كم هو جميل الاعتراف بالآخر و خصوصيته الثقافية او القومية. لاننا ان لم نفعل ذلك فنحن ننكر أنفسنا . و كم هو أجمل أن يعي الآخر الذي هو أقلية معنى الانتماء الى الوطن الاكبر ووحدة مصيره. و ان اعتناق ذلك المبدأ لا يعني ذوبان هويته و اضمحلالها بل على العكس تحضينها .ذلك الوطن الذي عاشت فيه قوميات منذ القدم و ذابت فيه كل الفوارق و الاديان ليس بمعنى الاضمحلال بل بمعنى التمسك بالثوابث المشتركة .و عاشو فيه الى زمن غير بعيد تحت راية واحدة .
الاستاذ حسان زهار يناقش في مقال ساخر الجدل الكبير الذي أثارته قصة السيدة القبطية وفاء قسطنطين التي اعتنقت الاسلام و أجبرت على العودة الى المسيحية و مبدأ تناقض القيم الذي يحاول الغرب و المستغربين تسويقه الينا في محاولة لاثارة النعرات الدينية و الاثنيةو الطائفية او ما تسميه السيدة كندي *بالفوضى الخلاقة*.
اعادت قصة المواطنة المصرية وفاء قسطنطين و التي اعتنقت الاسلام و اجبرت على العودة الى المسيحية لأسباب أمنية ولتفادي فتنة طائفية كما قيل طرح إشكالية أي نوع من الديمقراطيات تريد أمريكا تصديره للمنطقة و الواقع ان الموضوع ما كاد يصبح مادة نقاش في أوساط النخبة العربية حتى جاءت الإجابة على فم الممثلة المصرية ذات الإمكانيات اللحمية الخارقة ليلى علوي .
ليلى التي ما كان احد يتصور قبل هذا الزمن الأمريكي الأعرج ان يكون لها باع في دنيا السياسة .استغلت احتلال أمريكا لدولة عربية محورية العراق وحالة الضعف القبوري لأنظمته العتيقة لتخرج عقب حادثة وفاء قسطنطين مطالبة بمعاملة الأقباط على قدم المساواة مع المسلمين معلنة معارضتها لتاشير الديانة في جواز السفر الرسمي وتختم موالها بدعوة لفصل الدين عن الدولة .المحللون لكلام ليلى يستخلصون ان الديمقراطية التي تنظر بها أمريكا للمنطقة هي ذاتها ديمقراطية الامورة ليلى علوي .
أمريكا اليوم تراهن على ورقة الأقليات العرقية و الدينية كورقة رابحة للاختراق و التغلغل .و ان كانت ليلى علوي قد طرحت قضية الأقباط فأمريكا علاوة على ذلك لا تغفل الأكراد في العراق و الشيعة في بعض دول الخليج و البربر في المغرب العربي و الأفارقة و المسيحيين في السودان .أما قضية مساواة الأديان التي نادت بها ليلى فهي بالنسبة لصقور البيت الأبيض تستهدف خلخلة المجتمعات العربية من خلال التقارير السنوية التي تعدها الإدارة الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم و تركيزها الملفت على تحرير الأقليات الدينية الموجودة بل على استنبات أقليات من العدم كما يراد في السعودية و الجزائر مثلا حيث الإسلام يسود مائه بالمائه .و من الطبيعي ان تكون علمانية ليلى علوي نفس علمانية بوش اذا تعلق الأمر بفصل الدين الإسلامي عن الدولة اما اذا كان الأمر يتعلق بالمسيحية و خاصة بالجناح اليميني فبامكان بوش ان يخترع خطا مباشرا مع الله يأمره فيه بالترشح لقيادة امة الخير.
و بين هذا التوافق الغريب بين ما هو استراتيجية دولة عظمى و مورفولوجية فنانة ليست عظمة لابد أن يشير الى ان هناك قوى مخملية كثيرة ظلت تعيش بيننا مثل النعامة و الطاووس قد حولت الهجمات الصليبية الأمريكية على امتنا الى قوى مخلبية استبدلت الخمائل بالمخالب و استأسدت رغم ان سلالاتها من سلالة الضباع .
فقد كانت خرجة الممثلة الفرنسية الجزائرية الأصل ايزابيل عدجاني الذي يقال أنها ستخلف نجمة الإغراء الأولى بريجيديت باردو في حوار لها مع مجلة فرنسية اظنها* هي elle* * لا تختلف من حيث استئساد الطواويس. كان وقتها الحديث عن الخمار في فرنسا حيث استهزأت بهذا الخمار و استهزأت بالدين الإسلامي و هو ما فعله الشاعر المهلوس ادونيس في قناة المستقبل اللبنانية حيث اعتبر ان خديجة بن قنة الصحافية في قناة الجزيرة صارت أكثر إغراء بالحجاب .
ان ديمقراطية ليلى علوي كما تستهوي ادونيس و عدجاني تستهوي الكثير من الطحالب الفكرية العربية على غرار مجموعة استكهولم من دعاة التطبيع و مركز ابن خلدون بالقاهرة اما عندنا بالجزائر فمثل هؤلاء حدث و لا حرج .و ليس غريبا ان يعمل هؤلاء للتغطية على عمليات تمسيح واسعة النطاق تجاوزت هاته المرة حدود منطقة القبائل التي استشرى بها ولا من يداوي لتمتد الى مناطق اخرى بالجزائر كانت معقلا للاصالة كقسنطينة ابن باديس و معسكر الأمير عبد القادر .
و على هذا يكون من متطلبات ديمقراطية امريكا الموعودة ان تتم عمليات المسخ للذات و الهوية بحرية و بدون معوقات حتى يتم اعتبار الدولة التي تسمح بذلك متسامحة .بل المطلوب في المرحلة اللاحقة ليس التخلي فقط عن الهوية و الذات بل الكفر بالمقاومة و الانبطاح و لعل ما كتبه توماس فريدمن مخرا في نيويورك تايمز يمثل تلخيصا لوجهة النظر الامريكية فيما يتعلق بالمقاومين لمشروع اقامة ديمقراطية ليلى علوي في بلاد الرافدين حيث يقول *هؤلاء الذين يطلق عليهم مقاومين في العراق هم الفاشيون الحقيقيون الاستعماريون الحقيقيون الامبرياليون الحقيقيون في عصرنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
و هكذا و على بلاطة كما يقول الإخوان المصريون تنكشف حقيقة الديمقراطية الأمريكية و التي تقلب الهرم على رأسه فإذا بالأغلبية تتحول الى أقلية و الأقلية تتحول الى أغلبية من حيث التأثير بفضل بركات واشنطن و المقاومة التي تقرها كل الأعراف و المواثيق الدولية فاشية و إمبريالية.
للإشارة تم مخرا منع بث مسلسل *فتاه من شبرا * الذي لعبت بطولته الفنانة ليلى علوي بسبب الدعاية الدينية المباشرة في بلد أغلبيته مسلمة ما أثار حفيظة بوش و ليلى علوي بالطبع و التي علقت بأنها لا تؤمن بشيء اسمه غزو ثقافي رغم ان أمريكا التي تقود فكرة العولمة الثقافية لم تغفر لقناة* المنار* و مسلسل* فارس بلا جواد* و لكل أعداء المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة من الكتاب و الصحفيين و الفنانين .
عن جريدة الشروق للاستاذ حسان زهار
7