[align=center]من كتاب
زبدة الحلب في تاريخ حلب
حلب قبل الإسلام
اسمها زمن إبراهيم الخليل
اسم حلب عربي لا شك فيه. وكان لقباً لتل قلعتها. وإنما عرف بذلك لأن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، كان إذا اشتمل من الأرض المقدسة، ينتهي إلى هذا التل فيضع به أثقاله، ويبث رعاءه إلى نهر الفرات وإلى الجبل الأسود. وكان مقامه بهذا التل يحبس به بعض الرعاء، ومعهم الأغنام، والمعز، والبقر. وكان الضعفاء إذا سمعوا بمقدمه أتوه من كل وجه، من بلاد الشمال. فيجتمعون مع من اتبعه من الأرض المقدسة، لينالوا من بره، فكان يأمر الرعاء بحلب ما معهم طرفي النهار. ويأمر ولده وعبيده باتخاذ الطعام فإذا فرغ له من ذلك أمر بحمله إلى الطرق المختلفة بإزاء التل، فيتنادى الضعفاء: " إن إبراهيم حلب " ، فيتبادرون إليه.
فنقلت هذه اللفظة كما نقل غيرها، فصارت اسماً لتل القلعة. ولم يكن في ذلك الوقت مدينة مبنية.
قيل: إن " بيت لاها " كان يقيم به أيضاً إبراهيم صلى الله عليه ورعاؤه يختلف إليه. وكان يفعل فيه أيضاً، كما يفعل في تل القلعة. لكن الاسم غلب على تل القلعة دون غيره.
وقيل: إن إبراهيم صفى الله عليه لما قطع الفرات من حران أقام ينتظر ابن أخيه " لوطا " ، في كثير ممن يتبعه في سنة شديدة المحل. وكان الكنعانيون يأتون إبراهيم عليه السلام بأبنائهم فيهبونهم منه، ويتصدق عليهم بأقواتهم من الطعام، والغنم. وصار إبراهيم عليه السلام إلى أرض حلب فاتخذ الركايا، وكرا الأعين، ومنها: عين إبراهيم عليه السلام وهي التي بنيت عليها مدينة حلب.
وكان للكنعانيين بتل القلعة في رأسه بيت للصنم، فصار إليه إبراهيم عليه السلام فأخرج الصنم، وقال لمن حضره من الكنعانيين: أدعوا إلهكم هذا أن يكشف عنكم هذه الشدة. فقالوا: وهل هو إلا حجر. فقال لهم: فإن أنا كشفت عنكم هذه الشدة، ما يكون جزائي. قالوا له: نعبدك فقال لهم: بل تعبدون الذي أعبده فقالوا: فجمعهم في رأس التل، ودعا الله، فجاء الغيث. وضرب إبراهيم عليه السلام برأس ظله حين أقلع الغيث. وتوافت إليه رعاؤه، فكان يأمر أصحابه بإصلاح الطعام، ويضعه بين أوعية اللبن، ويأمر بعضهم فينادي: " ألا إن إبراهيم قد حلب فهلموا " ، فيأتون من كل وجه، فيطعمون، ويشربون، ويحملون ما بقي إلى بيوتهم. فكان الكنعانيون يخبرون عن مقام إبراهيم بما كان يفعله. وصار قولهم " حلب " بطول هذا الاستعمال لقباً لهذا التل، فلما عمرت المدينة تحته سميت باسمه.
وذكر بعضهم: أنها إنما سميت " حلب " باسم من بناها، وهو: حلب بن المهر ابن حيص بن عمليق من العمالقة. وكانوا إخوة ثلاثة: بردعه، وحمص، وحلب، أولاد المهر. فكل منهم بنى مدينة سميت باسمه.
عند اليونانيين
وكان اسم حلب باليونانية " باروا " وقيل بيرؤا. وذكر ارسطاطاليس في كتاب الكيان: أنه لما خرج الاسكندر لقصد دارا الملك، ومقاتلته، كان ارسطاطاليس في صحبته، فوصل إلى حلب وهي تعرف بلسان اليونانية " بيرؤا " فلما تحقق ارسطوطاليس حال تربتها، وصحة هوائها، استأذن الإسكندر في المقام بها، وقال له: إن بي مرضاً باطناً، وهواء هذه البلدة موافق لشفائي. فأقام بها فزال مرضه.
بناؤها في قديم الزمان
وقيل: إن الذي بنى مدينة حلب أولاً ملك من ملوك الموصل يقال له: بلوكوس الموصلي. ويسميه اليونانيون: " سردينبلوس " . وكان أول ملكه في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وثمانين سنة لآدم صلوات الله عليه . وملك خمساً وأربعين سنة. وفي سنة تسع وعشرين من ملكه وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة سنة لآدم، ملكت ابنته " أطوسا " ، المسماة " سميرم " مع أبيها بلوكوس.
وذكر أبو الريحان البيروني في كتاب القانون المسعودي، وقال: بنيت حلب في أيام بلقورس من ملوك نينوى، وكان ملكه لمضي ثلاثة آلاف وتسعمائة واثنتين وستين سنة لآدم عليه السلام ومدة مقامه في الملك ثلاثون سنة.[/align]