- تشخيص ذاتي:
علم الجمال: من خلال ما ذكرنا أعلاه وهي بعض أقوال عن علم الجمال
أختار هنا كلمة علم الأسرار , الذي يستدل على القيمة الحقيقة والجمال الحقيقي للشيء
لو كتب أحدهم قصة ما أو قصيدة وقلنا أنها جميلة
أقربنا من سيقول أن القصة جميلة سيبرر أنها وافقت هواه
أحد النقاد سيبرر أن القصة جميلة لأنها وافت قواعد وأركان القصة وكانت بذلك قصة ناجحة جميلة
هل هناك رأي أخر :
أعتقد هناك من سيقول لماذا كانت القصة جميلة, هل الوفاء لقواعد القصة يحتم أن تكون جميلة
السؤال يتكرر
لو استكملت القصة أدواتها , هل ذلك يكفي أن تكون جميلة
النقد سيبرر لنا لماذا هي جميلة
علم الجمال سيحاول معرفة سر هذا الجمال
لو كانت القصة فنية هل يكفي أن تكون جميلة
السؤال يدور في ذهني
حين بحثنا عن ماهية الأدب
أو بالأحرى متى تكون القصة أدبية ومتى لا تكون
هل استكمال القصة لأدواتها الفنية يعني أنها قصة أدبية أو نص أدبي
علم الجمال سيبحث خلف هذه الأدوات الفنية ليدرك هل حققت الجمال من خلال هذا الخلق
وكيف نعرف أن هذا العقل لم يخدعنا وقدم لنا محاكاة للجمال, أو مجرد تجميع لأدوات فنية وقال لنا أن هذا النص أدبي
يمكننا هنا أن نقول:
التجربة خير برهان لننظر لرأي المتلقي , ولنعرض هذه القصة على أكثر من ملتقي لنعرف من خلال اللذة العقلية التي أحدثتها أنها جميلة فعلاً ولنرى ذوقهم في الموضوع.
الذوق "
" الذوق بمعناه العام الذي يحدث فيه التفاوت بين الناس فهو شخصي والذوق بمعناه الخاص هو الذي يظفر أو ينبغي أن يظفر باتفاق بين الناس لأنه موضوعي يأخذ بالقواعد العامة للفن وأحكام الذوق بمعناه العام حسية ونسبية , هذه شخصية لأنها لا تعبر عن ذات الفرد دائما هي تتأثر إلى حد بعيد بآراء الأشخاص الآخرين المتصلين به شخصياً أو فكريا , وبالآراء السائدة في مجتمعه , و بالوراثات القديمة لجنسه.... " ص 70 المصدر ذاته.
"علماء النفس المعنيون بالإستطيقا في القرن التاسع عشر ينقسمون إلى مدرستين رئيستين : هربارت herbart وأتباعه , ويأخذون برأي كانت في أن الجمال يتكون في صورة خاصة أو علاقة بين الأجزاء في الشيء المفهوم . وأتباع لبس يقبلون ما أدخله – أي لبس- على وجهة النظر الأفلاطونية الحديثة من تحسين... وهم يعتقدون أننا ننسب الجمال إلى كل الأشياء التي مكن أن نجد فيها روحاً تشبه روحنا " ص 48 المصدر ذاته.
لو عرضنا قصة ما على ذوق عشرة قراء, وتبين أن ثمانية منهم أعجبتهم القصة واثنان لم تعجبهم, سنصل لنتيجة أن هذه القصة جميلة, لو كانت النتيجة عكسية سنقول أنها ليست جميلة, السؤال المطروح عند هذه المرحلة , ما الذي يجعلنا نثق بقدرات المتلقين العشر, وهنا سنضع يدنا عند مشكلة من مشاكل الجمال
الثمانية قالوا أن القصة جميلة من خلال اللذة العقلية التي حصلت لديهم
اثنان قالا أنه لا جمال فيها لأنها لم تحدث لذة عقلية
لو وظفنا علم الجمال في جانب البحث عن دقة المتلقي وصحة جهازه الجمالي
أعتقد هنا أن التشكيك المتطرف في نسب هذا الاستقراء لا يفيد , كما التسليم التام له ,والأمر بحاجة لروية.
- مشكلة التلقي ومشكلة النص, لو سلمنا أن النص فني من خلال قيم ومعايير النقد الأدبي, وألقينا العمل الأدبي على شريحة مكونة من عشرة قراء, العمل الذي يحدث لذة عقلية هو عمل جميل, العمل الذي لا يحدث لذة عقلية هو عمل غير جميل
لكن لو رأينا لعلمنا أن كثير من القصائد الشعبية مثلا لها شعبية عارمة ولو عرضناها على معاير التقويم لكانت ناقصة لأهم الأدوات , بل للكثير من المعايير الفنية
فالوسط الشعبي متوهج مستعد لتلقي القصيدة الشعبية , ويتأثر عند كل كلمة أحسن الشاعر الشعبي إلقائها
- فلو قرأ أحدهم القصيدة مكتوبة لما وجد فيها جمالاً
علم الجمال هو العلم الذي يميز, ويكشف أساليب الذهن التي تظهر ربما بمنطقية وعقلية وواقعية, ويكشفها بطرق بعيدة عن المنطق
يكشفها من خلال التأمل والحصيلة التي يولدها لتتبع خلفيات هذه المحاكاة الخادعة
لو كتب شاعر قصيدة غزل سنصل أنه يحب حبيبته ويهيم بها
ولو كتب أخر قصيدة غزل وتبين منها أنها لا يحب حبيبته
فهل قصيدته قصيدة غزل ولو ظهرت بهذا المظهر
مثلا لو قلت لعدوك : كم أحبك آه كم أحبك وأتمنى لو أحبك كما أشتهي
سنفهم أنه يريد قتله من خلال هذه العبارات التي ظهرت بشكل غزلي للذهن
المشكلة أكبر من ذلك سنحاول الخوض فيها.
لو نظرت متأملاً حقيقة الأحاديث المكرورة ,التي تجريها كل عائلة حين تجتمع للطعام أو لشرب الشاي , ستجد أنها أحاديث تافهة تتكرر في كل اجتماع ربما حول المائدة
لكن هذه الأحاديث لها جمال أيما جمال , وهي التي تجمع أواصر الأسرة ولو ظهرت بشكل سطحي إنما هي تعبر عن عمق عاطفي أسري , بينما لو طرح أي موضوع يحتاج لتركيز أو جدال لفرق الشمل ولو كان الحديث فنياً لكن النتيجة غير جميلة
من النقص يتولد الجمال
ومن السطحية نصل للعمق
ومن البساطة نصل للمعقد الجميل, هذه النظرية بحاجة للتفكر والتأمل والشك
فهل كل بسيط يوصل للجميل, وكل نقص يؤدي للكمال, هذه مشكلة أخرى من مشاكل علم الجمال, الشجرة الجميلة تحمل سراً
هل نكتفي بالاستمتاع بسرها وجمالها, وهي يكون الجمال جميلاً بمجرد الوقوف عند ظاهره, ظاهر الجمال هو الاتساق والخفة والحيوية والرشاقة في الشجرة
لو كانت شجرة ليمون أو دراق لأضفنا الرائحة , وثقلها بالثمار
هذه الشجرة سر من أسرار الجمال, هل نقف عند هذا الشكل المتظهر....أم يقودنا لسر أخر
سر يقودنا لسر
ترى لو كشفنا سراً هل نكتفي بالوقف عنده
هناك بالتأكيد من لم يصل للسر الأول الظاهر بشكل الشجرة الجميل
بل لم يراها جمالاً أصلاً
- ذات يوم قلت لصديق لي انظر ما أجمل هذه الشجرة, قال أن النقود أجمل لديه ثم أردف و كذلك السيارة
لو كان السر في الشجرة أنها جميلة بأنها باسقة ,فيها حياة, تتمايل بشكل غير رتيب , تسمع وشوشة أوراقها التي تأخذ ألف شكل مع كل تمايل هل كانت مخلوق وسراً عجيباُ....نعم لقد كانت
ماذا يزيد في هذا السر لو علمت مثلاً فناً أكثر مثلاً لو كانت شجرة ارتمى عليها الزهر وفاحت رائحته, ماذا لو تدلت منها عناقيد العنب ...ستحرك فيك طاقات الجمال
هنا لو علمنا أن هناك سراً أكبر , وسنصل لعلم التأويل الذي يبدأ من التأمل أعتقد إطاره علم الجمال
لو رأينا أثاراً لغزال في الرمال , سنفرح كثيراً لو عرفنا أن مشي يميناً ثم أكل هنا ثم شرب هناك , سنفرح بهذه المعرفة الجميلة
لكن هل نكتفي بها , سيكون من الأجمل أن نتابع هذه الآثار لنصل إلى الغزال ذاته وندهش به وندهش بالشجرة العادية غير المثمرة... ستكون كل أثار الغزال البسيطة وقتها مدهشة ممتعة ولو وصلنا أنه أكل هنا سيزيد الفرح كثيراً
مقارنة مع من لم يدهش أول مرة من خلال أثار الغزال البسيطة
أو شكل الشجرة العادية
إذ أنه لو عرفنا أن النص الأدبي يدل, ولو احتوى على قيمة معنوية كبيرة سندهش به مقارنة مع النص الفني الظاهر بشكل معقد ,وهو فارغ لا دلالة عميقة له
هنا سنحل الكثير من المشاكل الفنية, بل سنفتح الباب جلياً على العديد من المشاكل التطبيقية للكشف عن فنيته الفارغة
البساطة الجميلة
جمال النص هو أرقى من فنيته
جمال النص هو الغاية والسر الذي يكشفه ونصل إليه بعد فنه
أما لو اكتملت فنيته دون وصول فلا قيمة له
كمن يوزع الآثار في الرمال ولا غزال هناك فما فائدة هذه الآثار
نحن نريد أن نصل للغزال من خلال الآثار
لن نكتفي بهذه الآثار
المرأة والحس الجمالي:
حين ترى الزوجة أو الأم , تلومك على تناثر الكتب والأوراق من حولك رغم أنك ترى فيها جمالية تروق لك , أظن هذه الجمالية التي تراها رغم أنها تدل على الفوضى تنبع من خلال النفعية التي تربطك بالكتاب, لكن مدبرة المنزل تنظر للجمال من خلال الشكل , فهي ترى الجمال في الترتيب والنظام, ولعل نظرة مدبرة الأم الجمالية هي الأصح , ولو تابعنا ذلك لأحسننا بالطاقة الجمالية , ولتلمسنا ملامح جمالية لدى ربة المنزل, من خلال ترتيب كل شيء ووضعه في مكانه المناسب, ومن خلال التناظر والنظام والترتيب الذي يحكم مملكة المرأة , ولعلي أرى أن الرجل محكوم بقوانين المرأة الجمالية في المنزل, وهو يعيش عالم أنثوي يعاكس العالم الذكوري في الخارج وهذا السمات الجمالية لدى المرأة تبدأ من ترتيب المنزل ونظامه ونظافته , وإعداد الأكل وتزويقه وترتيب المائدة وما على ذلك , ولعل ذلك يعيدنا لأصل المجتمع الذكوري و الأنثوي لنتلمس الأسس الجمالية لدى المرأة وليس هذا هنا هو بحثنا لكن القصد هو توسيع الفكرة لزيادة تأثيرها على الدخول لمفاصل أخرى.
تطالعنا ملحمة جلجامش على وحش بشري يدعى إنكيدو هذا البطل كان وحشياً وذلك لأنه يعيش مع عالم الحيوان , ويأكل معهم ولذا كانت سمات القوة والبطش سماته, لكن حين أرسل له جلجامش امرأة من المعبد هدأته , وأطعمته الخبز والشراب , وهذا الترتيب انتقل من طريقة تعامله مع المرأة , ومن أكله لروحه وحين عاد للغابة هربت منه الوحوش ولم تعد تآلفه , وللنظر كلام فتاة الحان لجلجامش حين عاد من لقاء أوتنابشتيم خالي الوفاض ولم ينل الخلود:
تقول فتاة الحان لجلجامش:
" إلى أين تمضي يا جلجامش ؟
الحياة التي تبحث عنها لن تجدها
فالآلهة لما خلقت البشر,
وحبست بين أيديها الحياة.
أما أنت يا جلجامش , فأملأ بطنك.
افرح ليلك ونهارك.
اجعل من كل يوم عيداً.
ارقص لاهياً في الليل والنهار.
