بسم الله الرحمن الرحيم
لا خوف على البشر من موارد الأرض شريطة العدالة في التوزيع
وعدم الهدر , والعمل الدؤوب المصحوب بالتقنية والتنظيم
في هذه الأيام حَمْلة ٌإعلاميةٌ قوية لتحديد النَّسل أو تنظيم الأسرة أو تنظيم النسل , وكلها ألفاظ مترادفة المقصود منها تقليل النسل ..
وسبب إثارة الموضوع أو حملته ( كما يدعيه مثيروه والداعون إليه ) أن َّ النسل يتزايد , ويتكاثر وقد ضاقت الموارد الطبيعية حتى أصبحت لا تفي بحاجة السكان ولا تتكافأ مع زيادته المستمرة بنسبة عالية , فلا مندوحة والحالة هذه من وضع علاج , ورسم سياسة لوقف ذلك النمو المتزايد باضطراد .... !
ومصدر هذه الدعوة ( الغرب ) وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية ومن قَبْلِهَا إنكلترا .
ولكي نزيد الموضوع جلاءً نرجع بذاكرتنا إلى القرن الثامن عشر عند ظهور بوادر هذه النظرية فأول من قام بالدعوة إليها القس الإنكليزي ( مالتوس ) الذي تقدم بورقة ( تزايد السكان وأثره في تقدم المجتمع في المستقبل ) وكان ذلك عام ( 1798 ) , حيث لاحظ أن السكان يتزايدون على هيئة متواليات هندسية على الشكل التالي : ( 1 , 2, 4, 8, 16, 32, 64.... إلخ ) وبينما تزداد الموارد الغذائية على هيئة متواليات حسابية أي :
( ا, 2 , 3, 4, 5, 6.....إلخ ) . وهكذا تزداد الفجوة اتساعاً بين عدد السكان وبين الموارد الغذائية فلا تكفي فيؤدي ذلك إلى المجاعات والحروب .
وإذا أردنا أن نجنب الإنسانية شر هذه الحروب وحظر تلك المجاعات فعلينا أن نتخذ التدابير الوقائية , وذلك يكون بتحديد النسل أو السكان .
تلك هي خلاصة نظريته , وكل الذين يدعون إلى تحديد النسل اليوم إنما ينسجون على منوالها مهما اختلفت أساليبهم وتنوعت أغراضهم .
وقد لاقت هذه النظرية رواجاً لدى ذوي الأهواء والأغراض ( ولدى الدول الاستعمارية خاصة ) وفي مختلف دول العالم , لأن الحضارة المادية أخرجت إنساناً غير إنسان الأمس , إذ حولته إلى إنسان أناني يؤمن بالأثره بدل الإيثار , ويدور حول نفسه ولا يلين قلبه لمآسي الآخرين , حتى صار كل همه أن يوفر لها من اللذة ذروتها ومن المتعة أعلاها وأمتعها .
لذلك فهو لا يفكر في غيره ولا يكترث له إلا في حدود المصلحة الشخصية والنفع المادي العاجل وبلغ به الإعراض عن الآخرين حتى فرَّ من أخيه وأبيه وأمه وبنيه لأنه في سباق مع الزمن للظفر بأكبر حظ من الترف وأعظم قدر من وسائل الرفاهية المتنوعة والتي هي في تجدد دائم وتطور مستمر , فهو يلهث وراءها ولا يكاد يشبع منها , فنفسه تغريه وتقول له هل من مزيد .
وهكذا تقلصت المسؤولية أو الشعور لدى الإنسان المعاصر في ظل المفاهيم المادية , وتلاشى تدريجياً حتى لم يعد يحس بأية مسؤولية تجاه أخيه الإنسان .
وهذا ما جعله يسعى للتخفيف من أعباء الأسرة وبالتقليل من نسله وما يستتبع من نفقات ليوفر لنفسه من المتع ألذها ومن الرفاهية أعلاها , بل أعرض كثير من الشباب عن الزواج الشرعي (لأنه مسؤولية ) مع قدرته عليه لأن الحرام ميسور وبأقل التكاليف .
فما مدى انسجام هذه النظرية مع الشريعة الإسلامية ؟ ثم مع الواقع التاريخي منذ صدورها وحتى اليوم ؟ ثم ما هو الباعث أو الدافع لدى الداعين إليها ...؟
بداية نقول : إن الشريعة الإسلامية شريعةٌ واقعيةٌ ملبيةٌ لطلبات وحاجات الإنسان ورغباته , في دائرة من الطُّهر والعفة فدعت إلى النكاح ورغبت فيه فقال تعالى :
( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله ...) النور/32
وحث الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – على الزواج وحض الشبابعليه فقالموجهاً خطابه إلى الشباب :
( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) - والباءة :- هي تكاليف الزواج - فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) , أي عصمة من الرذائل . ولمرونة التشريع الإسلامي واستجابته لمتطلبات الإنسان فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن التعمق في العبادة والتشدد فيها فقال – صلى الله عليه السلام – لأولئك النَّفر الذين أخذوا أنفسهم بالشدة في العبادة والعزوف عن الزواج : ( أما إني لأخشاكم لله وأتقاكم له , ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب سنتي فليس مني ) .
ونهى عن الرهبانية ( التي تعني التبتل والانقطاع للعبادة ) لأنها لا تنسجم مع فطرة الإنسان ومتطلباته فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( لا رهبانية في الإسلام ) .
ومعلوم أن المقصود الأول من الزواج النسل والإكثار منه , فقد روى الإمام أحمد عن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) .
فالإكثار من النسل هو الغاية الأهم في الإسلام من الزواج وما تدعو إليه الفطرة وسنة الله في خلقه والطبيعة البشرية السليمة بل الطبيعة الحيوانية أيضاً إذ لولا النسل لانقرض النوع الحيواني
ولا شك أن منع النسل ضد الفطرة , والإسلام دين الفطرة , ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) الروم /30
وأما الخوف على الرزق و الأولاد فإن الله تعالى أزال عن الإنسان هذا الخوف , وطمأنه بأنه تعالى هو الرزَّاق له ولهم بل لكل دابة تدب على الأرض فقال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) الإسراء / 31 .
إذ كان من عادة أهل الجاهلية قبل الإسلام أن يقتلوا أولادهم لاسيما البنات للتخلص من العار ومن العار ومن النفقة عليهم .
ثم إن الشريعة الإسلامية أوجبت التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع قاطبة بخلاف المجتمع الغربي المادي فوضعت الحلول المناسبة التي تكفل سلامة العيش الكريم من خلاله :
1- فأوجب على الغني أن يعين الفقير , وذي الميسرة ذا الحاجة التزاماً , بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له , ومن كان له فضل ظهر– دابة – فليعد به على من لا ظهر له .... ) .
2- وأوجب في خزانة الدولة نصيباً لذوي الحاجات وأصحاب المسكنة قال تعالى: ( خُذْ من أموالهم صدقةً تُطهرهم وتُزكهم بها ) , وقال عليه الصلاة والسلام موجباً على الأغنياء كفالة الفقراء : ( تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) .
3- الصدقات : وإذا لم تكف الزكاة المفروضة لسد حاجات الفقراء فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم –أوجب حقاً زائداً على الزكاة في أموال الأغنياء فقال – عليه الصلاة والسلام – ( إن في المال لحقاً سوى الزكاة ) .
هذا هو النظام العام في الإسلام باختصار في الأموال النامية وفي العلاقة بين الأغنياء والدولة من جهة وبين الفقراء والمعوزين من جهة أخرى .
وهذا هو العدل وهو ما يوحى به المنطق وحكم العقل , فبدلاً من أن نقول لكثير العيال اقتل أسباب النسل في أصلاب الرجال وأرحام الأمهات نقول للدولة خذي من ذوي اليسار والغنى وأعطي ذوي الحاجات تمشَّياً مع حكم العدل ومنطق العقل .
ولا يجوز بحال من الأحوال لأية جهة مهما أوتيت من القوة والسلطان أن تتحكم بمصادر الأجنة
والشريعة الإسلامية تقدر أيما تقدير حياة الجنين منذ أن يكون علوقاً في رحم أمه , وتضع لها من الضمانات ما يجعلها تستمر في الحياة والبقاء حياة طيبة إلى أجلها المعلوم وموتها المحتوم
بخلاف القانون الأمريكي فإن الجنين فيه لا يملك ما يسمى ( بالحقوق القانونية ) التي يدعمها الدستور , لأنه لا يرى في الجنين حياة بل إنه لا شيء , وهذا ما جعل الأجنة معرضة للعمليات الإجهاضية الجائزة لدوافع مادة خسيسة ونوايا ماكرة خبيثة , فراجت تجارة الأجنة في تلك البلاد إذ بلغ عدد حالات الإجهاض - مليوناً ونصف المليون سنوياً – كما تقول هيئات الصحة العالمية المهتمة بالأطفال ( اليونيسيف ) . – هذا عند إعداد المقال -
وما يتم في الخفاء دون علم السلطات فأكثر بكثير .
و في أحيان كثيرة ما تتم هذه العمليات لإنقاذ حياة مريض ثَرِي , كما أن عدداً من النساء وجدن في عملية الحمل والإجهاض تجارة مربحة لهن , وبالذات بائعات الهوى ...! .
ولم يقتصر الأمر على هذا بل تعداه إلى الدول الفقيرة فراجت تجارة الأجنة (1) على غرار تجارة استيراد الدم القائمة .
(1) : من أراد المزيد من هذه الفظائع التي يقوم بها المتخصصون ( في المهنة الإنسانية وهي الطب ) فليقرأ ما تنشره الصحافة كل يوم حتى بلغ الاستخفاف بحياة الأجنة والمتاجرة بها حداً جعلوه منها مادة ( أصباغ للتجميل ) في ظل حضارة الغرب المادية الآيلة إلى السقوط والانهيار حتماً كما يقول مفكروه وأخرجوه في مؤلفات عديدة منبهين ومحذرين
وبناء ما تقدم فإن الشريعة تعارض كل المعارضة أن يجعل تحديد النسل قانوناً عاماً يسري عليه الجميع أو سياسة رسمية للدولة تفرضها على الناس , لأن ذلك يتنافى مع قوله تعالى : ( نحن نرزقكم وإياهم ) , وقوله تبارك وتعالى : ( نحن نرزقهم وإياكم ) .
وكيف يقدم على هذا الأمر وقد أقسم الله تعالى بذاته أن رزق المخلوقات عليه عز وجل فقال : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون ) الذاريات 22-23
وجاء التأكيد على الرزق من عند الله في آيات عديدة كقوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ) هود / 6 .
ونحن أتباع هذه الشريعة لا نريد أن نقطع نسلنا أو نُقَلِّل جمعنا و نعصي رسول ربناً – صلى الله عليه وسلم – ونكفر بقدرة القادر الذي يرزق من يشاء بغير حساب وهو الرزاق ذو القوة المتين .
ولماذا نفعل ذلك ؟ أَمِنْ أجل نظريات بان خطؤها وظهر عدم جدواها أمْ من أجل تقليد غيرنا والسير في رِكابه لكي يقال عنا إننا حضاريون وتقدميون , وظُروفُنَا غير ظروف الغرب وأخلاقنا غير أخلاقه , وديننا غير دينه فليس بيننا قاسم مشترك .....! .
هذا هو موقف الشريعة الإسلامية من تحديد النسل أو تقليله على الصعيد الجماعي أو الدولي .
أما على الصعيد الفردي ( أي بالنسبة للأفراد ) ففي الأمر سعة إن لم يكن قانوناً عاماً ملزماً للجميع .
وإن الفقهاء الذين أجازوه ( ضمن دائرة الأفراد ) قالوا إنه رخصة فردية , وإن اختلفوا في أسباب هذه الرخصة بين موسع ومضيق .
فالإباحة رخصةٌ فرديةٌ وتركٌ للأفضل , وإذا وجد مُوجِبُه عند الفرد كان مباحاً على مقدار هذه الرخصة الفردية .
ولا يجوز للحكام ولأصحاب النظريات أن يوجهوا الناس حسب أهدافهم وسياساتهم إذ لا يوجد في الفقه الإسلامي ما يجعل الرخصة الجماعية لأمة من الأمم أو لإقليم من الأقاليم , فالرخص دائماً فردية ...
هذا حكم الدين فلننظر إلى الدنيا ولنتعرف على أمرها ..!
نتساءل : لماذا هذه اللجاجة في الدعاية إلى تحديد النسل والتفنن في الدعوة إليه ونشر حبوب منع الحمل التي تَعْقِمُ النساء ...؟ .
لا نريد أن نتكلم عن مضارها .. وقد قال المخلصون من الأطباء في مؤتمر الجرائم الاقتصادية الذي عقد منذ سنوات في المركز العلمي للبحوث الجنائية الاجتماعية في مصر : ( إن تعقيم المرأة يضرها أبلغ الضرر , ويعرضها لأخبث الأمراض ومنها السرطان ...! ) .
وقد ثبت أن هذا المرض يكثر بين النساء اللواتي يشغلن أنفسهن عن الولادة بالاجتماعات يحضرنها أو يعقدنها .
إنها بلا ريب دعاية أجنبية غريبة صُدِّرَت إلينا من بلاد أجنبية , وتبعها بعض المخلصين ظناً منهم أنها سبيل إلى توفير المعيشة الكريمة لمواطنيهم غافلين عن جذورها وما يغذها .
لماذا نحارب النسل ؟ لماذا نحارب الكثرة ونعمل على القلة ؟ .
قالوا : الأرض الزراعية قليلة والسكان في تزايد وسيأتي وقت لا تجود الأرض بما تطعمهم ...! علماً إن المساحة القابلة للزراعة في العالم تقدر بــــ ( 4,430251 ) مليون هكتار والمزروعة منها فعلاً تقدر ( 1,488,050 ) مليون هكتار .
بمعنى ثلاثة أرباعها غير مزروعة , وفي العالم الإسلامي ( 221004 ) ألف هكتار فقط (1)
إن النسل في حد ذاته قوة اقتصادية كبرى وإن القوة البشرية هي أعلى مصادر الثروة حسب دراسات الاقتصاديين المدركين الواعيين .
وإن من المتفق عليه عند علماء الاقتصاد أن عوامل الإنتاج ثلاثة : 1) الأرض 2) الإنسان 3) رأس المال .
