عندما تأخذنا الحياة بجزئيّاتها وتفاصيلها فتصبح أوسع مما نظن ، نقتاد لها ظنا منّا أننا نتحداها ، ولكنّنا ننصاع لتعاليم الإله فيها طوعا أو كرها ، إنّما نحن اللاشيء الذي يظن نفسه كلّ شيء.


صفعتنا الحياة حتى لم يعد معنا ثمن العشاء ... أربعة رجال بشوارب وليس معنا ما يقيتنا ، ننظر في بعضنا ونتنهد ، لم يعد في المدينة الجامعية من نستدين منه ، فحركة المال توقفت مع حركة الامتحان .


أطبق الهمّ علينا وظللنا في خيمته قابعين ، نمنِّي أنفسنا بالدراسة ونسكت جوعنا بالخيال .


- أنا لا أحبّ القطط ..


صمتنا أربعتنا ، ولفّنا شيء من السكون الثّقيل حتى كسرته :-


- ولا أنا ..


ولا أحبّ الكلاب أيضا ....


مددت يدي إلى جيبي وأخرجت علبة السجائر ، فتحتها فلم أجد فيها سوى واحدة .


" أوووف ما هذا الحظ ..... " نظرت فيها مليا ... قلبتها ... قبلتها .. وأعدتها إلى جيبي ، لم أنتبه لصديقي الذي كان يرمقني بنظرات ساخرة مشفقة ، ذلك النوع من النظرات التي تفهم بالتخاطر وكأنه روى لي ألف ليلة وليلة بكاملها .... تبسّم لي .... فتبسمت .


وعاد الصّمت أثقل مما كان وصار السّكون أشبه بسراب الصّيف الذي يلفّ قافلة كل ما فيها ومن فيها يشتعل ظمئا وحرقة .


- ما رأيكم بالعصافير ؟!!


- بين بين ..


- أنا أحبّ العصافير ، متعةٌ للعين ، وطربٌ للسمع .... ..... ولذةٌ في الصحن .


حاولنا جاهدين تجاهل الصحن فلم نستطع ، أخذتنا العصافير لأبعد مما نظن ، وخفقت علينا بأجنحتها فانبعثنا شبعا ولذة .


صمتنا دونما كلمة ولا حتى حركة ولم يسمع لنا حتى صوت أنفاسنا التي في صدورنا ، لم أعد وما كنت أعلم كم ظللنا صامتين حالمين . ساعة .... نصف ..... ساعة ونصف ...... لكنّها مرت كأنها لحظة ، أخرجت السيجارة الوحيدة ، وأشعلتها وأنا أضحك قائلا مقهقها :-


- أنا لا أحبّ القطط


وأخذتنا القهقهة بالعدوى ، ضحكنا منا أوعلينا .... لا يهم .... ولا فرق وبتنا طاويين وعصافير بطوننا ما ملّت الليل زقزقة وطربا.