أخطر بثياب نظيفة زاهية؟
اغسل رأسك و تحمم بالمياه.
دلل صغيرك الذي يمسك يدك,
واسعد زوجك بين أحضانك.
هذا نصيب البشر في هذه الحياة." ص 295 – فراس السواح – مدخل إلى نصوص الشرق القديم- دار علاء الدين 2006
لو تأملنا هذا الحوار والذي يعود عمره لخمسة آلاف سنة
لرأينا هذه الأسس الجمالية التي جبلت عليها المرأة , فنصائح فتاة الحان تختص بالتفاصيل والشكل , بعيداً عن الهدف والنفعية سمة تفكير الرجل , اخطر يا جلجامش بثياب نظيفة زاهية , اغسل رأسك و تحمم بالمياه. واهتم بالتفاصيل الصغيرة من حولك وعش حياتك, طبعا ذلك لا يعني تناقضاً مع الوصول للهدف , لكن هذه السمات الأنثوية صفات المرأة وهي ذي وظيفتها التي تتقن وتجيد, وتعلمها للرجل فيرتاح ويستعيد طاقته المهدورة في الوصول للهدف.
وللنظر كذلك لهذا الحوار بين جلجامش و عشتار , ولنتأمل الخلاف في طريقة الوصف فعشتار تقدم لجلجامش أجمل الصور المغرية, وتنسج تفاصيل شهية, و جلجامش يرد عليها بالنتائج :
" فرأته عشتار وقد جللته هيبة النصر, فتاقت إلى وصاله وعرضت عليه الزواج منها:
تعال يا جلجامش وكن عريسي.
سآمر لك بعربة من لازورد وذهب,
و محوطاً بشذى الأرز تدخل بيتنا.
ستقبّل المنصة قدميك والعتبة,
وينحني لك الملوك والحكام والأمراء,
يضعون غلة السهل والجبل أمامك,
..
.. يجيبها جلجامش:
ما هو نصيبي منك إذا تزوجتك؟
ما أنت إلا موقد تخمد ناره عند البرد.
باب متصدع لا يحمي من ريح أو عاصفة.
حفرة يخفي غطاؤها كل غدر.
قار يلوث ناقله.
قربة تبلل حاملها.
صندل يزل به منتعله.
أي حبيب أخلصت له إلى الأبد؟
ص290 نفس المصدر
ولعل هذه الصفات التي نعت بها جلجامش عشتار, كانت من خلال إحساسه السامي , فهي التي غدرت بكل عشاقها , هذا الحس السامي سمة من سمات الجلال التي اتصف بها جلجامش, و ما هو إلا حس إنساني عميق ينبع من وراء الأفكار الإنسانية السامية, وهو صانع المواقف البطولية والنبيلة
ولعل هذه السمات في كلا الطرفين تحيلنا لصفات الأنوثة البكر والرجولة البكر وهذه هي علاقة الجميل بالجليل يقول ديورانت عن هذه العلاقة:" يتصل الجلال بالجمال صلة الذكر بالأنثى. فاللذة التي نشعر بها من الشيء الجليل لا تنشأ من الملاحة المطلوبة في المرأة, بل من القوة التي نعجب بها في الرجل. وأكبر الظن أن المرأة أشد انفعالاً بالجليل من الرجل , وأن الرجل أعظم تأثراً بالجمال" ص 70 د احمد محمود خليل – في النقد الجمالي – دار الفكر
" ويذهب جان ماري جويو إلى أن القوة تمثل في التعبير عن الحياة ناحية الرجولة, وأن الرشاقة تمثل ناحية الأنوثة, ويرى ول ديورانت أن اللذة التي نشعر بها من الشيء الجليل لا تنشأ من الملاحة المطلوبة في المرأة . بل من القوة التي نعجب بها في الرجل " ص 84 نفس المصدر
وهذه النظرة ظهرت لدى الإغريق القدماء أيضاً , وها هي ذي فينوس إلهة الجمال تخاطب باريس بن بريام , قائلة " أترى إلى جمالك البارع وجسمك الممشوق السمهري ؟! أيكون هذا الخلق من نسل الرعاة الأجلاف ؟!" ص 85 نفس المصدر
وهذه بعض الإشارات السريعة والتي تستحق كل تفصيلة الوقوف عندها مطولاً.