وإن الإنسان من أهم هذه العوامل الثلاثة فهو الذي يبدع في العاملين الآخرين الحركة والتفاعل فمهما كان الوطن العربي غنياً بالأرض الواسعة , ورأس المال كبيراً فإن شيئاً من ذلك لن يتحول إلى تقدم ورخاء إلا بالكثافة السكانية البشرية فتحيل كلاً منها إلى طاقة و إبداع .
(1 ) : هذه الأرقام والإحصائيات مأخوذة من كتاب ( جغرافية العالم الإسلامي ) للدكتورة سارة منيمنه .
وهناك أمم ( كــسويسرا ) التي لا تعتمد في مصادرها إلا على مهارة سكانها إذ ليس فيها فحم و لامناجم حديد , ولا غيرها من المعادن , وليست على البحر , وقسم كبير من أراضيها جبلي غير منتفع به , وقد بلغت الكثافة السكانية فيها ( 136 ) شخص في الكيلومتر المربع , فازدهر اقتصادها وتوجهت إليها أفواج من العمال من الدول الأخرى بإشراف الدولة نفسها (1 ) .
ومثل سويسرا ( اليابان ) في العصر الحديث فهي بلد فقيرة في كل شيء إلا في الرجال ولا تكاد تبلغ مساحتها نصف مساحة باكستان , وإن 38% من هذه المساحة غير منتفع بها لما يمتد إليها من سلسلة جبل النار , وأن الأراضي الصالحة للزراعة لا تجاوز ( 8% ) , والكثافة السكانية في اليابان عالية جداً إذ تبلغ ( 363 ) نسمة في الكيلومتر المربع , ومع ذلك فإن مستوى المعيشة في اليابان يفوق مستوى المعيشة في الدول الأوربية كلها بما فيها الولايات المتحدة .
واستطاعت بمنتجاتها الصناعية السيطرة على كثير من أسواق أمريكا وأوربا .
وهذا نتيجة الزخم السكاني المصحوب بتنظيم دقيق , وبمقارنة بسيطة بين أمريكا وبين كندا نجد تفوق الأولى على كندا علماً أن مساحة الأرض في كلتا الدولتين متساوية لكن تفوق عليها أمريكا بكثافة السكان , فقد بلغ سكانها ( 260 ) مليوناً في حين أن سكان كندا لا يتجاوز ( 30 ) ثلاثين مليوناً (2) , وإذا ما عدنا إلى ذاكرة التاريخ واستنطقناها ما نجد أن منشأ هذه الدعوة نبت أول ما نبت في بريطانيا عندما وضع ( مالتوس ) نظريته المعروفة والداعية إلى تحديد السكان وقد ظهر بطلان هذه النظرية وفسادها تاريخاً وواقعياً .
ولنتكلم بلغة الأرقام ( إن صح التعبير ) على بطلان هذه النظرية .
عندما وضع ( مالتوس ) نظريته كان سكان بريطانيا سنة ( 1800م ) عشرة ملايين وتخيل مالتوس الوضع إذ كانت بريطانيا قبلها بمائة عام أي سنة ( 1700م ) لا تزيد على سبعة ملايين ورأى أنهم لو تكاثروا بهذه الطريقة لأدى ذلك إلى قلة الموارد وهلاك الناس جوعاً .... !
تخيل الأفواه التي تأكل ونسي أو غفل عن الأيدي التي تعمل ... ! فما كانت ينتهي القرن التاسع
( 1 ) : سويسرا دولة صناعية قوية في اقتصادها لسبب مهارة السكان ودقة التصنيع وجودته وكلنا يعرف الساعات السويسرية الشهيرة التي فاقت ساعات العالم أجمع .
( 2) : هذه الإحصائية كانت قبل عشرين عاماً تقريباً , وقد زاد العدد اليوم كثيراً .
عشر حتى كان عدد سكان بريطانيا قد تضاعف ثلاث مرات إذ بلغوا ثلاثين مليوناً عام ( 1882م ) فلو كانت فروضات مالتوس صحيحة لأصابت بريطانيا المجاعات ولهلك الملايين جوعاً , ولكانت حالة الناس الاقتصادية أسوأ بكثير مما كانت عليه في بداية القرن .
ولكن ما حدث كان مناقضاً لتخرصات مالتوس وأنصاره ...! .
لقد أصبحت بريطانيا بفضل تكاثر سكانها سيدة البحار وأغنى دولة في العالم , والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس , وأصبحت تبعاً لذلك اللغة الإنكليزية أهم لغة في العالم وأكثرها انتشاراً واستعمالاً .
هذا في بريطانيا مسقط رأس مالتوس ومنشأ نظريته , فماذا في الولايات المتحدة ؟ .
سبق أن رأينا أنها بفضل تزايد عدد سكانها صارت دولة عظمى يحسب لهل ألف حساب وأن تبقى ( كندا) التي تساويها في المساحة دولة صغيرة .
وماذا في أوروبا ؟ لقد تضاعف سكان أوروبا خلال القرن التاسع عشر ومع ذلك لم تصب بالمجاعات ( كما كان يتوقع مالتوس ) بل تحسنت أحوال سكانها .
ولم يكن سكان العالم قد وصلوا إلى ألف مليون عندما قدم مالتوس نظريته وها هم اليوم قد وصلوا إلى خمسة آلاف مليون ومع ذلك فإن الفائض من الطعام يرمى في البحر في كل عام , وتدفع الحكومات الغنية في أوروبا والولايات المتحدة المبالغ الطائلة للمزارعين حتى لا يزرعوا حقولهم ولصانعي الأجبان ومنتجي الألبان مبالغ ضخمة كي يتوقفوا عن إنتاج ألبانهم , ولماذا تفعل تلك الحكومات هذا ...؟ .
لأن هناك بحيرات من الألبان الفائضة وآلاف الملايين من البيض الزائد عن الحاجة وآلاف الأطنان من اللحوم والقمح التي لم يعد تتحملها السوق .
إن العالم يعاني تخمة في الغذاء ,... ولكن لجشع الإنسان واستغلاله وأنانيته ونفسيته الجهنمية فإنه يرفض أن يعطي هذا الفائض للفقراء الذين يموتون جوعاً ويفضل أن يرميه في البحر طعمة للأسماك لا رحمة بها وإنما تخلصاً من الزائد ليتسنى له المزيد من استعمار الشعوب والتحكم في مصائرها .
ثم لا يخجل ولا يستحي أن يتحدث بعد ذلك حديثا طويلاً سخيفاً مملاً عن حقوق الإنسان ....! .
هذا في العالم الغربي , فماذا في عالمنا الإسلامي ؟
إنه يعاني نقصاً في الغذاء , وشحاً في الموارد , وقلة في الإنتاج ... ولكن ذلك لا يعود إلى قلة الموارد الطبيعية الموجودة , بل إلى سوء الاستغلال والفساد والجهل والتفرقة والتمزق والحروب الداخلية .
إن سبب الأزمة في العالم الثالث ( كما يحلو للغربيين أن ينعتونا به ) (1)راجع إلى سوء التخطيط وسوء الإدارة وعدم استعمال التقنيات الحديثة , وعدم استغلال الموارد الطبيعية المتاحة استغلالاً جيداً , وإضاعة الأموال الطائلة في ترسانات الأسلحة والحروب الطاحنة , وفي الإنفاق على الفنون الداعية إلى الرذيلة , والمباريات الرياضية التي تكلف مبالغ باهظة .
ولقائل أن يقول : ما دامت فروضات مالتوس لا تعدو التخرصات فلماذا يتمسك بها الدول الكبرى وتدعو شعوب العالم الثالث باستمرار إلى تطبيقها فتحدد نسلها وتقلل جمعها وإلا فإنها ستواجه المجاعة لا محالة .... !؟ .
والجواب بسيط :
وهو أن الدول الأوروبية سيطرت على العالم في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر , وتعلم هذه الدول , ويعلم اليهود الذين يسيطرون على كثير من مقدراتها أن العالم الإسلامي غني بموارده وأن زيادة السكان ستشكل خطراً على مستقبل هيمنة الرجل الأبيض , لهذا تسعى هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة , ومن ورائها اليهود لنشر سياسة ( تحديد النسل ) في العالم الثالث وبصورة خاصة بين المسلمين .
لذا فإنهم يقومون بالدعاية والترويج لتخرصات مالتوس التي عفا عليها الزمن وأثبت التاريخ خطأها
(1) : يحلو للغربيين أن يطلقوا على غيرهم ممن يعيش في العالم الإسلامي والعربي على الخصوص ( العالم الثالث ) لأنهمالعالم الأوللأهدافاستعمارية ونوايا خبيثة لا علاقة لها بالنمو , كما سيبين المقال , وهذا ليس بعجيب منهم إنما العجيب أن نخنع لهذه التسمية وتطنطن بها الصحافة ووسائل الإعلام في بلادنا ...!؟ .
وفي السنوات الأخيرة استطاعت بعض الدول الإسلامية والعربية أن تحقق اكتفاءً ذاتياً وتصدر الغذاء رغم الزيادة الرهيبة في عدد السكان , فعلى سبيل المثال استطاعت ( اندونيسيا ) أن تحقق اكتفاءً ذاتياً في الأرز ثم تتعداه إلى التصدير علماً أن سكانها قد زادوا من ( 135 ) مليوناً عام ( 1975م ) إلى ( 166) مليوناً عام ( 1985م ) .
وكذلك حققت باكستان اكتفاءً ذاتياً من الحبوب ( القمح والأرز ) والأغذية الأخرى , وقد بدأت بتصدير الفائض مع أن تعداد سكانها زاد من ( 57 ) مليوناً ( 1975م ) إلى ( 100 ) مليوناً عام ( 1986 م )
واستطاعت تركيا التي زاد سكانها من ( 40 ) مليوناً عام ( 1975م ) إلى ( 50 ) مليوناً عام ( 1985م ) أن تصدر كمية من فائض الطعام .
واستطاعت المملكة العربية السعودية ( وهي بلد صحراوي ) أن تنتج القمح وتصدره إلى بلاد العالم المختلفة , وان يكون لديها فائض من اللبن والدجاج ( 1 ) .
إن الحقائق الأنفة الذكر المدعمه بالأرقام تفند نظرية مالتوس , وقد كذبها الواقع التاريخي خلال قرنين من الزمن , فقد تضاعفت سكان أوروبا في هذه الفترة أكثر من عشرة أضعاف , وكذلك تضاعفت سكان بريطانيا وأصبحوا أكثر من ( 56 ) مليوناً ومع هذا فقد زادت رفاهية السكان وتوفرت الأطعمة بشكل لم يحدث في التاريخ .
وكما ظهر خطأ هذه النظرية تاريخاً وواقعاً فإن التقدير الإلهي في عباده وأقوات الأرض أيضاً يلفظها كما بينا ذلك في بداية المقال عند الحديث عن كفالة الله عز وجل بأرزاق مخلوقاته .
ثم لماذا هذا الإلحاح المتزايد على تحديد النسل في العالم العربي وهو يعاني من نقص فيه لا من زيادته كما تنبئنا الإحصائيات التالية :
الكثافة السكانية في معظم العالم العربي منخفضة جداً , ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال وحسب إحصائية عام ( 1968م ) هي خمسة أشخاص في ( كم2 ) مربع مع الأجانب الذين يعملون فيها فإذا استثنينا الأجانب تكون ثلاثة أشخاص في : الكيلومتر المربع .
(1) : هذه الأرقام والإحصائيات مقتبسة من كتاب ( وسائل تحديد النسل في الماضي والحاضر ) للدكتور محمد علي البار .
وفي موريتانيا شخص واحد في ( كم2 ) وفي مصر وسورية اللتين تعتبران من البلدان ذوات الكثافة العالية حيث تبلغ ( 50 ) شخصاً في الـ ( كم2 ) الواحد .
فأين التخوف من زيادة السكان يا دعاة تحديد النسل ...!
تعالوا نتعرف على جلية الأمر , والهدف المخفي من وراء هذه الدعوة الذي لا يظهرونه ولا يصرحون به ... إنه الصراع على البقاء بين القوي والضعيف , بين المستكبرين والمستضعفين بين المستعمِرين والمستعمَرين .
إن الخلاف الجذري بين الأقوياء وعالم الضعفاء هو أن الأول يعتبران أن مشكلة العالم هي تزايد السكان , وبالذات الأعراق الدونية . أي ( العالم الثالث ) أو ما عدا الشعوب الأوروبية , فلقد دأبت الشعوب القوية المسيطرة على غيرها , والمعتمدة على تجذير أصلها وتفوق نسلها وعظمة تاريخها إسباغه بحلل بهية ليتم من خلاله تألق واقعه و إشراقته فيرتفع شأنه وتعلو مكانته على بقية الشعوب , فمن يريد أن يعظم نفسه يعظم أنسابه و يضفي على تاريخ أجداده هالة من العظمة والفخار ثم يأخذ بتوجيه دفة الحكم وبناء قناعات جديدة عند أمته أو شعبه بالارتكاز على ذلك الماضي العظيم كما أخرجه وصورته ..! , ومن خلال ذلك التاريخ يستطيع الحاكم أو المفكر أن يقنع جماهيره بالذي يريد مادام أن ما يدعو إليه منسوب إلى أولئك العظماء المفترضين حتى قد يصعب عليك الفصل بين النظرية العلمية والمقاصد السياسية ...! .
فمنذ عدة قرون اختفت في الغرب القيم المسيحية تحت هجمة ( التهويد ) المبني على الفكر العنصري اللاإنساني وتبنى فلسفات ونظريات معادية لله و للإنسانية , مميزة بين أجناس البشر .
( فالداروينية ) أو الإيمان بصراع البقاء , والبقاء للأصلح أو ( الأقوى ) مهّد للإيمان بالداروبنية الاجتماعية , وإيمان معظم الغربيين بتفوق عنصرهم وصلاحه للبقاء .
لأنه الأقوى , وسقوط الأجناس الأخرى الملونة التي يجب أن تفنى .
إن إيمان الإنسان الغربي بهذه النظرية ينزع عنه كل شعور بالأسى لآلام ومآسي الأجناس الأخرى وهي التي في نظري جعلت الغربيين يطلقون علينا ( العالم الثالث ) إن نظرية داروين العلمية في ظاهرها إنما هي سياسية في واقعها تؤكد صلاحية الشعب الأوروبي وقدرته على البقاء في معركة انتزاع الوجود .
أوروبا تريد أن تربط سرّ نهضتها بجذر أوروبي خالص هو ( أثينا ) القديمة التي تربعت عرش العالم في يوم من الأيام متخطية بذلك كل الأنشطة البشرية الأخرى التي عمرت الأرض , منها الإمبراطورية الرومانية التي تعود في أصلها إلى الشرق أرضاً وتاريخاً وفكراً وقادةً .
أوربا لا تريد لها شريكاً في جذورها وتاريخها , إنها تريد أن تتخطى كل الفكر السياسي والعلمي والإنساني الذي أنعم به الإسلام على العالم وسعدوا به بشهادة كبار المؤرخين والمفكرين منهم وكل النهضة العلمية التي قدمها لتربط تاريخها وسر نهضتها بقبائل وعشائر تعيش في نجع صغير اسمه ( أثينا )
وحجة القوي أقوى , فإذا تكلم فما على الضعيف إلا أن يصدق , فقد كانت أثينا أم الديمقراطية والحرية والمساواة كما يقول قادة الغرب ومفكره ولا مانع - تبعاً – لهذا المفهوم الأوربي أن تصبح السياسة السكانية سياسة رسمية للولايات المتحدة ومن يدور في فلكها لتفرضها على العالم من خلال المؤتمرات , ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب ....!
إن دراسة جادة بسيطة تكشف مقدار التشابه بين مؤتمر ( القاهرة ) للسكان والتنمية وأدبيات القائمين عليه ومن يدفع باتجاهه من فلاسفة الغرب ومفكريه وسياسييه وبين مؤتمر تطهير الأعراق الذي عقد في مؤتمر (( متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك عام ( 1932م ) )) والذي سانده كل المعتقدين بتطهير الأعراق ( بما فيهم النازيون وبرنامج هتلر للأجناس )
وكان هتلر و مسؤولوه يدعون إلى تخفيض السكان في أوروبا الشرقية وروسيا .
علينا أن نقارن بين سياسة ( هتلر ) هذه وبين القرارات المقترحة لمؤتمر القاهرة , إذ كان ( هتلر ) يعلن هو و مسؤولوه أن هدف السياسة الألمانية بخصوص المناطق الروسية يجب أن يكون تخفيض عدد المواليد إلى أقل مستوى من مستوى مواليد الألمان ففي الإقليم المذكورة يجب أن تفرض سياسة سالبة وذلك بواسطة الدعاية في الصحافة والإذاعة والسينما والمنشورات ... وغيرها يجب أن نطبع في أذهان الناس الفكرة بالقوة وذلك ببيان أضرار إنجاب الأطفال , هذه الفكرة بحاجة إلى دعاية قوية ورعاية سخية لتشجيع موانع الحمل في البلاد إذا استطعنا إقناع الشعب بفكرة ( عائلة الطفل الواحد أو الطفلين ) نكون قد توصلنا إلى هدفنا المخفي
هكذا يا شعوب العالم الثالث دون مواربة ولا التواء ولا خفاء ولا حياء يصرح ( هتلر ) رجل ألمانيا الأوحد في عصره ليتسنى له ولشعبه الألمان ( ذوي الدماء الزرقاء ) السيطرة على العالم لأن ألمانيا فوق الجميع ... ويجب أن تكون كذلك ...!
وبعد ... يا دعاة تحديد النسل , ويا أهل المجتمعات المتخلفة المستهدفة بالقتل والإبادة الجماعية .. أيها الحالمون بالتنمية ... ما أشبه اليوم بالبارحة .. وما أشبه السياسة التي سلكها ( هتلر ) النازي العنصري بسياسة الغرب اليوم وعلى رأسه الولايات المتحدة , ولسان حالهم يقول مردداً ما
قاله أحد الشعراء قديماً :
(ومن لم يمت بالسف مات بغيره ) ( تنوعت الأسباب والموت واحد)
ولكن بصيغة أخرى وهي : ومن لم يمت من الجوع مات بالقتل الجماعي والحروب المدمرة أن التنمية الحقيقية عند الغرب العنصري مرفوض , ويعتبرها عدواناً سافراً عليه لأنها تشجع على التكاثر , وسبيل إلى التقدم , والتكاثر و مع التقدم يصنع قوة هائلة والقوة ممنوعة ..!
فإلى سياسات الدمار , والتنمية الكاذبة , والمزيد من الاستعمار وتسمم الأفكار يا عالم الثالث وإلى النظريات الاقتصادية المؤدية إلى المزيد من الديون , والمزيد من التبعية , فإذا قدّر لنا أنَّ نصحو يوماً فإن الحروب المدمرة تنتظرنا ...!
إنَّ حل مشكلات العالم عند كل ذي عقل سليم , وفكر نير , وبصيرة نافذة , إنما يكون في التنمية المستندة على التقدم العلمي الصحيح , والتقنية الحديثة المستمرة المتصاعدة فموارد الأرض ليست محدودة , وما من نسمة يخلقها الله عز وجل إلا ولها رزق معلوم ومقدار مقسوم مصداقاً لقول ربنا وتعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها , كل في كتاب مبين ) هود /6
إن سياسات السكان الإجرامية في حق العالم الثالث يجب أن تقابل بالرفض مهما حاولوا تمويهها ونعتها بنعوت و ألفاظ جذابة براقة تستهوي البعض بظاهرها ومظاهرها وقوتها وإيمانها فإن في ظاهرها الرحمة وفي باطنها من قبلها العذاب .... ! .
و لا تكتفي هذه السياسات بتخفيض العدد بل يتعداه إلى تحطيم الخلية الأولى في المجتمع وهي ( العائلة ) أو الأسرة .
فوثائق مؤتمر القاهرة تعتبر الزواج بين الذكر والأنثى أحد أشكال تكوين الأسرة , وإن الحرية التي ترعاها مفاهيم مؤتمر حقوق الإنسان الغربية تشمل حق كل إنسان في اختيار شريكه الجنسي من أي جنس كان ....! , فإن كان بين الذكر و الأنثى فمن غير زواج .
وتعتمد هذه السياسات على ما يسمى ( توعية المرأة على حقوقها على النمط الغربي ) فمن حقها أن ترفض الحمل , ومن حقها اختيار نوع العلاقة الجنسية ...! .
وللأسف فإن نساء كثيرات في العالم يقعن فريسة هذه السياسات الجائرة فتجدهن يجهدن من اجل حقوق المرأة على الطريقة الغربية والمفهوم الغربي ذي النوايا الخبيثة والخطط الماكرة والأحقاد الدفينة التي تمتد جذورها إلى قرون طويلة مضت منذ فجر الإسلام وخيانات اليهود في المدينة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى هارون الرشيد وحربه الروم ووقيعته المعروفة مع ( نقفور ) وحملة الحروب الصليبية التي تطاولت قروناً , ولا تزال قائمة وموجهة من حفدة نقفور وحملة الصليبية الأولى لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين إن استطاعوا كما قال تعالى : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا ... ) .
ولن يستطيعوا بقوة الله إذ لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ...
في بلاد الغرب وفي أوروبا لا يوجد شيء يسمى حقوق الإنسان إلا على الورق الذي لا يساوي الحبر الذي كُتبت به , وواقع الشعوب المضطهدة في بلادها وعلى أرضها يشهد أن كل كلام يقولونه أو يكتبونه كلام سخيف لا يجاوز مفعوله أروقة الأمم المتحدة . الإنسان غير الأوروبي الذي يعيش خارج قارتهم لا يعد في نظرهم إنساناً فضلاً عن أن يكون له حقوق سواء كان رجلاً أو امرأة صغيراً أو كبيراً طفلاً أو شيخاً لأنه من طينة غير طينتهم ومن عرق دون , فهم الشعب المختار المميز المفضل على الشعوب الأخرى , ويبدو هذا جلياً في قولهم السوء : ( الشرق شرق والغرب غرب ) , وما الذي أقنعك أيتها الأخت التي ترفلين بأثواب الصحة والعافية والأمن والطمأنينة بأن المرأة الغربية أسعد منك حالاً وآمن منك نفسياً .... ؟ .
ألا تسمعين وترين مشكلاتها ومآسيها وأنواع الويلات التي تعانيها وخروجها في مظاهرات حاشدة بين الحين والآخر مطالبة بحقوق المرأة , فهي تعيش في واقع مأساوي مرير وتتخبط في دياجير الظلمة والفساد وهذا ما تؤكده الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزة والأعمال الأدبية المترجمة .
تلك حصيلة حقوق المرأة في الغرب , والتي تملأ حياتها تعاسة وشقاء رغم ما يبدو ظاهراً من أنها تعيش سعيدة , ولكن كل هذه المظاهر البراقة الخادعة ليست سوى الديكور الذي يخفى وراءه الوجه القبيح ...! . ولا يغيبن عن بالنا وقد أقحمنا المرأة في الموضوع بضرورة البحث أن علماء الاجتماع ودراسة السكان يؤكدون على أن الموهوبين والمتفوقين في الملكات و الطاقات الفكرية هي قلة نادرة , وان سواد البشر الأعظم لديهم قدرات متوسطة أو دنيا , لذلك فإن الأمة تبحث عن أولئك الموهوبين في أكبر عدد من السواد الأعظم . يقول الدكتور عبد الكريم اليافي في كتابه ( المجتمع العربي ومقاييس السكان ) :(( ربما كان في هذا ما يفسر حصول الابتكار والاختراع والكشوف في البلاد الكبيرة ...))
خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي