ـ (باب الحاء والشين وما يثلثهما)
(حشف) الحاء والشين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَخَاوة وضعف وخلوقة.
فأوّل ذلك الحَشَف، وهو أردأ التَّمر. ويقولون في أمثالهم: "أَحَشَفاً وسُوءَ كِيلَة"، للرَّجُل يجمع أمرين ردِيَّين. قال امرؤ القيس:
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطباً ويابساً *** لدى وَكرها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي([1]) وإنما ذكر قلوبَها لأنها أطيبُ ما في الطير، وهي تأتي فراخها بها. ويقال حَشِفَ([2]) خِلْفُ الناقة، إذا ارتفع منه الّلبن. والحشيف: الثَّوب الخَلَق. وقد تَحَشَّف الرَّجلُ: لَبِسَ الحشيف. قال:
يُدنـي الحَشيفَ عليها كي يواريَها *** ونَفْسَها وهو للأطمار لَبَّاس([3]) والحَشَفة: العجوز الكبيرة، والخميرة اليابسة([4])، والصخرة الرِّخْوَة حَوْلها السهلُ من الأرض.
(حشك) الحاء والشين والكاف أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء. يقال حَشَكْت النَّاقةَ، إذا تركتَها لا تحلبُها فتجمَّع لبنُها، وهي محشوكة. قال:
* غَدَت وهي مَحْشوكَةٌ حافلٌ([5]) *
وَحَشَكَ القوم، إذا حَشَدُوا. وحَشَكَت([6]) السّحابة: كثُر ماؤُها. ومنه قولهم للنّخلة الكثيرة الحَمْل حاشك. وحَشَكت السّماء: أتَتْ بمطرها. وربَّما حملوا عليه فقالوا: قوسٌ حاشكة، وهي الطَّرُوحُ البعيدةُ المَرمى. وحَشّاك: نَهْر.
(حشم) الحاء والشين والميم أصلٌ مشترك، وهو الغَضَب أو قريبٌ منه.
قال أهل اللغة. الحِشْمَة: الانقباضُ والاستحياء. وقال قومٌ: هو الغضب. قال ابن قُتيبة: رُوِي عن بعض فصحاء العرب: إن ذلك مما يُحْشِمُ بني فلانٍ، أي يغضبهم. وذكر آخر أن العرب لا تعرِفُ الحشمةَ إلاَّ الغضب، وأنَّ قولهم لحشَمِ الرجل خدمه، إنما معناه أنّهم الذين يَغْضب لهم ويغْضَبون له.
قال أبو عبيدٍ: قال أبو زيد: حَشَمْتُ الرجل أحْشِمه وأحْشَمْتُه، وهو أن يجلس إليك فتُؤذيَهُ وتُسمعه ما يكره. وابن الأعرابي يقول: حَشَمْتُه فَحَشم، أي أخجلته. وأحشمته: أغضبته. وأنشد:
لَعَمْرُكَ إنْ قُرْصَ أبي خُبَيبٍ *** بطيءُ النُّضْجِ مَحشومُ الأكيل([7]) (حشن) الحاء والشين والنون أصلٌ واحد، وهو تغيُّر الشيء بما يتعلّق به من درن. ثمّ يشتق منه:
فأمّا الأول فقولهم فيما رواه الخليل: حَشنَ السِّقاء، إذا حُقِنَ لبناً ولم يُتَعهَّدْ بغسلٍ فتغيَّرَ ظاهرُه وأنتَنَ. وأمَّا القياس فقال أبو عبيد: الحِشْنة، بتقديم الحاء على الشين: الحقد. وأنشد:
ألاَ لا أرَى ذا حِشْنَةٍ في فؤاده *** يُجَمجِمُها إلاّ سَيَبْدُو دفينُها([8]) قال غيره: ومن ذلك قولهم: قال([9]) فلانٌ لفلان حتَّى حشَّن صدرَه.
(حشو/ي) الحاء والشين وما بعدها معتلٌ أصلٌ واحد، وربما هُمِزَ فيكون المعنيان متقاربين أيضاً. وهو أن يُودَع الشيءُ وعاءً باستقصاء. يقال حشوتُه أحشوه حَشْوا. وَحِشْوَة الإنسان والدابة: أمعاؤه. ويقال [فلانٌ] من حِشْوة بني فلانٍ، أي من رُذَالهم. وإنما قيل ذلك لأن الذي تحشى به الأشياءُ لا يكون من أفخر المَتاع بل أدْونِه.
والمِحْشى: ما تحتشي([10]) به المرأة، تعظِّم* به عَجِيزتها، والجمع المحاشِي. قال:
* جُمَّاً غَنيّاتٍ عن المَحاشِي([11]) *
والحشا: حشا الإنسان، والجمع أحشاء. والحشا: الناحية، وهو من قياس الباب، لأنّ لكلّ ناحيةٍ أهلاً فكأنّهم حشَوها. يقال: ما أدري بأيّ حشاً هو. قال:
* بأيِّ الحَشَا أمسى الخليطُ المبايِنُ([12]) *
ومن المهموز وهو من قياسِ الباب غيرُ بعيدٍ منه، قولهم: حشأتُه بالسَّهم أحشَؤُه، إذا أصبتَ به جَنْبَه. قال:
فَلأَحْشأَنّكَ مِشْقَصاً *** أوْساً أُوَيْسُ من الهَبَالهْ([13]) ومنه حَشَأْتُ المرأةَ، كناية عن الجِماع.
والحَشَا، غير مهموز: الرَّبْو، يقال حَشِي يَحْشَى حشاً، فهو حَشٍ كما ترى. فأمّا قول النابغة:
جَمِّعْ مِحاشَكَ يا يزيدُ فإِنَّنِي *** أعددتُ يربوعاً لكم وتميما([14]) فله وجهان: أحدهما أن يكون ميمُه أصليَّة، وقد ذكر في بابه. والوجه الآخر أن يكون الميم زائدةً ويكون مِفْعَلاً من الحَشو، كأنه أراد اللفيف والأُشابة، وكان ينبغي أن يكون مِحْشَىً، فَقَلب.
(حشب) الحاء والشين والباء قريبُ المعنى مما قبله. فيقال الحَوْشَب العظيم البطن. قال:
وتجرُّ مُجْرِيَةٌ لها *** لحمي إلى أجْرٍ حواشِبْ([15]) والحوشب: حَشْو الحافر، ويقال بل هو عظمٌ في باطن الحافر بين العصَب والوظيف. قال رؤبة:
* في رُسُغٍ لا يَتَشكَّى الحوشَبا([16]) *
(حشد) الحاء والشين والدال قريب المعنى من الذي قبلَه. يقال حَشَد القوم إذا اجتمعوا وخفُّوا في التعاوُن. وناقة حشُودٌ: يسرعُ اجتماعُ اللبَن في ضرعها. والحَشْدَ: المحتشدون. وهذا وإن كان في معنى ما قبلَه ففيه معنىً آخر، وهو التّعاوُن. ويقال عِذقٌ حاشِدٌ وحاشك: مجتمِعُ الحَمْل كثيرُهُ.
(حشر) الحاء والشين والراء قريبُ المعنى من الذي قبلِه، وفيه زيادةُ معنىً، وهو السّوق والبعثُ والانبعاث.
وأهل اللغة يقولون: الحشر الجمع مع سَوْقٍ، وكلُّ جمعٍ حَشْر. والعرب تقول: حَشرَتْ مالَ بني فلانٍ السنةُ كأنّها جمعته، ذهبت به وأتَتْ عليه. قال رؤبة:
وما نجا من حَشْرِها المحشوشِ *** وحْشٌ ولا طمشٌ من الطُّموشِ([17]) ويقال أُذُنٌ حَشْرَةٌ، إذا كانت مجتمِعة الخَلْق. قال:
لها أذُنٌ حَشْرَةٌ مَشْرَةٌ *** كإعْلِيط مَرْخٍ إذا ما صَفِرْ([18]) ومن أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الحاشر"، معناه أنّه يحشر النّاس على قدمَيه، كأنّه يقدُمُهم يوم القِيامة وهم خلْفه. ومحتملٌ أن يكون لَمَّا كان آخِرَ الأنبياء حُشِر النّاس في زمانه.
وحشرات الأرض: دوابُّها الصغار، كاليرابيع والضِّباب وما أشبهها، فسمِّيت بذلك لكثرتها وانسياقها وانبعاثها. والحَشْوَرُ من الرّجال: العظيم الخَلْق أو البطنِ.
وممّا شذّ عن الأصل قولهم للرجل الخفيف حَشْرٌ. والحَشْر من القُذَذ: ما لَطُف. وسِنانٌ حَشْرٌ، أي دقيق؛ وقد حَشَرْته.
ـــــــــــــــــــ
([1]) ديوان امرئ القيس 70.
([2]) وكذا ضبط بكسر الشين في المجمل، وفي اللسان بالفتح.
([3]) في المجمل: "ونفسه".
([4]) ذكر هذين المعنيين في المجمل، وذكرا في القاموس، وفاتا صاحب اللسان.
([5]) عجزه كما في اللسان (حشك): * فراح الذئار عليها صحيحا *
([6]) في الأصل: "حشدت"، تحريف.
([7]) البيت في المجمل واللسان (حشم).
([8]) البيت في المجمل واللسان (حشن).
([9]) كذا وردت هذه الكلمة.
([10]) في الأصل: " ما تحشى"، صوابه ما أثبت.
([11]) الجم: جمع جماء، وهي الكثيرة اللحم. وفي الأصل: "جمعا"، صوابه من المجمل.
([12]) للمعطل الهذلي من قصيدة في مخطوطة الشنقيطي من الهذليين 108. وأشده في اللسان: (حشا) وصدره: * يقول الذي أمسى إلى الحرز أهله *
([13]) البيت لأسماء بن خارجة كما في اللسان (حشا، أوس، هبل).
([14]) ديوان النابغة 70 واللسان (حشا).
([15]) لحبيب بن عبد الله، المعروف بالأعلم الهذلي. انظر ما سبق في حواشي (1: 447).
([16]) ديوان العجاج 74 واللسان والمجمل (حشب).
([17]) ديوان رؤبة 78 واللسان (حشر، طمش) والمقاييس (طمش).
([18]) للنمر بن تولب كما في اللسان (حشر)، ونبه على صحة هذه النسبة في (علط) بعد أن ذكر نسبته إلى امرئ القيس، وسيعيده في المقاييس (علط).

ـ (باب الحاء والصاد وما يثلثهما)
(حصف) الحاء والصاد والفاء أصلٌ واحد، وهو تشدُّدٌ يكون في الشيءِ وصلابةٌ وقوَّة. فيقال لرَكانة العقْل حصافة، وللعَدْوِ الشديد إحصاف. يقال فرسٌ مِحْصَفٌ وناقة مِحْصافٌ. ويقال كتيبة محصوفةٌ، إذا تَجمَّع أصحابُها وقلّ الخَلَل فيهم. قال الأعشى:
تأوِي طوائِفُها إلى مَحْصُوفة *** مكروهةٍ يخشى الكماةُ نِزالَها([1]) ويقال "مخصوفة"، وهذا له قياسٌ آخر وقد ذكر في بابه. ويقال استحصَفَ على بني فلانٍ الزّمانُ، إذا اشتدّ. وفرْجٌ مستحصِفٌ. وقال:
وإذا طعنتَ طعنتَ في مستَحْصِفٍ *** رابي المَجَسَّةِ بالعبير مُقَرْمَدِ([2]) والحَصَف: بَثْر صِغارٌ يَستحصِف لها الجِلْد.
(حصل) الحاء والصاد واللام أصلٌ واحد منقاس، وهو جمع الشيء، ولذلك سمِّيت حَوصلةُ *الطائر؛ لأنّه يجمع فيها. ويقال حصَّلت الشيءَ تحصيلا. وزعم ناسٌ من أهل اللغة أنّ أصل التحصيل استخراجُ الذهب أو الفضّة من الحجر أو من تراب المَعدِن؛ ويقال لفاعله المحصِّل. قال:
ألا رجلٌ جزاهُ الله خيراً *** يدلُّ على محصِّلة تُبِيتُ([3]) فإن كان كذا فهو القياسُ، والباب كلُّه محمول عليه.
والحَصَل: البلح قبل أن يشتدّ ويظهر ثَفارِيقُه، الواحدةُ حَصَلة. قال:
* ينحَتُّ منهُنّ السَّدَى والحَصْلُ([4]) *
السّدَى: البَلَح الذاوي، الواحدة سَداة. وهذا أيضاً من الباب، أعني الحصَل، لأنه حُصِّل من النخلة.
ومما شذّ عن الباب وما أدري ممّ اشتقاقه، قولهم: حَصِلَ الفرسُ، إذا اشتكى بَطْنَهُ عن أكل التُّراب.([5])
(حصم) الحاء والصاد والميم أصلٌ قليل الكَلِم، إلاّ أنه تكسُّر في الشيء، يقال: انحصم العود، إذا انكسر. قال ابن مُقْبل:
وبيَاضاً أحدثَتْه لِمَّتِي *** مثلَ عيدانِ الحَصاد المنحَصِمْ([6]) ومما اشتقّ منه حُصام([7]) الدّابة، وهو رُدَامه. والقياس قريب.
(حصن) الحاء والصاد والنون أصلٌ واحد منقاس، وهو الحفظ والحِياطة والحِرز. فالحِصن معروف، والجمع حصون. والحاصِن والحَصَان: المرأة المتعفِّفة الحاصنةُ فرْجَها. قال:
فَمَا ولَدتْنِي حاصِنٌ رَبَعِيّةٌ *** لئن أنا مالأْتُ الهوى لاتِّباعِها([8]) وقال حسّان في الحَصان:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ برِيبَةٍ *** وتُصبح غَرْثَى من لحوم الغَوافِل([9]) والفعل من هذا حَصُن. قال أحمد بن يحيى ثعلب: كلّ امرأةٍ عفيفة فهي مُحْصَنة ومُحْصِنة، وكل امرأة متزوِّجةٍ فهي محصَنة لا غير. قال: ويقال لكلِّ ممنوعٍ مُحْصَن، وذكر ناسٌ أنّ القُفْل يسمَّى مُحْصَناً. ويقال أحْصَنَ الرّجُل فهو مُحْصَنٌ. وهذا أحدُ ما جاء على أفعل فهو مُفْعَل.
(حصو/ي) الحاء والصاد والحرف المعتل ثلاثة أصول: الأول المنع، والثاني العَدُّ والإطاقة، والثالث شيءٌ من أجزاء الأرض.
فالأوَّل الحصو. قال الشيبانيّ: هو المنع؛ يقال حصوته أي منعته. قال:
ألا تخافُ الله إذْ حَصَوْتني *** حقِّي بلا ذنبٍ وإذْ عَنَّنْتَني([10]) والأصل الثاني: أحصيت الشيءَ، إذا عَدَدْته وأطْقته. قال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل 20]. وقال تعالى: {أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة 6].
والأصل الثالث: الحصى، وهو معروف. يقال أرضٌ مَحْصاةٌ، إذا كانت ذاتَ حصَى. وقد قيل حَصِيتْ تَحْصَى.
ومما اشتقّ منه الحصاة؛ يقال ما له حصاةٌ، أي ما له عقل. وهو من هذا؛ لأن في الحصى قوةً وشدّة. والحصاة: العقل، لأنّ به تماسُكَ الرّجل وقوّة نفسه. قال:
وإنّ لسانَ المرءِ مالم تكن له *** حَصاةٌ على عَوْراته لدَلِيلُ([11]) ويقال لكلِّ قطعةٍ من المسك حَصَاة؛ فهذا تشبيهٌ لا قياس.
وإذا هُمِز فأصْله تجمُّع الشيء؛ يقال أحصأتُ الرّجلَ، إذا أروَيته من الماء، وحَصِئَ هو. ويقال حَصأ الصبيُّ من اللبن، إذا ارتضَعَ حتى تمتلئَ مَعِدته، وكذلك الجَدْي.
(حصب) الحاء والصاد والباء أصلٌ واحد، وهو جنسٌ من أجزاء الأرض، ثم يشتقّ منه، وهو الحصباء، وذلك جنسٌ من الحَصَى. ويقال حَصَبْتُ الرّجلَ بالحَصبَاء. وريحٌ حاصب، إذا أتَتْ بالغُبار. فأمّا الحَصْبَةُ فَبثْرةٌ تخرج بالجَسدِ، وهو مشبَّه بالحَصْباء. فأمَّا المُحَصَّب بمِنىً فهو موضع الجِمار. قال ذو الرمة:
أرى ناقتي عند المحصَّب شاقَها *** رَواحُ اليَمانِي والهديلُ المُرجَّعُ([12]) يريد نفر اليمانينَ حين ينْصرفون. والهديل هاهنا: أصوات الحمام. أراد أنّها ذَكَرت الطير في أهلها فحنّت إليها.
ومن الباب الإحصاب: أن يُثِير الإنسانُ الحصَى في عَدْوِه. ويقال أرض مَحْصَبَةٌ، ذاتُ حَصْباء. فأمّا قولُهم حَصَّب القوم عن صاحبهم *يُحَصِّبون، فذلك تَوَلِّيهِمْ عنه مسرِعين كالحاصب، وهي الريح الشديدة. فهذا محمولٌ على الباب.
ويقال إنّ الحصِبَ من الألبان الذي لا يُخرِج زُبدَه، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنه كأنه من بَرْده يشتدّ حتى يصير كالحصباء فلا يُخرج زُبْداً([13]).
(حصد) الحاء والصاد والدال أصلان: [أحدهما] قطْع الشيء، والآخر إحكامه. وهما متفاوتان.
فالأول حصدتُ الزّرعَ وغيرَه حَصْدا. وهذا زمَنُ الحَصاد والحِصاد. وفي الحديث: "وهَلْ يكُبُّ الناسَ على مَناخِرِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم". فإن الحصائد جمع حَصِيدة، وهو كلُّ شيءٍ قيل في الناس باللِّسان وقُطِع به عليهم. ويقال حَصَدْتُ واحتصَدْت، والرجل محتصِد. قال:
إنما نحنُ مِثلُ خامةِ زَرْعٍ *** فمتى يَأْنِ يَأْتِ محتصِدُهْ([14]) والأصل الآخر قولهم حَبْلٌ مُحْصَدٌ، أي مُمَرٌّ مفتول.
ومن الباب شجرةٌ حَصْداء، أي كثيرة الورق؛ ودِرْع حصداء: مُحْكَمة؛ واستحصدَ القومُ، إذا اجتَمَعوا.
(حصر) الحاء والصاد والراء أصلٌ واحد، وهو الجمع والحَبْس والمنع. قال أبو عمرو: الحَصِير الجَنْبُ. قال الأصمعيّ: الحصير ما بين العِرْق الذي يظهر في جنب البعير والفَرَس معترضاً، فما فوقه إلى منقطع الجنب فهو الحصير. وأيَّ ذلك [كان] فهو من الذي ذكرناه من الجَمْع، لأنّه مجمع الأضلاع.
والحَِصر: العَيُّ، كأنَّ الكلام حُبِس عنه ومُنِع منه. والحَصَر: ضِيقُ الصَّدْر. ومن الباب([15]) الحُصْر، وهو اعتقال البَطْن؛ يقال منه حُصِر وأُحْصِر. والناقة الحَصُور، وهي الضيِّقة الإحليل؛ والقياس واحد. فأمَّا الإحصار فأن يُحْصَرَ الحاجُّ عن البيت بمرضٍ([16]) أو نحوه. وناسٌ يقولون: حَصَره المرض وأحصره العدُوّ.
وروى أبو عبيدٍ عن أبي عمرو: حَصَرَني الشيء وأحصرني، إذا حبَسني، وذكر قول ابنِ ميّادة:
وما هَجْرُ ليلَى أن تكون تباعدَتْ *** عَليكَ ولا أَنْ أَحْصَرتْكَ شُغُولُ([17]) والكلام في حَصَره وأحصره، مشتبهٌ عندي غايةَ الاشتباه؛ لأنّ ناساً يجمعون بينهما وآخرون يَفْرِقون، وليس فَرْقُ مَنْ فَرَقَ بينَ ذلك ولا جَمْعُ مَن جمعَ ناقضاً القياسَ الذي ذكرناه، بل الأمرُ كلُّه دالٌّ على الحبْس.
ومن الباب الحَصُور الذي لا يأتي النِّساء؛ فقال قوم: هو فَعول بمعنى مفعول، كأنّه حَصِر أي حُبِس. وقال آخرون: هو الذي يأبَى النساء([18]) كأنّه أحجَمَ هو عنهنَّ، كما يقال رجل حَصُورٌ، إذا حَبَس رِفدَه ولم يُخْرِجْ ما يخرجه النّدامَى. قال الأخطل:
وشاربٍ مُرْبِحٍ بالكأسِ نادَمَني *** لا بالحَصُور ولا فيها بِسَوَّارِ([19]) ومن الباب الحَصِر بالسِّرّ، وهو الكتوم له. قال جرير:
ولقد تَسقَّطَنِي الوُشاةُ فصادَفُوا *** حَصِراً بِسرِّكِ يا أمَيْمَ ضَنِينا([20]) والحصير في قولـه عز وجل: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء 8]، وهو المحْبِس. والحصير في قول لبيد:
* لَدَى بابِ الحَصيرِ قيامُ([21]) *
هو الملك. والحصَار: وِسادةٌ تحشَى وتجعل لقادمة الرَّحْل؛ يقال احتَصَرْت البعير احتصارا([22]).

ــــــــــــــــــــ
([1]) ديوان الأعشى 27 واللسان (حصف). وفي الديوان: "إلى مخضرة".
([2]) للنابغة الذبياني في ديوانه 32، والبيت ملفق من بيتين وهما:
وإذا طعنت في مستهدف *** رابى المجسة بالعبير مقرمد وإذا نزعت نزعت من مستحصف *** نزع الحزور بالرشاء المحصد ([3]) البيت لعمرو بن قعاس المرادي، كما في الخزانة (1: 459) وكتاب سيبويه (1: 359). وأنشده في اللسان (حصل) بدون نسبة. وفي "رجل" أوجه الإعراب الثلاثة.
([4]) الثفاريق: جمع ثفروق، بضم الثاء المثلثة، وهو قمع البسرة والتمرة. وفي الأصل واللسان: "تغاريقه"، تحريف. وفي المخصص (11: 121): "إذا استبان البسر ونبت أقماعه وتدحرج قيل حصل النخل، وهو الحصل".
([5]) استشهد به في اللسان والمخصص على تسكين الصاد للضرورة، وأنشده كذلك في اللسان (سدا).
([6]) البيت في اللسان (حصم).
([7]) هذا اللفظ مما لم يرد في المعاجم المتداولة. والدابة، يذكر ويؤنث.
([8]) نسب في الحماسة بشرح المرزوقي 208 إلى إياس بن قبيصة الطائي.
([9]) ديوان حسان 324 واللسان (حصن، رزن). يقوله في شأن أم المؤمنين عائشة.
([10]) لبشير الفريري، كما في اللسان (حصى).
([11]) لكعب بن سعد الغنوي، كما في اللسان (حصى). ونبه الأزهري إلى طرفة، وهو في ديوانه ص52.
([12]) ديوان ذي الرمة 345 واللسان (هدل).
([13]) لم يذكر "الحصب" في اللسان. وفي القاموس: "وككتف: اللبن لا يخرج زبده من برده".
([14]) للطرماح في ديوانه 113 واللسان (خوم). وكلمة "مثل" ساقطة من الأصل. وإثباتها مما سيأتي في
(خام 237) واللسان. وفي الديوان:
إنما الناس مثل نابتة الزر *** ع متى يأن يأت محتصده ([15]) في الأصل: "وهو من الباب".
([16]) في الأصل: "عرض"، صوابه من المجمل.
([17]) البيت في المجمل واللسان (شغل).
([18]) في الأصل: "يأتي النساء".
([19]) ديوان الأخطل 116 واللسان (6: 2، 51).
([20]) ديوان جرير 578 واللسان (حصر)، وورد محرفا في اللسان.
([21]) البيت بتمامه كما في ديوان لبيد 29:
ومقامة غلب الرقاب كأنهم *** جن لدى طرف الحصير قيام ([22]) وكذلك يقال حصره وأحصره.