَهُ حدائقَ طالما انتظرتْ ساقيها .. حضرتني – لحظتها – في أنا بيته مقولةٌ للصديق الأب " د/ فاروق عبد الله ".. التي استشهدتُ بها تعقيبًا على ماحدثَ أيامها.. وقد اعتبرتُها خلاصةً لما جرى :
" حينما تحاصرُنا أخطاؤُنا ، فإننا نُلقي اللومَ كله على القضاءِ و القدرْ " . و يا لها من نبؤة.. !
كان علينا جميعا أنْ نقفَ مثلَ باقي الواقفينَ في الصف الثاني.. رغم أنه صف واحدٌ.. ولكنا أبينا أنْ يكونَ الواقفُ من أجلها صفين ..وكنا في الصف الثاني.. ولكنْ في الخط الأول !.
.. مواعيدُ الفرحِ المقبلِ التي تُبـددُ ضبابَ الحزنِ و اليأسِ و الفاقةِ.. سيكتنفها بعضُ الحزنِ هي الأخرى .
" بيرين "..هي التي علمتني مَنْ أكونُ ..ومَنْ تكونُ .. هي التي قالتْ لي قبيلَ الحريقِ بلحظاتٍ :
- " صاحِبْ نفسَكَ ، وكُـنْ مُحبًا لغيرِكَ مِنْ خلالـكْ " .
... سبحانَ الله !.. للنبؤة عملُها في مَنْ تحبُ . والثوبُ الأبيضُ المتلألئُ المحترقُ ذاتَ شتاءٍ ، كان له أنْ يحترقَ .. لأن صاحبتَه لم يكنْ بمقاسها هو..ألقيتُ نصيحتَها جانبا.. و تعمدتُ أنْ أتجاهلَها .. ولكنْ !
.. حدثـتني .. همستْ في أذني ..ممسكةً بها بقوة ٍ:
- " إذا فهمتَ شخصًا قدْ تحبُه .. وإنْ أحببتَهُ قدْ لا تفهمُه ! ".. تركتْني في حيرة ٍمن كلامها المطلسمِ بالوضوحِ و آثارُ أقدامِ أصابعها تطأُ أذني بقوة ٍ، مازلتُ أحس بوقعها منذُ أكثرَ من عامْ.
.. تذكرتُ حينها حكمةً من صنيع أخي " الباشق" تمتمَ بها لي و نحن عائِدَيْنِ من"حاسي سديرة "كان أنْ أقَلَنا إلى هناك صاحبُ شاحنةٍ بعد أنْ نفدَ منها البنزينُ ، فما كان لنا إلا أنْ ترَجلنا حتى المدخلِ الشمالي للمدينة.. لمْ يُسعفني الموقفُ في أنْ أُدونَ ما قاله ولكني اعتمدتُ هذه المرةَ على ذاكرتي المرهقةِ بغبارِ الجامعة.. سألته إعادتَها ..
أجاب منتشيًا : " ليس عليكَ التعالي بالمستحيل ، بقدرِ ما أنتَ عالٍ في نظرِ الآخرين بالإمكانْ ! " .
.. لمعتْ عيناها ببريقِ الإعجابِ لما قال ..و ردتْ : " ذلك هو اللغزُ.. لا يستبينُ لطالبه حتى يتصورَ مبلغَ حبهِ لمَنْحولَه ..و كيف يُحبُ مَنْ أحبوه وهو لا يعرفُ معنى الحب.. معنى أنْ يضحيَ منْ أجلِ أنْ يُسعدَ الغيرَ ..مهما أُسِيئَ إليه .. ! ".
... الثانية عشر ليلاً.. الليلُ الباردُ يلفُ المكانَ .. وفي تلك الحديقةِ ..الدافئةِ .. الهادئةِ .. البعيدة ِعن أعينِ البخلاءِ .. يسلو شبحُ الشعرِ والطب في عظمةٍ و خيلاءْ ..
آهٍ عيسى !.. همكَ وحبكَ الجريئان لبيرينَ .. يمنعانِكَ مِنَ البوحِ .. في عزةِ " الخوجة "و شموخِ الابنِ البار المعذبِ برائحةِ الكتبِ ..المُلْهَمِ بتناقضاتها .. هولا يكتفي بهمسِ " أميرةَ " له برسمِ أو كتابـةِ قصةٍ..كان رسْمَها مبعثُ وحيِه.. لا يتصور يوما يمر و لا تتناولُ كلتا يديْهِ كتابًا ، يفجرُ به أعماقَه فكرًا.. يفضلهُ أنْ يبقى فكرًا دون ورقٍ أو حروفٍ، رغم أنها تشغلُ كاملَ تفكيره و قد لا تكفي الأوراقُ بل الحروفُ لتحتل ما سكنَ فيها من سحرْ.
.. دراويشها .. سحرُها الساكنُ في أوراقها المحترقةِ .. تعرفُهم دونَ أنْ يُشارَ إليهم بالأصُبع .. يستقبلُونَكَ بشطحاتهم و هُتافاتهم .. " بن جيدة .. بن مالك بن العطرة .. قويدر.. فطوم.. السبيسي .. الدربالي" وآخرون ماتوا ، لا يرغبون سوى في سيجارةٍ أو كأسِ قهوةٍ في مقهى " سي مسعود " .
.. تجدهم يتحلقون قصعةَ " المردود " على جنباتِ الطريق ِالعام ِ، لاعْتيادِ الجوابر تقدمةَ " المعروف " كل جمعةٍ .. فهم مؤمنون بتصاريف القدر.. يرددون :
- " المعروفُ يمنعُ من البلاءِ و الخوفْ ..! ".
أصارحُكَ القولَ : " عيسى.. إنه ُ- يبدو لي ما تتحاشى كتابتـَه - هو عينُ الصواب .. ! " .
... في اليومِ الأخيرِ.. و في ساعةٍ متأخرةٍ .. هبت نسمةُ الصيفِ المدجج ِبالسمرِ.. و َجَدَتِ الأجوبةُ ملجأََها .. في قصيدتي التي عَنْوَنْتُها باسْمكِ .. لا أصدقُ أنكِ نجوتِ منْ شتاءٍِ أحمرَ قاتم..! و كيف لا !؟..وهذا مصيرُ كل سؤالٍ يتملصُ من ربق الحقيقةِ.. حتى دراويشك سوف يرددُونها بلحنِها النشازِ . لا يهم اللحنُ ما داموا قد عشقوا حروفَها و معانيها .. و قرروا حفظَها في هلوساتِهم..بكاءاتِهم.. وسْوساتِهم الجنونيةِ المحيرةْ .. !
- " إنكِ تـُؤْمنينَ بالقَـدَرْ .. والقَـدَرُ لا يعترفُ إلا بمن يـُؤْمنُ بـه " .
.. أرختْ وشاحَها الخُمْرِي..ألقتهُ على كتفيها..ابتسمتْ .. ثم أجابتْ بصوتٍ رخيمٍ ..هادئٍ.. مُطْمَئنْ :
- " بُنـيْ.. ! العاصفة التي تهب كل شتاءٍ .. تصيرُ – و الحمدُ للهِ – برداً و سلاماً و هناءْ ".
و رفعتْ رأسَها إلى السماءِ – كعادتها – مُصَليةً .. تنـشدُ ما فاتها من صلواتِ الفجرِ السعيدِ...
تحت شجرةِ " قرين " التي لنْ تكونَ أسعدَ من غيرها.. لو لم تكنْ على أرضها.. الطهورِ.. الصبورِ.. " بيرين "
الجزائر :2006
* مسقط رأس الكاتب