بعد : تقع للترتيب وتحتمل الفور والتراخي قاله صاحب القواطع
|
بعد : تقع للترتيب وتحتمل الفور والتراخي قاله صاحب القواطع
كل : تلازم الإضافة معنى , ولا يلزم إضافتها لفظا إذا وقع توكيدا ونعتا , وإضافتها منوية عند تجردها عنها , وإذا كان المضاف إليه المحذوف معرفة بقي " كل " على تعريفه , فلا تباشره اللام , ونصبه على الحال في قراءة { إنا كلا فيها } شاذ , وإن أضيف إلى نكرة روعي في عود الضمير وغيره المضاف إليه , وإن أضيف إلى معرفة جاز مراعاة المضاف إليه , ومراعاة لفظ " كل " .
غير : اسم لازم للإضافة في المعنى , ويجوز قطعه عنها إن فهم معناها وتقدمت عليها كلمة " ليس " . قال الشيخ جمال الدين في المغني " وقولهم : لا غير لحن , وليس كما قال , فإنه مسموح في قول الشاعر :
جوابا به تنجو اعتمد فوربنا لعن عمل أسلفت لا غير تسأل
وقد احتج به ابن مالك في باب القسم من شرح التسهيل " وكأن الشيخ تابع السيرافي فإنه قال : الحذف إنما يستعمل إذا كانت " إلا " و " غير " بعد ليس , ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز الحذف , ولا يتجاوز بذلك مورد السماع . انتهى .
وقد سمع كما ذكرنا وهي عكس " لا " فإن شرط " غير " أن يكون ما قبلها صادقا على ما بعدها . تقول : مررت برجل غير فقيه , ولا يجوز [ ص: 216 ] غير امرأة بخلاف " لا " النافية فإنها بالعكس . والأصل في " غير " أن تكون صفة , وقد يستثنى بها . قال الرماني : والفرق بينهما في الحالتين أنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها , ولم تنف عنه , نحو جاءني رجل رشيد غير زيد , فوصفت بها ولم تنف عن زيد المجيء , ويجوز أن يقع مجيئه وأن لا يقع . وإذا كانت استثناء فإذا كان ما قبلها إيجابا كان ما بعدها نفيا أو نفيا فإيجابا . وإذا كانت صفة وصف بها الواحد والجمع , وإذا كانت استثناء فلا تأتي إلا بعد جمع أو معناه .
وكذا قال الشلوبين : إنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها ولم تنف عنه . وفيما قالاه نظر , وفي كلام سيبويه خلافه . وقد أجاز في قولك : مررت برجل غيرك ثلاثة معان : أحدها : أن يكون المراد واحدا خلافك . الثاني : أن المراد واحد صفته مخالفة لصفتك , فالإبهام فيه أقل . الثالث : أن يكون المراد أنت مع غيرك , وهذا الثالث يحتاج إلى تقرير , ومثله قول الحنفية فيما لو قال لزوجته : أنت طالق غير طلقة أنه يقع ثلاث . وقول أصحابنا : كل امرأة غيرك طالق يقع على المخاطبة إلا أن يعزلها بالنية . وقال صاحب البرهان " إذا قلت ما جاءني غير زيد احتمل أن تريد نفي أن يكون قد جاء معه إنسان آخر , وأن تريد نفي أن يكون قد جاء [ ص: 217 ] غيره لا هو , ولا يصح ما جاءني غير زيد لا عمرو , كما لم يجز ما جاءني , إلا زيد لا عمرو ; لأن " غير " فيها معنى النفي , ومن ثم جاء حرف النفي مع المعطوف عليها في قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .
مسألة: الْجُزْء الثَّالِثغَيْرُ : اسْمٌ لَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ فِي الْمَعْنَى , وَيَجُوزُ قَطْعُهُ عَنْهَا إنْ فُهِمَ مَعْنَاهَا وَتَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا كَلِمَةُ " لَيْسَ " . قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ فِي الْمُغْنِي " وَقَوْلُهُمْ : لَا غَيْرَ لَحْنٍ , وَلَيْسَ كَمَا قَالَ , فَإِنَّهُ مَسْمُوحٌ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
جَوَابًا بِهِ تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنَا لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لَا غَيْرَ تُسْأَلُ
وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي بَابِ الْقَسَمِ مِنْ شَرْحِ التَّسْهِيلِ " وَكَأَنَّ الشَّيْخَ تَابَعَ السِّيرَافِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ : الْحَذْفُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ إذَا كَانَتْ " إلَّا " وَ " غَيْرُ " بَعْدَ لَيْسَ , وَلَوْ كَانَ مَكَانَ لَيْسَ غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْجَحْدِ لَمْ يَجُزْ الْحَذْفُ , وَلَا يَتَجَاوَزُ بِذَلِكَ مَوْرِدَ السَّمَاعِ . انْتَهَى .
وَقَدْ سُمِعَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهِيَ عَكْسُ " لَا " فَإِنَّ شَرْطَ " غَيْرَ " أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا صَادِقًا عَلَى مَا بَعْدَهَا . تَقُولُ : مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِ فَقِيهٍ , وَلَا يَجُوزُ [ ص: 216 ] غَيْرِ امْرَأَةٍ بِخِلَافِ " لَا " النَّافِيَةِ فَإِنَّهَا بِالْعَكْسِ . وَالْأَصْلُ فِي " غَيْرَ " أَنْ تَكُونَ صِفَةً , وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِهَا . قَالَ الرُّمَّانِيُّ : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ صِفَةً لَمْ تُوجِبْ شَيْئًا لِلِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا , وَلَمْ تَنْفِ عَنْهُ , نَحْوَ جَاءَنِي رَجُلٌ رَشِيدٌ غَيْرُ زَيْدٍ , فَوَصَفْتَ بِهَا وَلَمْ تَنْفِ عَنْ زَيْدٍ الْمَجِيءَ , وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مَجِيئُهُ وَأَنْ لَا يَقَعَ . وَإِذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً فَإِذَا كَانَ مَا قَبْلَهَا إيجَابًا كَانَ مَا بَعْدَهَا نَفْيًا أَوْ نَفْيًا فَإِيجَابًا . وَإِذَا كَانَتْ صِفَةً وُصِفَ بِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ , وَإِذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً فَلَا تَأْتِي إلَّا بَعْدَ جَمْعٍ أَوْ مَعْنَاهُ .
وَكَذَا قَالَ الشَّلَوْبِينُ : إنَّهَا إذَا كَانَتْ صِفَةً لَمْ تُوجِبْ شَيْئًا لِلِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا وَلَمْ تَنْفِ عَنْهُ . وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ , وَفِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ خِلَافُهُ . وَقَدْ أَجَازَ فِي قَوْلِك : مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِك ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَاحِدًا خِلَافَك . الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ صِفَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِصِفَتِك , فَالْإِبْهَامُ فِيهِ أَقَلُّ . الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْتَ مَعَ غَيْرِك , وَهَذَا الثَّالِثُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرٍ , وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرُ طَلْقَةٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ . وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا : كُلُّ امْرَأَةٍ غَيْرِك طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهَا بِالنِّيَّةِ . وَقَالَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ " إذَا قُلْت مَا جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ احْتَمَلَ أَنْ تُرِيدَ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاءَ مَعَهُ إنْسَانٌ آخَرُ , وَأَنْ تُرِيدَ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاءَ [ ص: 217 ] غَيْرُهُ لَا هُوَ , وَلَا يَصِحُّ مَا جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ لَا عَمْرٍو , كَمَا لَمْ يَجُزْ مَا جَاءَنِي , إلَّا زَيْدٌ لَا عَمْرٌو ; لِأَنَّ " غَيْرَ " فِيهَا مَعْنَى النَّفْيِ , وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ حَرْفُ النَّفْيِ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
مسألة: الجزء الثالثغير : اسم لازم للإضافة في المعنى , ويجوز قطعه عنها إن فهم معناها وتقدمت عليها كلمة " ليس " . قال الشيخ جمال الدين في المغني " وقولهم : لا غير لحن , وليس كما قال , فإنه مسموح في قول الشاعر :
جوابا به تنجو اعتمد فوربنا لعن عمل أسلفت لا غير تسأل
وقد احتج به ابن مالك في باب القسم من شرح التسهيل " وكأن الشيخ تابع السيرافي فإنه قال : الحذف إنما يستعمل إذا كانت " إلا " و " غير " بعد ليس , ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز الحذف , ولا يتجاوز بذلك مورد السماع . انتهى .
وقد سمع كما ذكرنا وهي عكس " لا " فإن شرط " غير " أن يكون ما قبلها صادقا على ما بعدها . تقول : مررت برجل غير فقيه , ولا يجوز [ ص: 216 ] غير امرأة بخلاف " لا " النافية فإنها بالعكس . والأصل في " غير " أن تكون صفة , وقد يستثنى بها . قال الرماني : والفرق بينهما في الحالتين أنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها , ولم تنف عنه , نحو جاءني رجل رشيد غير زيد , فوصفت بها ولم تنف عن زيد المجيء , ويجوز أن يقع مجيئه وأن لا يقع . وإذا كانت استثناء فإذا كان ما قبلها إيجابا كان ما بعدها نفيا أو نفيا فإيجابا . وإذا كانت صفة وصف بها الواحد والجمع , وإذا كانت استثناء فلا تأتي إلا بعد جمع أو معناه .
وكذا قال الشلوبين : إنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها ولم تنف عنه . وفيما قالاه نظر , وفي كلام سيبويه خلافه . وقد أجاز في قولك : مررت برجل غيرك ثلاثة معان : أحدها : أن يكون المراد واحدا خلافك . الثاني : أن المراد واحد صفته مخالفة لصفتك , فالإبهام فيه أقل . الثالث : أن يكون المراد أنت مع غيرك , وهذا الثالث يحتاج إلى تقرير , ومثله قول الحنفية فيما لو قال لزوجته : أنت طالق غير طلقة أنه يقع ثلاث . وقول أصحابنا : كل امرأة غيرك طالق يقع على المخاطبة إلا أن يعزلها بالنية . وقال صاحب البرهان " إذا قلت ما جاءني غير زيد احتمل أن تريد نفي أن يكون قد جاء معه إنسان آخر , وأن تريد نفي أن يكون قد جاء [ ص: 217 ] غيره لا هو , ولا يصح ما جاءني غير زيد لا عمرو , كما لم يجز ما جاءني , إلا زيد لا عمرو ; لأن " غير " فيها معنى النفي , ومن ثم جاء حرف النفي مع المعطوف عليها في قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:22 PM.
كل : تلازم الإضافة معنى , ولا يلزم إضافتها لفظا إذا وقع توكيدا ونعتا , وإضافتها منوية عند تجردها عنها , وإذا كان المضاف إليه المحذوف معرفة بقي " كل " على تعريفه , فلا تباشره اللام , ونصبه على الحال في قراءة { إنا كلا فيها } شاذ , وإن أضيف إلى نكرة روعي في عود الضمير وغيره المضاف إليه , وإن أضيف إلى معرفة جاز مراعاة المضاف إليه , ومراعاة لفظ " كل " .
مسألة [ حتى العاطفة هل تقتضي الترتيب ؟ ] اختلف في العاطفة هل تقتضي الترتيب ; فأثبته ابن الحاجب وابن معط حيث قالا : إنها كالفاء , بل هذه العبارة توهم أنها للتعقيب , وهو بعيد , ولعلهم أرادوا أنها بمعنى الفاء للمناسبة الظاهرة بين التعقيب والغاية .
[ ص: 226 ] وقال صاحب البسيط " هي مثل " ثم " في الترتيب والمهلة إلا أنه يشترط كون معطوفها جزءا من المعطوف عليه , ويصح جعله غاية له , فعلم منهما مخالفته للأول فيما أوجب المهلة من ضعف أو قوة , ك قدم الحجاج حتى المشاة . وقال الجمهور : إنها كالواو . وقال ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو , وزعم بعض المتأخرين أنها تقتضي الترتيب , وليس بصحيح بل يجوز أن يقال : حفظت حتى سورة البقرة , وإن كانت البقرة أول محفوظك أو متوسطه , وفي الحديث : { كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس } ولا فرق في تعلق القضاء بالمقضيات , وإنما الترتيب في كونها أي : وجودها . وقال ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو , وقال ابن أياز : الترتيب الذي تقتضيه " حتى " ليس على ترتيب الفاء وثم , وذلك أنهما يرتبان أحد الفعلين على الآخر في الوجود وهي ترتب ترتيب الغاية والنهاية , ويشترط أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها , ولا يحصل ذلك إلا بذكر الكل قبل الجزء .
قال الجرجاني : الذي أوجب ذلك أنها للغاية والدلالة على أحد طرفي الشيء . وطرف الشيء لا يكون من غيره . ولهذا كان فيه معنى التعظيم والتحقير , وذلك أن الشيء إذ أخذته من أعلاه فأدناه غايته وهو المحقر , وإن أخذته من أدناه فأعلاه غايته وهو المعظم , ولهذا أيضا لم يكن ما بعد " حتى " وإن كان من جنس ما قبلها إلا بعضا وجزءا منه . تقول : جاء القوم حتى زيد , ولا تقول حمار . وكذلك لا تقول : جاء زيد حتى القوم , [ ص: 227 ] لاستحالة أن يكون بضعا لشيء وجزءا منه . ولا جاء زيد حتى عمرو كذلك أيضا , وللمساواة , وكل هذا لا يمتنع في الواو .
وهنا تنبيهات الأول أنهم ذكروا أن " حتى " للغاية إما في نقص أو زيادة , نحو عليك الناس حتى النساء , واختطفت الأشياء حتى مثاقيل الدر , ثم قالوا : إنها لا تقتضي الترتيب بل تكون لمطلق الجمع كالواو , والجمع بين الكلامين مشكل . فإن قلت : الغاية في نفس الأمر والواقع ليس هو هذا , بل من الجائز أن يكون هو الأول , وما بعده أو الأخير , ومع هذا الاحتمال لا تكون للترتيب . قلت : لو لم تكن للترتيب لم يكن لاشتراط القوة أو الضعف فائدة , ولو لم تقتض التأخير عقلا وعادة لم يحسن ذلك , فإن قلت : فائدته إفادة العموم , قلت : العموم مأخوذ من المفهوم , وفيه نظر .
التنبيه الثاني " حتى " الداخلة على الأفعال قد تكون للغاية ولمجرد السببية والمجازاة وللعطف المحض أي : التشريك من غير اعتبار غايته وسببيته , فالأول هو الأصل فيحمل عليه ما أمكن كقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية } فإن القتل يصلح للامتداد , وقبول الجزية يصلح منتهى له . وكقوله تعالى : { حتى تستأنسوا } أي تستأذنوا , فإن المنع من دخول بيت الغير يحتمل الامتداد , والاستئذان يصلح منتهى له . وجعل حتى هذه داخلة على الفعل نظرا لظاهر اللفظ وإلا فالفعل [ ص: 228 ] منصوب بإضمار " أن " فهي في الحقيقة إنما دخلت على الاسم , هذا إذا احتمل صدر الكلام الامتداد والآخر الانتهاء إليه , فإن لم يحتمل ذلك . فإن صلح الصدر أن يكون سببا للثاني كانت بمعنى " كي " فتفيد السببية والمجازاة , نحو أسلمت حتى أدخل الجنة , وإن لم يصلح لذلك فهي للعطف المحض من غير دلالة على غاية أو مجازاة .
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:22 PM.
متى : شرط يجزم به المضارع , مثل متى تخرج أخرج , وهي لازمة [ ص: 229 ] للظرفية لا تتجرد عنها بخلاف " إذا " في قوله :
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
والعجب أنهم جعلوا " إذا " متمحضا للشرط بواسطة وقوعه في بيت شاذ جازما للمضارع مستعملا فيما على خطر الوجود , ولم يجعلوا " متى " متمحضا للشرط مع دوام ذلك فيه . وحقه في اللغة التكرار , واصطلح أكثر الفقهاء على أنها للمرة الواحدة , كقولك : إذا فعلت . قاله في القواطع " . قال : ومذهب عامة الفقهاء أنه إذا قال لامرأته : إن فعلت كذا فأنت طالق أنه على مرة واحدة , وكذا إذا فعلت . بخلاف " كلما " فإنها للتكرار . قال الرافعي في كتاب الأيمان : لو قال : متى خرجت , أو متى ما , أو مهما , ككلما , في اقتضاء التكرار , وهو خلاف قضيته في الأم " . انتهى . وحكى أبو البقاء عن ابن جني أن " مهما " للتكرار بخلاف " متى " .
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:23 PM.
ثم : يتعلق الكلام فيها بمباحث .
[ ص: 231 ] الأول : في الترتيب , وهو يقتضي على الصحيح , ونقل ابن أبي الدم عن ابن عاصم العبادي من أصحابنا أنها كالواو في اقتضاء الجمع المطلق . ووجهه بعضهم بأن " وقفت " إنشاء , فلا يدخل فيه الترتيب , كقولك : بعتك هذا ثم هذا , وهذا غلط , وإنما قال العبادي ذلك إذا قال : وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي بطنا بعد بطن أنها للجميع , ووجهه أن بطنا بعد بطن عنده للجمع لا للترتيب , والكلام بآخره , فالجمع من هذه الحيثية لا من جهة " ثم " . ونقل صاحب البسيط " من النحويين عن ابن الدهان أن المهلة والترتيب في المفردات , وأما الجمل فلا يلزم ذلك فيها بل قد يدل على تقديم ما بعدها على ما قبلها .
قال : والأصح المحافظة على معناها أينما وقعت وتأويل ما خالف معناها ونقل ابن الخباز عن شيخه : أن " ثم " إذا دخلت على الجمل لا تفيد الترتيب كقوله تعالى : { فك رقبة } إلى قوله { ثم كان من الذين آمنوا } فحصل ثلاثة أقوال : أما في الزمان نحو { ثم أرسلنا موسى } وقوله : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه } أو في المرتبة نحو { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } أو للترتيب في الأخبار كقوله تعالى : { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } { ثم استوى إلى السماء } والسماء مخلوقة قبل الأرض بدليل قوله { والأرض بعد ذلك دحاها } وقال الراغب : تقتضي تأخر ما بعدها عما قبله إما تأخرا بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع , ونقل ابن دقيق العيد في شرح الإلمام " فصلا عن [ ص: 232 ] الإمام محمد بن بري في الترتيب ب " ثم " ضعف فيه القول بالترتيب الإخباري .
قال : بعد أن قررت أن " ثم " لترتيب الثاني على الأول في الوجود بمهلة بينهما في الزمان أن " ثم " تأتي أيضا لتفاوت الرتبة , ثم قال : ويجيء هذا المعنى مقصودا بالفاء العاطفة , نحو خذ الأفضل فالأكمل , واعمل الأحسن فالأجمل , ونحو { رحم الله المحلقين فالمقصرين } , فالفاء في المثال الأول لتفاوت رتبة الفضل من الكمال والحسن في الحال , وفي الثاني لتفاوت رتبة المحلقين من المقصرين بالنسبة إلى حلقهم وتقصيرهم . وقوله تعالى { والصافات صفا فالزاجرات زجرا } تحتمل الفاء فيه المعنيين مجازا , فيجوز أن يراد تفاوت رتبة الصف من الزجر , ورتبة الزجر من التلاوة . ويجوز أن يراد بها تفاوت رتبة الجنس الصاف من الجنس الزاجر بالنسبة إلى صفهم وزجرهم , ورتبة الجنس الزاجر من الثاني بالنسبة إلى زجره وتلاوته . ثم قال : وهذا أولى من قول من يقول : هي لترتيب الجمل في الأخبار لا لترتيب الخبرية في الوجود ; لأنه ضعيف في المعنى لبعد المهلة فيه حقيقة . واستدل القائلون به بقول :
إن من ساد ثم ساد أبوه
وأجيب بأنه لتفاوت رتبة الابن من أبيه أو لتفاوت رتبة سيادته من سيادة أبيه .
ومجاز استعمالها لتفاوت أنها موضوعة للمهلة والتفاوت بمهلة في المعنى , ولأن بينهما قدرا مشتركا وهو الانفصال . قلت : وهذا طريق آخر للترتيب وهو الترتيب بالرتب . أعني تفاوت [ ص: 233 ] رتب الفعل أو رتب الفاعلين , ثم قال : وهذا المعنى بعينه في الفاء نحو قوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا } فالفاء في قوله تعالى : { فإن فاءوا } إنما دخلت لتبين حكم المولى في زمن التربص بجملتي الشرط بعدها لا لتعقيبها زمن التربص . وهكذا قال أبو حنيفة . قال : ولا يفصل ب ثم , والفاء في هذا المعنى ترتيب وجودي بل تفصيل معنوي ألا ترى أن قولك : اغتسل , فأفاض الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر ليس القصد به إلا البيان لا الترتيب ؟ فلو قدمت أو أخرت جاز , وكذا لو أتيت بالفاء موضع " ثم " فإن كان الموضع يحتمل الترتيب جاز أن يقصد الترتيب , وجاز أن يقصد التفصيل , نحو توضأ , فغسل وجهه ثم يديه . فإن أردت الترتيب لا يجوز التقديم والتأخير وإن أردت التفصيل جاز . وإنما استعملت ثم والفاء للتفصيل حملا على " أو " في نحو قولك : الجسم إما ساكن أو متحرك .
الإنسان ذكر أو أنثى . قال الشيخ : وما حكيناه عن ابن بري من أن التفصيل المبهم لا يوجب الترتيب قد وافقه عليه بعض المتأخرين . المبحث الثاني : في اقتضائها التراخي , وكما يوجب الترتيب يوجب تراخي الثاني عن الأول والمهلة بينهما , وعدم الفورية والمهلة , واحتج عليه ابن الخشاب بامتناع وقوع ما بعدها جوابا للشرط , كما جاز ذلك في الفاء , فلا تقول : إن تقم ثم أنا أقوم كما قلت : إن تقم فأنا أقوم وقال ابن يعيش : ولما تراخى لفظها بكثرة حروفها تراخى معناها ; لأن [ ص: 234 ] قوة اللفظ مؤذنة بقوة المعنى . قال ابن دقيق العيد : وقضيته أن تراخي معناها يقع كتراخي لفظها , وهو معلول له . قال : وهو عكس ما وجدته عن أبي الحسن بن عصفور , فإنه لما تعرض لبيان قول أبي علي إن " ثم " مثل الفاء إلا أن فيها مهلة . قال : فإنما يعني أنها مثلها في الترتيب إلا أنه ترتيب فيه مهلة وتراخ , وكأنه لما اختصت بمعنى يزيد على معنى الفاء خص لفظها بلفظ أزيد من لفظ الفاء وكانت على أكثر من حرف , والفاء على حرف واحد , وهذا يقتضي أن تكون زيادة اللفظ تبعا لزيادة المعنى , ويكون اللفظ موافقا لما ذكر عن ابن درستويه أن الواو وهي الأصل في هذه الثلاثة الواو والميم متقاربان في المخرج ; إذ الفاء من باطن الشفة والواو والميم من نفس الشفة , فلذلك جعلت هذه الحروف الثلاثة تجمع ما بين الشيئين في اللفظ والمعنى , وخصت بالاستعمال دون غيرها . ولما اختصت " ثم " بمعنى زائد على الفاء اختصت بالثاء المقاربة لمخرج الفاء لتدل على معنى ثالث , ثم لا خلاف في اقتضائها التراخي .
وكلام ابن الخشاب يقتضي تخصيصه بالمفردات وأنه في عطف الجمل لا يكون كذلك كما سبق مثله في الترتيب . قال : وقد يتجرد عن التراخي إذا كررت على التعظيم والتأكيد كقوله تعالى : { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين } والمعطوف هنا هو لفظ المعطوف عليه , وكقوله : { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } والمعطوفات كلها جمل فيها معنى التهديد والوعيد , وأما قوله تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } فقال القاضي أبو الطيب : التراخي ظاهر فيه ; لأنه لا بد من تأخر العود عن الظهار بفصل , وهو زمن إمكان الطلاق . [ ص: 235 ]
وقد اختلف الحنفية في أثر التراخي , فعند أبي حنيفة هو راجع إلى التكلم بمعنى الانقطاع المطلق بمنزلة ما لو سكت ثم استأنف قولا بعد الأول . وقال صاحباه : راجع إلى الحكم مع الوصل في المتكلم لمراعاة معنى العطف فيه ; لأن الكلام منفصل حقيقة أو حسا , فيكون في الحكم كذلك فإذا قال لغير المدخول بها : أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار . فعند أبي حنيفة لما كان في الحكم منقطعا وقع واحدة في الحال , ويلغى الباقي , لعدم المحل , كما لو قال : أنت طالق , وسكت , ثم قال : أنت طالق إن دخلت الدار , ولو كان كذلك لم يتعلق الطلاق بالشرط فكذا هنا , وعندهما لما كان المتكلم متصلا حكما تعلقت جميعا بالشرط إلا أنه إذا وجد الشرط يقع واحدة عملا بالتراخي . المبحث الثالث : إذا ثبت أنها للتراخي فلا دليل على مقداره من جهة اللفظ قاله ابن السمعاني . وقاله غيره : المراد بالتراخي الزماني فإنه حقيقة فيه , فإن استعمل في تراخي الرتبة أو في تراخي الأخبار كان مجازا . وقال ابن دقيق العيد : ويمكن أن يقال : إنها حقيقة في أمر مشترك بين هذه الأنواع أعني التراخي في الزمان والرتبة والأخبار .
المبحث الرابع : أن التراخي قد يتزايد في عطف الجمل بعضها على بعض فإذا قلت : جاء زيد ثم جاء عمرو كان أدل على التراخي من قام زيد ثم عمرو , فإن تغاير الفعلان فقلت : قام زيد ثم انطلق كان كالثاني , وقد قال تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } فعطف أولا بالفاء ; لأنهم كانوا نطفا فجعل فيهم حياة عقب حالة كونهم أمواتا , ثم تراخى حالة إماتتهم بمدة حياتهم وآجالهم المقسومة فعطف الإماتة , ثم تراخى الإحياء المتعقب عن الإماتة بمدة لبثهم في البرزخ فعطف { يحييكم } ب ثم , ثم تراخى الإحياء للبعث عن الإماتة بمدة لبثهم في البرزخ فعطف عليهم ب ثم , ثم إليه الرجوع بعد هذا كله .
[ ص: 236 ] قيل : ويجيء بمعنى الواو كقوله { ثم استوى على العرش } { ثم استوى إلى السماء } { ثم الله شهيد } قالوا : هي فيها بمعنى الواو ; لأن الاستواء صفة ذات , وهي قديمة , والتعقيب بالتراخي لا يوصف به القديم . وأما من ذهب إلى أنها صفة فعل لا يحتاج إلى تأويل . وقد تأول بأن المراد بالاستواء هنا الاستعارة فإنه - تعالى - فرغ من إكمال الخليقة وأمر ونهى وكلف , ثم استوى على العرش , والمراد الإشارة إلى ما قلناه من إكمال المعنى المذكور هذا المعنى فيصح فيه التعقيب
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:23 PM.
الأولى : حروف الجريسميها الكوفيون الصفات لنيابتها عن الصفات ويجوزون دخول بعضها على بعض . أي : أن هذا الحرف بمعنى حرف كذا . ومنع البصريون ذلك وعدلوا عنه إلى تضمين الفعل معنى فعل آخر إبقاء للفظ الحرف على حقيقته , وكأنهم رأوا التجوز في الفعل أخف من التجوز في الحرف . والكوفيون عكسوا ذلك , وقال ابن السيد : في القولين جميعا نظر ; لأن من أجاز مطلقا يلزمه أن يجيز سرت إلى زيد . يريد مع زيد , ومن منع مطلقا لزمه أن يتعسف في التأويل الكثير . فالحق : أنه موقوف على السماع , وغير جائز في القياس . ثم ذكر ما حاصله يرجع إلى التضمين هو تضمين الحرف معنى آخر ليفيد المعنيين كقوله :
إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاهاقيل : إنما عدي رضي بعلي ; لأنه بمعنى أقبلت : وقال أبو الفتح بن دقيق العيد : المانعون إنما يمنعون الاستعمال حقيقة ومجازا , أو حقيقة فقط , والمجوزون إما أن يدعوا في الاستعمال الحقيقة فيه أو يقولوا بالمجاز فيه . فإن ادعى المانعون العموم بالنسبة إلى الحقيقة والمجاز لم يصح ; لأنهم إذا ردوا [ ص: 250 ] على المجيزين جعلوا مدلول اللفظ حقيقة معنى من المعاني , ثم ردوا الاستعمال الذي يذكره المجوزون بالتأويل إلى ذلك المعنى , وهو يقرب المجاز , فعلى هذا يؤول تصرف البصريين إلى المجاز أيضا ويرجع الخلاف في ترجيح أحد المجازين على الآخر لا في المنع من الاستعمال أو الحمل أو الجواز فيهما , وإن كان الكوفيون يرون الاستعمال في هذه المعاني التي يوردونها حقيقة . والبصريون يقولون : مجاز , فالمجاز خير من الاشتراك , والاشتراك لازم على هذا القول لاتفاق الفريقين على استعمال اللفظ في معنى حقيقة , والكوفيون على هذا التقدير يرون استعماله في معاني حقيقة , فيلزم الاشتراك على هذا التقدير قطعا . قال : ولست أذكر التصريح من مذهب المجوزين في أنه حقيقة , وإنما المشهور قولهم : ويكون كذا بمعنى كذا , وليس فيه دليل على أنه حقيقة فيه .
الخامسة : النسبة المنفية إذا قيدت بحال تسلط النفي على الحال , وللعرب فيه طريقان : أكثرهما نفي المقيد , وهو الحال , فتقول : ما زيد أقبل ضاحكا فيكون الضحك منفيا , وزيد قد أقبل غير ضاحك والثاني : نفي المقيد والقيد , فيكون زيد لم يضحك ولم يقبل , ومن ثم رد على أبي البقاء تجويزه عمل { بمؤمنين } في الحال , وهو { يخادعون } إذ ليس معنى الآية نفي الخداع ألبتة , والعجب منه كيف تنبه فمنع الصفة ؟ وعلله بما ذكرنا , وأجاز الحال ولا فرق . ولأبي البقاء أن يقول : الفرق واضح , فإذا قلت : ما زيد ضاحك راكبا فمعناه نفي الضحك في حال الركوب , وهو لا يستلزم نفي حال [ ص: 256 ] الركوب ; إذ الحال كالظرف , فالمنفي الكون الواقع في الحال لا الحال كما في قولك : ما زيد ضاحك في الدار , وهذا بخلاف الصفة ; إذ هي كون من الأكوان فيقتضي نفيها به .
وقال بعض المتأخرين : يظن كثير من الناس ممن لا تحقيق له أن في مدلول { لا يسألون الناس إلحافا } وقوله : { ولا شفيع يطاع } ونظائره مذهبان : أحدهما : نفي الإلحاف وحده . والثاني : نفي السؤال والإلحاف معا , وينشد :
على لاحب لا يهتدى بمناره
ولم يقل أحد إن نفيهما معا في الآية من مدلول اللفظ بل هو من جملة محامله , كما أن زيدا من جملة محامل رجل , وقد تقرر في المعقول أن القضية السالبة لا تستدعي وجود موضوعها فكذلك سلب الصفة لا يستدعي وجود الموصوف ولا نفيه . والحاصل : أن اللفظ محتمل , ولا دلالة له على واحد من الطرفين بعينه , وليس هو مترددا بينهما بل مدلوله أعم منهما وإن كان الواقع لا يخلو عن أحدهما , والمتحقق فيه انتقاء الصفة ; لأنه على التقديرين , وانتفاء الموصوف محتمل .
لا دلالة لنفي المركب على انتفائه ولا ثبوته , لكن إذا جعلنا الصفة تشعر به نزع إلى القول بعموم الصفة , فمن أنكره فواضح , ومن أثبته وقال : إنه من جهة العلة فكذلك ; لأن محله إذا كانت الصفة المحكوم عليها والحكم معللا بها فلا يثبت عند انتفائها , وهنا الصفة في الحكم , ومن أثبته , وقال : إنه من جهة اللفظ فيناسبه القول به هنا إلا أن يظهر غرض سواه كما هو مبين هناك
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:24 PM.
الخامس : ادعى الزمخشري في كشافه " أن" أنما " المفتوحة للحصر . قاله في قوله تعالى : { إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } وبه صرح التنوخي في الأقصى القريب " وأنكره الشيخ ابن حيان , وقال : إنما يعرف في المكسورة لا المفتوحة . واعتراضه مردود بوجهين : أحدهما : أن المكسورة هي الأصل , وأن المفتوحة فرعها على الصحيح وإذا ثبت هذا الحكم في المكسورة , ثم عرض لها الفتح لقيامها مقام المفرد , فالقياس يقتضي بقاء ذلك المعنى . وثانيهما : أن الزمخشري بناه على رأيه في إنكار الصفات . نعم رأيت في كتاب سيبويه " ما يدل على أنها لا تقتضي الحصر , فإنه قال في باب " إنما " واعلم أن كل شيء يقع فيه " أن " يقع " أنما " وما بعدها صلتها كما في " الذي " ولا تكون هي عاملة فيما بعدها كما لا يكون " الذي " عاملا [ ص: 249 ] فيما بعد , فمن ذلك قوله تعالى { إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } فإنما وقعت " أنما " هاهنا ; لأنك لو قلت : أن إلهكم إله واحد كان حسنا . انتهى .
الثانية : المقصود من علم العربية إنما هو النطق بالصواب , وذلك حكم لفظي , وما عداه من التقديرات وغيرها مما لا يقدح في اللفظ ليس هو بالمقصود فيها , فمتى احتج محتج بشيء مسموع من العرب لمذهبه , فذكر فيه تأويل , وكان ذلك التأويل مما يطرد في جملة موارد الاستعمال , فحينئذ لا يظهر للاختلاف فائدة لفظية ; لأن اللفظ جائز الاستعمال على الصورة والهيئة المذكورة على كل تقدير , إما من غير تأويل كما يذهب إليه المستدل , وإما بتأويل مطرد في الموارد كما ذكر المجيب , فلا يظهر للاختلاف فائدة في الحكم اللفظي , وهو المقصود من علم العربية . مثاله : إذا قلنا : { فإن في أحد جناحيه داء , والآخر شفاء } فأوله [ ص: 251 ] مؤول بحذف حرف الجر , وأول قولنا : " ما كل سوداء تمرة , ولا كل بيضاء شحمة " . بحذف المضاف , فاللفظ على الهيئة المذكورة غير خارج عن الصواب . غاية ما في الباب أن يكون الخلاف وقع في وجه جوازه . فقائل يقول : هو على حذف المضاف وإلغاء عمله , وهو جائز . وقائل يقول : هو على تقدير العطف على عاملين وهو جائز . فالاتفاق وقع على الجواز واختلف في علته , وذلك لا يفيد فائدة لفظية اللهم إلا إذا بين في بعض المواضع فائدة بأن يكون الجواز صحيحا بأحد الفريقين دون الآخر , فحينئذ تظهر الفائدة المحققة المعتبرة في علم العربية , فانظر هذا فإنه يقع في مواضع من مباحث النحويين .
الرابعة : الأفعال الماضية تفيد بالوضع أمرا : أن معنى الجملة التي تليها الزمن الماضي فقط لا غير ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه , بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر . هذا هو التحقيق . واختلف الأصوليون في دلالة " كان " على التكرار , وهي مسألة لم يذكرها النحاة في دلالتها على الانقطاع , وهي مسألة لم يذكرها الأصوليون . قال ابن عصفور في شرح الجمل " : وأصحها , وهو قول الجمهور : نعم . فإذا قلت : كان زيد قائما دل على أنه قام فيما مضى وليس الآن بقائم , وقيل : بل لا يعطي الانقطاع بدليل : { وكان الله غفورا رحيما } وأجاب بأن ذلك قد يتصور فيه الانقطاع بأن يكون المراد به الإخبار بأن الله - تعالى - كان فيما مضى غفورا رحيما كما هو الآن كذلك , فيكون القصد الإخبار بثبوت هذا الوصف في الماضي , ولم يتعرض لخلاف ذلك . وأجاب السيرافي بأنه يحتمل الانقطاع بمعنى أن المغفور لهم والمرحومين قد زالوا .
والأحسن في الجواب : أن في صفات الله - تعالى - مسلوبة الدلالة على تعيين الزمان , وصار صالحا للأزمنة الثلاثة بحدوث الزمان وقدم الصفات الذاتية , وكذا الفعلية على رأي الحنفية . والتحقيق خلاف القولين كما سبق , ولهذا قال الزمخشري في قوله تعالى : [ ص: 254 ] { كنتم خير أمة } " كان " عبارة عن وجود الشيء في زمن ماض على سبيل الإبهام وليس فيه دليل على عدم سابق , ولا على انقطاع طارئ , ومنه { وكان الله غفورا رحيما } , وقال ابن معط في ألفيته " : وكان للماضي الذي ما انقطعا وحكى ابن الخباز في شرحها قولا أنها تفيد الاستمرار محتجا بالآية , وسمعت شيخنا أبا محمد بن هشام - رحمه الله - ينكره عليه , ويقول : غره فيه عبارة ابن معط , ولم يصر إليه أحد , بل الخلاف في أنها تفيد الانقطاع أو لا تقتضي الانقطاع ولا عدمه , وأما إثبات قوله بالاتصال والدوام فلا يعرف .
قلت : وقال الأعلم : تأتي للأمرين , فالانقطاع نحو كنت غائبا , وأما الآن حاضر , والاتصال كقوله تعالى : { وكان الله غفورا رحيما } وهو في كل حال موصوف بذلك . وهاهنا قاعدة من قواعد التفسير : وهي أنه وقع في القرآن إخبار الله عن صفاته الذاتية وغيرها بلفظ " كان " كثيرا { كان الله سميعا عليما } { واسعا حكيما } { غفورا رحيما } { توابا رحيما } وأنها لم تفارق ذاته , ولهذا يقدرها بعضهم بما زال فرارا مما يسبق إلى الوهم من أن " كان " تفيد انقطاع المخبر به من الوجود , كقولهم : دخل في خبر كان .
قالوا : فكان وما زال أختان فجاز أن تستعمل إحداهما في معنى الأخرى مجازا بالقرينة , وهو تكلف لا حاجة إليه , وإنما معناها ما ذكرنا من أزلية الصفات ثم يستفيد معناها من الحال , وفيما لا يزال بالأدلة [ ص: 255 ] العقلية باستصحاب الحال وحيث الإخبار بها عن صفة فعلية , فالمراد تارة الإخبار عن قدرته عليها في الأزل , نحو كان الله خالقا ورزاقا ومحييا ومميتا , وتارة تحقيق نسبته إليه نحو { وكنا فاعلين } وتارة ابتداء الفعل وإنشاؤه , نحو { وكنا نحن الوارثين } فالإرث إنما يكون بعد موت المورثين , والله - سبحانه وتعالى - مالك كل شيء على الحقيقة من قبل ومن بعد , وحيث أخبر بها عن صفات الآدميين فالمراد بها التنبيه على أنها غريزية وطبيعية نحو { وكان الإنسان عجولا } { إنه كان ظلوما جهولا } ويدل عليه { إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا } أي : خلق على هذه الصفة , وهي حال مقدرة , أو بالقوة لم يخرج إلى الفعل , وحيث أخبر بها عن أفعاله دلت على اقتران مضمون أمر الجملة بالزمان نحو { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } ومن هذا الثاني الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ " كان " نحو كان يقوم , وكان يفعل . وسنتكلم عليه في باب العموم إن شاء الله تعالى
الثالثة : الأفعال باعتبار تعليقها بمفعولاتها على الاستيعاب وعدمه على أربعة أقسام : أحدها : ما يستوعب ليس إلا , نحو اشتريت الدار , وأكلت الرغيف فلا يحمل على البعض إلا مجازا . قال ابن المنير في تفسيره الكبير " : ومن ثم أشكل مذهب مالك - رحمه الله - في تحنيث الحالف ببعض المحلوف عليه , فإنه إلزام له بمقتضى خلاف حقيقة لفظه , وحمل عليه أنه أراد المجاز , وهو يقول : ما أردته فاحملوا لفظي على الحقيقة , أو عسى أن مكلفا قدر الجملة في المعنى بالأجزاء فكان معنى لفظه عنده لا أكلت جزءا من الرغيف . وأخذ ذلك في أجوبة الدعاوى فيما إذا قال : لا تستحق علي العشرة , فإن محمل النفي على الأجزاء أي : ولا شيء منها , ولهذا يلزمه في أجوبة الدعاوى , ولا شيء منها [ ص: 252 ] مع قرينة كون الحالف في مثله يريد الاجتناب ومباعدة المحلوف عليه , فمتى أكل الرغيف إلا لقمة فإنه مقصود الاجتناب .
الثاني : مقابل الأول لا يقتضي الفعل في الاستيعاب , كقولك : شج زيد عمرا , فلا خفاء أنه لا يريد إلا جرحه في رأسه خاصة بعض الوجه ولا تكون الشجة إلا كذلك , ومنه ضربت زيدا . الثالث : كالثاني إلا أن العرف هو المانع للاستيعاب , كقولك : جعلت الخيط في الإبرة , وليس المراد وقفته على جملة الإبرة , وكقوله تعالى : { جعلوا أصابعهم في آذانهم } . الرابع : يختلف الحال فيه بدخول حرف الجر فيه وعدمه , ومنه عند الشافعي فعل المسح إن اقترن بالباء كان للتبعيض , وإلا للاستيعاب , وكذلك ما يقول أبو علي في السير واليوم لو قلت : سرت اليوم فظاهره الاستيعاب , وإن قلت : سرت في اليوم فظاهره عدم الاستيعاب , وتتحقق الظرفية بدخول " في " وتغلب الاسمية بسقوطها , ولهذا كان الأولى حين تتحقق الظرفية النصب .
تقول : سرت اليوم فيه , وحين تغلب الاسمية الرفع تقول : اليوم سرته , وينبني على هذا الفرق أحكام كثيرة . منها : لو قال : أنت طالق في يوم السبت يقع بطلوع الفجر , ولو نوى وقوعه في آخره يدين , ولم يقبل ظاهرا عندنا , وقال أبو حنيفة : يقبل , وخالفه صاحباه . وجعل السروجي مأخذهما أن حذف حرف الجر وإثباته سواء ; لأنه ظرف في الحالين فصار كما لو قال : صمت يوم الجمعة , وفي يوم الجمعة , فإن الحكم فيهما سواء , ولأبي حنيفة أن الحذف للحرف قد يحدث معنى لا يكون مع إثباته ; لأن " في " قد تفيد التبعيض في الظرف الداخل عليه إلا أن يمنع مانع , ولهذا قالوا في قولهم : سرت فرسخا وسرت في فرسخ : إن الظاهر في الأول الاستغراق في السير وفي الآخر عدمه , وقوله : إلا أن يمنع مانع حتى يخرج صمت في يوم الجمعة , فإن صوم بعض [ ص: 253 ] اليوم لا يمكن , وردوا صمت شهر رمضان أو شهر رمضان إلى الأصل الأول أن صوم الشهر يقبل التبعيض
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:24 PM.
الباء وهي للإلصاق الحقيقي والمجازي أي إلصاق الفعل بالمفعول , وهو تعليق الشيء بالشيء واتصاله به , وقال عبد القاهر : قولهم : الباء للإلصاق إن حمل على ظاهره أدى إلى الاستحالة لأنها تجيء بمعنى الإلصاق نفسه كقولنا : ألصقت به , وحينئذ فلا بد من تأويل كلامهم , والوجه فيه أن يكون غرضهم أن يقولوا للمتعلم : انظر إلى قولك : ألصقته بكذا , وتأمل الملابسة التي بين الملصق والملصق به تعلم أن الباء أينما كانت الملابسة التي تحصل بها شبيهة بهذه الملابسة التي تراها في قولك : ألصقته به . انتهى .
وتجيء للاستعانة , نحو ضربت بالسيف , وكتبت بالقلم . وبمعنى المصاحبة , كاشتريت الفرس بسرجه , وجاء زيد بسلاحه . وبمعنى الظرف , نحو جلست بالسوق . وتكون لتعدية الفعل , نحو مررت بزيد . قال القرطبي ويمكن أن يقال : إن هذه المواضع كلها راجعة إلى الملابسة فيشترك في معنى كلي , وهو أولى دفعا للاشتراك . قال : وأظن أن ابن جني أشار إلى هذا , وقيل : إنها حيث دخلت على الآلة فهي للإلصاق . واختلفوا في كيفية الإلصاق فقيل : تفيد التعميم فيه فعلى هذا لا إجمال [ ص: 159 ] في قوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } بل تفيد تعميم مسح جميع الرأس وقيل : إنما تفيد إلصاق الفعل ببعض المفعول , وعلى هذا فهي مجملة ; لأنه لا يعلم أن مسح أي بعض من الرأس واجب . وقيل : تقتضي الإلصاق بالفعل مطلقا ولا تقتضي بظاهره تعميما ولا تبعيضا , وصححه صاحب " المصادر " , ثم قال : والأولى أن يقال : إن دخلت على فعل متعد بنفسه أفادت التبعيض ; لأن الإلصاق الذي هو التعدي مفهوم من دونها فيجب أن يكون لدخولها فائدة وإن لم يكن متعديا بنفسه فإن فائدته الإلصاق والتعدية . اختيار صاحب " المحصول " و " المنهاج " وغيرهما أعني أنها إذا دخلت على فعل متعد بنفسه اقتضت التبعيض , ونسب ذلك بعضهم إلى الشافعي أخذا من آية الوضوء , وهو وهم عليه فإن مدركا آخر كما سبق في الواو . واحتج الإمام بأنا نفرق بالضرورة بين قولنا : مسحت يدي بالمنديل وبالحائط , وبين قولنا : مسحت المنديل والحائط في أن الأول للتبعيض والثاني للشمول . وأجيب : بأن ذلك أمر آخر يرجع إلى الإفراد والتركيب , وهو أن مسحت يدي بالمنديل سيق لإفادة ممسوح وممسوح به , والباء إنما جيء بها لتفيد إلصاق الممسوح به التي هي الآلة بمسح المحل الذي هو اليد . وقوله : مسحت المنديل والحائط إنما سيق إلصاق المسح بالممسوح , وإذا كان كذلك فكيف يحكم بعود الفرق إلى التبعيض مع أنه لا تبعيض في الكلام ؟
[ ص: 160 ] وقيل : إن دخلت الباء على آلة المسح نحو مسحت بالحائط وبالمنديل فهي للكل , وإن دخلت على المحل نحو { وامسحوا برءوسكم } لا يتناول الكل . ووجهه أن الآلة غير مقصودة بل هي واسطة بين الفاعل والمنفعل في وصول أثره إليه , والمحل هو المقصود في الفعل المتعدي فلا يجب استيعاب الآلة بل يكفي فيها ما يحصل به المقصود . وأنكر ابن جني وصاحب " البسيط " مجيئها للتبعيض , وقالا : لم يذكره أحد من النحاة . قلت : أثبته جماعة منهم ابن مالك , وقال : ذكره الفارسي في " التذكرة " ونقل عن الكوفيين وتبعهم فيه الأصمعي والعتبي . انتهى , وكذا ابن مخلد في " شرح الجمل " ومثله بقوله : مسحت بالحائط , وتيممت بالتراب , واستحسنه العبدري في " شرح الإيضاح " قال : ووجهه عندي أن الباء الدالة على الآلة لا يلزم فيها أن يلابس الفعل جميعها , ولا يكون العمل بها كلها بل ببعضها . والحق : أن التبعيض الأول بالقرينة لا بالوضع , وليست الحجة بل هي ليست نصا في الاستيعاب , فهي مجملة فيكتفى فيه بما يقع عليه الاسم , ولو شعرة . وقال أبو البقاء : التبعيض لا يستفاد من الباء بل من طريق الاتفاق , وهو يحصل الغرض من الفعل بتبعيض الآلة بل ظاهر الحقيقة يغطي الجميع .
ألا تراك : إذا قلت مسحت رأس اليتيم , فحقيقته إن تم المسح بجميعه , وإذا [ ص: 161 ] أمر ببعضه صح أن يقال : ببعض رأسه فلو كانت للتبعيض لا يستوي ذكر الكل والبعض وهو خلاف الحقيقة ؟ وقال الماوردي فيما نقله عنه ابن السمعاني : الباء موضوعة لإلصاق الفعل بالمفعول كقولك : مسحت يدي بالمنديل , وكتبت بالقلم , وقد يستعمل في التبعيض إذا أمكن حذفها , كقوله تعالى { وامسحوا برءوسكم } أي بعض رءوسكم قال : وهو حقيقة في قول بعض أصحاب الشافعي مجاز في قول الأكثرين . انتهى .
وقال الغزالي في المنخول : ظن ظانون أنه للتبعيض مصدر يستقل بدونها كقوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } وتمسكوا بقولهم : أخذت زمام الناقة إذا أخذها من الأرض , وأخذت بزمامها إذا أخذت طرفه . وليست الباء للتبعيض أصلا , وهذا خطأ في أخذ الزمام , ولكن من المصادر ما يقبل الصلات كقولهم : شكرت له ونصحت له , وأما التبعيض في مسألة المسح مأخوذ من صفة المصدر فمصدر المسح لا يصير إلى الاستيعاب كمصدر الضرب بخلاف الغسل . انتهى . قيل : ومما يقطع النزاع في كونها ليست للتبعيض أنها لو كانت كذلك لامتناع دخولها على بعض للتكرار والتأكيد فيما دخلته بكل للتناقض , فكان يمتنع أن يقال : مسحت ببعض رأسي ; لأنه بمنزلة بعض بعض رأسي , ولا أن تقول : مسحت برأسي كله ; لأن الباء للتبعيض , وكل لتأكيد الجمع , وجمعهما على شيء واحد تناقض .
[ ص: 162 ] تنبيه جعلوها للتبعيض في آية الوضوء , ولم يجعلوها للتبعيض في آية التيمم في قوله تعالى { فامسحوا بوجوهكم } وفرقوا بأن مسح الوجه في التيمم بدل , وللبدل حكم المبدل , فقيل لهم : إن أردتم أن حكمه حكم الأصل في الإجزاء فتحكم ولا يفيدكم في الفرق , وإن أردتم أن صورة البدل لصورة أصله فغير صحيح , فإن التيمم بدل عن الوضوء وهو في عضوين والوضوء في أربعة , وبأن مسح الخف بدل عن غسل الرجلين , ولا يجب في ذلك الاستيعاب . أجابوا عن ذلك بأن ذلك يفسد الخف ولأن مبناه على التخفيف حتى جاز مع القدرة على غسل الرجل بخلاف التيمم . نكتتان في الباء يغلط المصنفون فيها : الأولى أنهم يدخلونها مع فعل الإبدال على المتروك فيقولون : لو أبدلت ضادا بطاء . والصواب : العكس فإذا قلت أبدلت دينارا بدرهم فمعناه اعتضت دينارا عوض درهم , فالدينار هو الحاصل لك المعوض والدرهم هو الخارج عنك المعوض به , وهذا عكس ما فهمه الناس , وعلى ما ذكرنا جاء كلام العرب . قال الشاعر :
تضحك مني أخت ذي النحيين أبدله الله بلون لونين سواد وجه وبياض عينين
[ ص: 163 ] ألا ترى كيف أدخل الباء على المعوض منه وهو قوله : بلون , ونصب لونين وهو المعوض ؟ وقال : تعالى : { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } و { بدلناهم بجنتيهم جنتين } { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } أي : يستبدل بكم قوما غيركم , وقال تعالى : { عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها } فحذف بها أي : بالجنة التي طيف بها . وقال : { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا } أي : يبدلهما به . وقد حذف حرف الجر لدلالة فعل الإبدال على العوض والمعوض كقوله تعالى : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } أي بسيئاتهم . وهذا ذكره الشيخ أثير الدين في جموع التكسير من شرح التسهيل " . وكتب الشيخ تاج الدين التبريزي على الحاشية قال تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } ولا شك أن الجنة عوض لا معوض . وعلى هذا يتخرج كلام المصنفين حيث أدخلوا الباء على المأخوذ , وإن لم يكن في الآية فعل الإبدال لكن الأكثر هو الأول والثاني فصحيح عربي . قلت : الدعوة مع فعل الإبدال , وفي جريان ذلك في كل ما دل على معاوضة نظر , فإنه لم يطرد فيه , فقد جاء { اشتروا الضلالة بالهدى } فقد دخلت على المتروك وجاء عكسه وهو قوله تعالى { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } وحينئذ فلا يحسن رد التبريزي بالآية .
[ ص: 164 ] ويمكن أن يقال في هذه الآية : إن الضمير في " يقاتل " عائد على المسلمين والذين يشترون مفعول , وفيه نظر . وكان المعنى في دخول الباء على كل منهما مع الشراء أن " اشتريت " و " بعت " كل منهما مستعمل بمعنى الآخر لكن الأكثر في " بعت " الإخراج عن الملك , وفي " اشتريت " الإدخال . الثانية إدخالهم الباء مع فعل الاختصاص على المختص , والصواب : إدخالها على المختص به ; لأن التخصيص إفراد بعض الشيء عما لا يشاركه فيه بالجملة فإذا قلت : اختص زيد بالمال . فمعناه أن زيدا منفرد عن غيره بالمال فهو المختص بمعنى اسم الفاعل , والمال مختص به . والمختص أبدا هو المنفرد المحتوي أبدا على الشيء فهو كالظرف له , والمختص به أبدا هو المأخوذ كالمظروف . فلو قلت : اختص المال بزيد تريد ما أردته بالمثال السابق لم يصح ; لأنك في المثال الأول حصرت المال في زيد , وفي الثاني حصرت زيدا في المال , فلا يكون له صفة غير الاحتواء على المال , وهو غير المراد فإن زيدا قد يكون له صفات من دين وعلم وغيرهما . وبهذا يظهر حسن عبارة التسهيل : " وخص الجر بالاسم " على عبارة الخلاصة : " والاسم قد خصص بالجر
Last edited by طارق شفيق حقي; 06/05/2007 at 11:24 PM.
[ إن ] تجيء للشرط نحو { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } والغالب استعمالها فيما يمكن وقوعه نحو إن قام زيد .
[ ص: 173 ] ونقل في " المحقق " نحو إن مات زيد زرتك , ومنه قوله تعالى : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } . وقوله :
كم شامت بي إن هلكت وقائل لله درهإلا أنها إذا استعملت فيما لا بد من وقوعه فلا تستعمل إلا فيما كان زمن وقوعه مبهما , ولهذا دخلت في قوله تعالى : { ولئن متم } فإن علم زمن وقوعه فلا تستعمل فيه , فلا يصح أن تقول : إن احمر البسر فأتني فإن احمراره لا بد منه ووقته معلوم بالتقريب . والمتلخص من كلامهم أن " إن " و " إذا " يشتركان في عدم الدخول على المستحيل إلا لنكتة , نحو { قل إن كان للرحمن ولد } وتنفرد " إن " بالمشكوك فيه والموهوم , وتنفرد " إذا " بالمجزوم به , وهل تدخل على المظنون ؟ خلاف . وتجيء للنفي إن تلاها " إلا " نحو { إن الكافرون إلا في غرور } أو " لما " نحو { إن كل نفس لما عليها حافظ } أو غيرهما , نحو { إن عندكم من سلطان بهذا } وفيه رد على من ادعى ملازمته ل " إلا " و " لما " .
مسألة: الْجُزْء الثَّالِث[ إنْ ] تَجِيءُ لِلشَّرْطِ نَحْوُ { إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ نَحْوُ إنْ قَامَ زَيْدٌ .
[ ص: 173 ] وَنَقَلَ فِي " الْمُحَقَّقِ " نَحْوَ إنْ مَاتَ زَيْدٌ زُرْتُك , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } . وَقَوْلُهُ :
كَمْ شَامِتٍ بِي إنْ هَلَكْت وَقَائِلٍ لِلَّهِ دَرُّهُإلَّا أَنَّهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا كَانَ زَمَنَ وُقُوعِهِ مُبْهَمًا , وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ مُتُّمْ } فَإِنْ عُلِمَ زَمَنُ وُقُوعِهِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ , فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ : إنْ احْمَرَّ الْبُسْرُ فَأْتِنِي فَإِنَّ احْمِرَارَهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَوَقْتُهُ مَعْلُومٌ بِالتَّقْرِيبِ . وَالْمُتَلَخِّصُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ " إنْ " وَ " إذَا " يَشْتَرِكَانِ فِي عَدَمِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ إلَّا لِنُكْتَةٍ , نَحْوُ { قُلْ إنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ } وَتَنْفَرِدُ " إنْ " بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالْمَوْهُومِ , وَتَنْفَرِدُ " إذَا " بِالْمَجْزُومِ بِهِ , وَهَلْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَظْنُونِ ؟ خِلَافٌ . وَتَجِيءُ لِلنَّفْيِ إنْ تَلَاهَا " إلَّا " نَحْوُ { إنْ الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ } أَوْ " لَمَّا " نَحْوُ { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } أَوْ غَيْرُهُمَا , نَحْوُ { إنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا } وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ ادَّعَى مُلَازَمَتَهُ لِ " إلَّا " وَ " لَمَّا " .
مسألة: الجزء الثالث[ إن ] تجيء للشرط نحو { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } والغالب استعمالها فيما يمكن وقوعه نحو إن قام زيد .
[ ص: 173 ] ونقل في " المحقق " نحو إن مات زيد زرتك , ومنه قوله تعالى : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } . وقوله :
كم شامت بي إن هلكت وقائل لله درهإلا أنها إذا استعملت فيما لا بد من وقوعه فلا تستعمل إلا فيما كان زمن وقوعه مبهما , ولهذا دخلت في قوله تعالى : { ولئن متم } فإن علم زمن وقوعه فلا تستعمل فيه , فلا يصح أن تقول : إن احمر البسر فأتني فإن احمراره لا بد منه ووقته معلوم بالتقريب . والمتلخص من كلامهم أن " إن " و " إذا " يشتركان في عدم الدخول على المستحيل إلا لنكتة , نحو { قل إن كان للرحمن ولد } وتنفرد " إن " بالمشكوك فيه والموهوم , وتنفرد " إذا " بالمجزوم به , وهل تدخل على المظنون ؟ خلاف . وتجيء للنفي إن تلاها " إلا " نحو { إن الكافرون إلا في غرور } أو " لما " نحو { إن كل نفس لما عليها حافظ } أو غيرهما , نحو { إن عندكم من سلطان بهذا } وفيه رد على من ادعى ملازمته ل " إلا " و " لما " .
« أخطاء شائعة تفسد المعنى .. | من أمــثال العرب .... » |