قال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابونيّ رحمه الله في كتابه ((عقيدة السّلف و أصحاب الحديث أو عقيدة السّلف أصحاب الحديث)) قال: (ويَرَونَ - يعني أهل السنّة - الكفّ عمّا شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم, وتطهيرَ الألسنة عن ذكر مّا يتضمّن عيبا لهم ونقصا فيهم).
وقال الشيخ عديّ بن مُسَافر الهَكَّارِيُّ رحمه الله فيما يجب اعتقاده, قال : (والكفّ عمّا شجر بين أصحاب نبيّنا صلى الله عليه وسلم, ونشر محاسنهم, والكفّ عمّا جرى بينهم, وأنّ الله قد غفر لهم).
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في ((العقيدة)): (ونحبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم, ولا نُفْرِط في حبّ أحد منهم - كما فعلت الرافضة إدّعاءًا لا محبة في عليّ رضوان الله عليه, قال: - ولا نتبرّأ من أحد منهم, ونُبغض من يُبغضهم, وبغير الخير يذكرهم, ولا نذكرهم إلاّ بخير, وحُبُّهُم دين وإيمان وإحسان, وبُغضُهُم كفر ونفاق وطغيان).
وقال الإمام الموفّق المقدسي رحمه الله في ((لُمعَة الاعتقاد)): (ومن السُّنّة تَوَلِّيهِم - يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم -, ومحبّتهم, وذكر محاسنهم, والترحّم عليهم, والاستغفار لهم, والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم, واعتقاد فضلهم, ومعرفة سابقتهم رضوان الله عليهم أجمعين).
وقال الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه في ((الواسطية)) عن أهل السنة: (ويُمسكون عمّا شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم, ويقولون: إنّ الآثار في مساويهم منها ما هو كذب, ومنها ما قد زِيدَ فيه ونَقَص, وغُيِّرَ عن وجهِهِ, والصّحيح منه هم فيه معذورون إماّ مجتهدون مصيبون, وإمّا مجتهدون مخطئون).
فَهُم دائرون بين الأجر والأجرين, وأمّا الذي يخوض فيهم فبين أي شيء يدور؟!
وقال رحمه الله في ((الوصية الكبرى)): (وكذلك نؤمن بالإمساك عمّا شجر بينهم يعني الأصحاب رضوان الله عليهم).
وقال في ((منهاج السُّنّة)): (ولهذا أوصوّا - يعني أهل السُّنّة من أصحاب الاعتقاد الصّحيح والاتّباع السّليم - أوصَوا بالإمساك عمّا شجر بينهم لأنّا لا نُسأل عن ذلك).
تلك دماء طهّر الله منها أيدينا فلم نلطّخ بها ألسنتنا؟!
وقال رحمه الله في ((اللّامِية)):
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبـِي وعَقيدَتِي رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
اسمَعْ كَـلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
ولكلّهــم قـدر عـلا وفضــائــل لكنّما الصدّيق منهم أفضل
يعني رحمه الله بقوله: (ومودّة القربى بها أتوسّل) يعني آل البيت رضي الله عنهم يتوسّل بحبّهم لا بذواتهم, يتوسّل بحبّهم إلى الله ربّ العالمين, وبالسّير على منهاجهم, إذ هم سائرون خلف النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلّم.
ولكلّهم: يعني الصحابة رضي الله عنهم وآل البيت رضوان الله عليهم.
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
ولكلّهـم قدر عـلا وفضائل لكنّما الصدّيق منهم أفضل
- رضوان الله عليه وعليهم أجمعين -
وقال السَّفارِنِيّ في بيان العقيدة رحمه الله تعالى:
واحذر من الخوض الذي قد يُزري بفضلهم مما جَرَى لو تدري
فإنه عن اجتهادٍ قد صَدَر فَاسْلَم أَذَلَّ اللهُ من لهم هَجَر
وقال الحكمي رحمه الله في ((سُلَّم الوصول)):
ثمّ السّكوت واجب عمّا جَرَى بينهم من فِعل ما قَد قُدِّرا
فكلُّهم مجتهد مثابُ وخِطْؤهُم يغفره الوهّاب
ثمّ قال في شرح هاذين البيتين في ((معارج القبول)): (أجمع أهل السنّة والجماعة, الّذين هم أهل الحلّ والعقد, الّذين يُعتدّ بإجماعهم على وجوب السّكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصّحابة رضي الله عنهم.
فهذا إجماع ممّن يعتد به من أهل الحلّ والعقد, وأصحاب العقيدة الصّحيحة في هذه الأمّة المرحومة, إجماع على أي شيء؟ - على وجوب السّكوت عن الخوض في الفتن الّتي جرت بين الصّحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه -, والاسترجاع - أي من الإجماع أيضا الذي أجمع عليه أهل الحلّ و العقد ممّن يعتد بإجماعهم وبقولهم في دين الله تعالى- والاسترجاع على تلك المصائب الّتي أصيبت بها هذه الأمّة, والاستغفار للقتلى من الطرفين, والتَّرَحُّم عليهم, وحفظ فضائل الصحابة رضوان الله عليهم, والاعتراف لهم بسوابقهم, ونشر مناقبهم عملا بقول الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر : 10]).
وقال أيضا في ((أعلام السُّنَّة المنشورة)): (الواجب للصّحابة رضوان الله عليهم علينا - الواجب علينا لهم - سلامة قلوبنا وألسنتنا لهؤلاء الأصحاب المكرّمين رضوان الله عليهم أجمعين, ونشر فضائلهم, والكفّ عن مساويهم وما شجر بينهم, والتنويه بشأنهم, كما نوّه تعالى بذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن, وثبتت الأحاديث الصّحيحة في الكتب المشهورة من الأمّات وغيرها في فضلهم رضوان الله عليهم أجمعين).
النّقول في هذا أكثر من أن يحاط بها؛ لكثرتها وطيب عَرفِها, وموفور بهائها, وكلّها مجمعة على وجوب الكفّ والإمساك والامتناع عن ذكر ما شجر بين الأصحاب رضوان الله عليهم بعد مقتل عثمان رضوان الله عليه, كما نقل الإجماع عن ذلك غير واحد ممّن يعتدّ بهم من علماء هذه الأمّة الذين يتّبعون السنّة, ويسيرون خلف النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم