قد تقدم لنا ولاية يوسف بن عمر على العراق وأنه حبس خالداً أصحاب العراق وخراسان قبلـه فأقـام بحبسـه فـي الحيـرة ثمانيـة عشـر شهـراً مـع أخيـه إسماعيـل وابنه يزيد بن خالد والمنذر ابن أخيه أسد. واستـأذن هشامـاً فـي عذابـه فـأذن لـه علـى أنـه إن هلـك قتـل يوسـف بـه فعذبـه. ثـم أمـر هشام بإطلاقه سنة إحدى وعشرين فأتى إلى قرية بإزاء الرصافة فأقام بها حتى خرج زيد وقتل وانقضى أمره فسعى يوسف بخالد عند هشام بأنه الذي داخل زيداً في الخروج فرد هشـام سعايتـه ووبـخ رسولـه وقال: لسنا نتهم خالداً في طاعة. وسار خالد إلى الصائفة وأنزل أهله دمشق وعليها كلثوم بن عياض القشيري وكان يبغض خالدًا. فظهـر فـي دمشـق حريـق فـي ليـال فكتـب كلثـوم إلـى هشـام بـأن موالـي خالـد يريـدون الوثـوب إلـى بيت المـال ويتطرقـون إلـى ذلـك بالحريـق كـل ليلـة فـي البلـد. فكتـب إليـه هشـام بحبـس الكبيـر منهـم والصغيـر والموالي فحبسهم ثم على صاحب الحريق وأصحابه. وكتب بهم الوليد بن عبد الرحمن عامل الخـراج ولـم يذكـر فيهم أحداً من آل خالد ومواليه فكتب هشام إلى كلثوم يوبخه ويأمره بإطلاق آل خالـد وتـرك الموالـي. فشفـع فيهم خالد عند مقدمه من الصائفة فلما قدم دخل منزله وأذن للناس فاجتمعوا ببابه فوبخهم وقال: إن هشاماً يسوقهن إلى الحبس كل يوم. ثم قال: خرجت غازياً سامعاً مطيعاً فحبس أهلي مع أهل الجرائم كما يفعل بالمشركين. ولم يغير ذلك أحد منكم أخفتم القتل أخافكم الله. والله ليكفن عني هشام أن لأعودن إلى عراقي الهوى شامي الدار حجازي الأصل يعني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. وبلغ ذلك هشاماً فقال: خرف أبو الهيثم. ثم تتابعت كتب يوسف بن عمر إلى الشام بطلب يزيد بن خالد فأرسل إلى كلثوم بإنفاذه إليه فهرب يزيد فطلبه كلثوم من خالد وحبسه فيه ولما ولي الوليد بن يزيد استقدم خالداً وقال: أين ابنك قال هرب من هشام وكنا نراه عندك حتـى استخلفـك اللـه فلم نره وطلبناه ببلاد قومه من الشراة فقال: ولكن خلفته طلباً للفتنة فقال: إنا أهل بيت طاعة. فقال لتأتيني به أو لأرهقن نفسك. فقال والله لوكان تحت قدمي ما رفعتهمـا عنـه. فأمـر الوليـد بضربـه. ولمـا قـدم يوسـف بـن عمـر مـن العـراق بالأموال اشتراه من الوليد بخمسين ألف ألف. فقال له الوليد إن يوسف يشتريك بكذا فاضمنها لي قبل أن أدفعك إليه. فقـال مـا عهـدت العـرب تبـاع واللـه لو سألتني عوداً ما ضمنته. فدفعه إلى يوسف فألبسه عباءة وحمله على غير وطاء وعذبه عذاباً شديداً وهو لا يكلمه. ثم حمله إلى الكوفة فاشتد في عذابـه ثـم قتلـه ودفنـه فـي عبـاءة يقـال إنـه قتله بشيء وضعه على وجهه وقيل وضع على رجليه الأعواد وقام عليها الرجال حتى تكسرت قدماه. وذلك في المحرم سنة ست وعشرين ومائة.
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **