تك -------------------------
"هذا أبى وهذه أمى...الجالسان على الكنبة..وهؤلاء إخوتى..
وأنا الواقف الى اليمين"
يبتسم ضيفى.
فأتابع:
"أُنظر ..البنات يجلسن كأوزات أمام أبى وأمى،أليس كذلك؟أثوابهن كانت قطعة قماش واحدة ، ثم خاطتها أمى لهن..أتلاحظ..؟شعرى وشعر إخوتى ؟ مجلوط..يومها أخذنا أبى الى الحلاق وحلقنا جميعا..تصور عشر دقائق وربما أكثر،ونحن نقف هكذا،حتى سمعنا (تك)..بعدها أشار المصور:خلاص"
هكذا كنت أتحدث لمن يزورنى،وأصف له تلك الصورة المعلقة فى صدر الحجرة .كنت أمتلىء فخراًحين أسمع كلمات الإعجاب بها، أما من دون ضيوفى فنادراً ماكنتُ ألتفتُ اليها.
لكنى فى تلك الليلة وحينما كنت أغلق الباب الذى تركتْه زوجتى مفتوحاً، وجدتُ نفسى أروح، وأقف أمامها متأملاً، غارقاً فى ذكريات قديمة،
ولم أدر كم مر من الوقت وأناهكذا إلا عندما قالت زوجتى :
"هل ستقف هكذا طوال الليل؟"
أستدرتُ نحوها. تابعتْ: "أنت تقف فى طريقى !"
كانت زوجتى _فى تلك الليلة_كثيرة الحركة،تروح وتجىء..تقف أمام مرآة ثم تنتقل الى أخرى، ترخى خصلة من شعرها وتزيح خصلة، تبتسم ، تكشر، تلوى شفتيها، تضع (الروج) فوقهما، ثم تسحبهما للداخل وتطلقهما فى صوت قبلة، تلبس جوربا فتبدو لها ساقاها سمراوتان،تخلعه وتأتى بآخر، تراه يبين زرقةً كانت فى بطن ساقيها، تتركه وتأتى بآخر ، وفى أثناء هذا كله كانت إما تدندن بأغنية أو تصرخ زاعقة فى الأولاد تستعجلهم وتحثهم على الإنتهاء،لئلا يفوتهم الحفل.
كان حفلا لأحد الأقارب ستذهب اليه زوجتى والأولاد. بينما فضلتُ النوم لإرهاقى ولعدم قدرتى على السهر.لكنى لم أنم، الفكرة ظلت تدور فى رأسى ،وتلح.
ناديت زوجتى وقلت لما جاءت:"مارأيك؟"
قالت : "فى ماذا؟"
قلت : "نلتقط لنا صورة؟"
"صورة !؟" . صرختْ فى وجهى باستغراب،
قلت : "نعم صورة..صورةتضمنا جميعا"
"ياسلام!...صورة!؟..الآن؟"
قلت : "ستكون-والله-صورة رائعة ،ولن تأخذ وقتا"
"أما قلت أنك ستنام،وأنك متعب!؟"
"لايهم،لايهم..هذه فرصة، الجميع موجود، وفى منتهى الجمال والاناقة .."
" ماذا تقصد؟ أنا دايما جميلة وأنيقةو.."
قاطعتُُها: "لاأقصد والله شيئا،أنت جميلة،هيا ..هيا ناد على الأولاد..وسأجهز الكاميرا حالا ، هيا.."
مشتْ من أمامى،وهى تسوى خصلة من شعرها،وترمقنى بنظرة،كأنها تقول:
"نعم جميلة".
تابعتها حتى إختفت .أسرعت أحضر الكاميرا.
دقائق..ثم جاء الجميع، طنّت كلمات الإعجاب فى أذنىّ، ملأنى الحماس..أشرت لولدىّقائلا:
"سأقعد وأمكم على الكنبة ..،وأنتما من هنا وراءنا"
وأضفتُ لبنتىّ: "وأنتما من هنا..إجلسا أمامنا على السجادة"
"لم لايقعد الأولاد ونقف أنا وأنت ؟"
"فى الصور ياحبيبتى لمّا يقف الأولاد حول الأب والأم يعطى هذا إنطباعا جميلا كأنك تنظرين الى شجرة فى الربيع"
بدت زوجتى مقتنعة بكلماتى ،سكتتْ.
وإذا بإحدى بنتىّ تقول ،وهى تشير نحو الأخرى :"لن أجلس جنبها"
سألتُها: "ماالسبب؟"
أجابتْ : " الحلق ،الحلق الذى تلبسه"
تساءلتُ: "الحلق!؟"
قالت : "مثل حلقى"
سألتُها للمرة الأخيرة:"وماذافى ذلك؟"
أجابت:"من يرى الصورة، ماذا يقول؟"
قلت مختنقا: "ليقل ما يقول،ثم أنكماأختان..أختان..وما ضر الشبه بينكما،فماذا وهو فى حلق !؟ وعلى كل فهذا لن يلاحظ ، لن يلاحظ."
كنت أحدثهما وشىء ما يدور خلف الكنبة. ناشدتُ نفسى الصبر، وتصنعتُ الهدوء، بينما أعصابى تكاد تنفجر .
سألت :"وماذا انتما أيضا ؟"
عرفتُ من حشرجة أصواتهما أنهما يتشاجران على من منهما يقف فى اليمين، ومن يقف فى اليسار
إقترحتُ عمل قرعة ،وافقا على مضض.
أخيرا...
إستعد الجميع فى أماكنهم .كادت أن تخرج منى ضحكة ،وأنا أقوم بالإطمئنان على الكاميرا وجهازها التوقيتى ،إذ لمحت ُ زوجتى تقرب منها (فازة )ضخمة، وتمسك بواحدة من ورداتها البلاستيكية وكأنها مازلت تفكر فى كلماتى عن الصور والشجر ،لكنى كتمت ُ الضحكة ،وصحتُ بحماس : "ليستعد الجميع ،هيا"
أشغلتُ الكاميرا وجريتُ الى مكانى .
فى تلك اللحظة إندلع نفير سيارة،وصلتْ للتو أمام البيت ،
صرختْ زوجتى :
"هاهم جاءوا ليأخذونا"
"إنتظروا لتلتقط الصورة"
كانت هذه الكلمات على لسانى، والجميع عند الباب.
جريتُ وبركلة واحدة صفقتُ الباب وراءهم ،وما أن أدرتُ ظهرى حتى سمعت :
( تك).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد شمخ