في البدء أحييك أخي الكريم زاهر على ما بذلته من جهد في انتقاء هذه الباقة المزهرة من الأسئلة الدالة والبليغة، التي ستبحر بي إبحارا جميلا في بحر الأدب والنقد، وهو بحر علم لا ساحل له، ثم إن للسؤال عموما، وللسؤال الأدبي والنقدي مقاما معرفيا محفوظا ومصانا، ويكفي أن يكون السؤال في حد ذاته علما وأدبا، ومفتاحا لأبواب العلم والأدب.
السّؤال الأول
ـ هل هناك (نخبويّة) في الأدب لديكم في المغرب العربيّ كما
الحال لدينا؟
(أعني بالنخبويّة أنّ قرّاء الشّعر وكتّابه هم أنفسُهم جمهورُه)
هي ذات الحال مع الأسف الشديد قائمة على قدم وساق في سائر البلاد العربية، وإني لأراها ستبقى وستدوم ما بقي ودام الجهل بالقراءة والكتابة منصوب الخيمة منتصب الراية على أرض الأمة العربية، وهذه حقيقة ليست حديثة العهد، بل لقد أجمع الباحثون والدارسون، وكل ذي اهتمام بمسألتي القراءة والكتابة في العالم العربي الإسلامي، على أنها عبرت عن وجودها منذ زمن بعيد، إذ العلة وخيمة قديمة، وآفة عاصفة مظلمة، والخشية كل الخشية أن يظل داء الجهل بالقراءة والكتابة مقيما...
ثم ليس فقط أن أكثر من ينتسبون اليوم إلى أمة العرب يجهلون القراءة والكتابة، بل ويبدون في حال وكأنهم لا يقيمون لهذين الفعلين الأساسيين والجوهريين أي وزن، ويتراءون في عيون الآخرين وكأنهم يناصبون القراءة والكتابة تمام العداء ومنتهاه، بل ودقوا بينهم وبينهما عطر منشم، ثم كيف بأمة الإسلام وقد اتخذت أولى الآيات من سورة العلق مهجورة، وحتى إذا مرت بها مقروءة أو مسموعة لم تفقه منها شيئا، وكان مرورها سوء صنيع تنكره الكرام ولا ترضاه إلا اللئام، ثم كيف باللغة العربية وقد أصبحت اليوم غريبة بين أهلها، تعاب كما يعاب الزمان، والعيب في من يعيبها، وما لها من عيب يذكر، وبدل أن تمدح بما فيها يذمها الإنسان، ويبارزها بالجحود والنكران ...
أما عن قراءة الأدب وكتابته، سواء أكان شعرا أم نثرا، فالأمر منحصر بين من هم مهتمون به حق الإهتمام من الكتاب والقراء الباحثين، والدارسين، والنقاد، والطلبة، وإنها بحق لحال تبعث على الأسى والحسرة، فقد غدت القراءة والكتابة استثناء لا قاعدة، وأما قراءة الأدب وكتابته في البلاد العربية، فقد أصبح استثناء الإستثناء، والله أعلم.
حياكــــــــــــــــــــم الله
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com