التوراة جاءت من جزيرة العرب
الدكتور كمال سليمان الصليبي
ترجمة : عفيف الرزّاز
الطبعه العربيه الثانيه – 1986
مؤسسة الابحاث العربيه
---------------------------------
مؤسسة " دير شبيغل " الالمانيه , بادرت الى طلب حقوق النشر من المؤلف , وكان شرطها أن تعرضه على مجموعه من العلماء وأساتذة التاريخ لتقويمه من الناحيه العلميه , وجاءت توصية علماء اللغات الساميه ايجابيه في حين وقف علماء التوراة موقف العداء وشنوا حمله على الكتاب قبل نشره , بدأت من داخل الكيان الاسرائيلي
وخارجه والمؤلم وقوف أوساط عربيه سلبيا من الكتاب , وقبل حتى نشره .
ان المؤلف يطرح نظريه جديده تقوم على وجوب اعادة النظر في " الجغرافيا التاريخيه للتوراة " , حيث يثبت ان احداث " العهد القديم " لم تكن ساحتها في فلسطين , بل أنها وقعت في جنوب غربي شبه الجزيره العربيه , واستند في ذلك على أدله اكتشفها في مجالي اللغه والاثار , ويقارنها بالمألوف والسائد من " الجغرافيا التاريخيه للتوراة " .
يقول المؤلف في مقابله معه في مجلة الشراع _ بيروت _ 3/9/ 1984 .
" اعادة النظر بأسس الحضاره الغربيه . حضارتنا العربيه لها أسس أخرى . أما في الغرب فهم يعتبرون الكتاب المقدس " العهد القديم " هو أساس بناء الحضاره الغربيه "
ويشرح المؤلف نظريته في تحديد أسماء الاماكن والمواقع المذكوره معتمدا على زياراته الشخصيه لتلك المناطق في عسير وجنوب الحجاز , وعلى " معجم لأسماء الأماكن في المملكه العربيه السعوديه " وضعه مجموعه من العلماء السعوديين وعلى رأسهم الشيخ حمد الجاسر , فهو بالتالي لم يعتمد على مراجع ومصادر أجنبيه , ومن جهة ثانيه على قراءاته المتأنيه للتوراة وشروحها .
ان اكثر ما يؤلم في الهجوم على هذا الكتاب من جانب الاوساط العربيه , الزعم بأنه يدعو الى احتلال بلد عربي اخر . ويرد المؤلف " ان من يقول هذا القول فانما يعترف بحق الدعوه الصهيونيه ويؤمن بصحتها من حيث المبدأ . فأنا لا أضع الكتاب لأقول لليهود عودوا الى عسير واتركوا فلسطين " .
-------------------------------------------------
سأحاول وعلى مراحل أن أقدم تلخيص لفصول هذا الكتاب الهام جدا .
أقترح على المهتمين برؤيه جديده للتوراة وتارخ لبنان , قراءة مؤلفات هذا المؤرخ

-----------------------------------------------------------------------------------------


مقدمة الطبعه العربيه .. 1 .
جغرافية التوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيره العربيه بمحاذاة البحر الاحمر , وتحديدا في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن . وبالتالي فان بني اسرائيل من شعوب العرب البائده , أي من شعوب الجاهليه الأولى . وقد نشأت اليهوديه الأولى بين ظهرانيهم , ثم انتشرت من موطنها الأصلي , الى العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد العالم القديم . والتوراة " العهد القديم " تشتمل على ثلاثة مجموعات من الأسفار يعترف بها اليهود , وهي " التوراة , والأنبياء , واالكتب " . ( بالعبريه : سفرتوره نبي ءيم وكتوبيم ) . والجدير بالملاحظه أن لفظة " التوراة " لا تطلق عرفا الا على الأسفار الخمسه الأولى من " العهد القديم " المنسوبه لموسى , وهي سفر التكوين , سفر الخروج , سفر الّلاوييّن , سفر العدد , سفر التثنيه . ولا بد من توضيح الفرق الرئيسي الهام بين مفهوم " بني اسرائيل " ومفهوم " اليهود " و " اليهوديه " .
بنو اسرائيل كانوا في زمانهم شعبا دان باليهوديه . وقد كان لهم , بين القرن الحادي عشر والقرن السادس قبل الميلاد , ملكا في بلاد السراة . وقد زال هذا الشعب من الوجود بزوال ملكه ولم يعد له أثر بعد أن انحلّت عناصره وامتزجت بشعوب أخرى في شبه الجزيره العربيه وغيرها . امّا اليهوديه , فهي ديانه توحيديه وضعت أسسها أصلا على أيدي أنبياء من بني اسرائيل , بناء على شريعة " توراة " موسى .
وقد كان بنو اسرائيل أول من دان باليهوديه , ولكنهم لم يكونوا وحدهم اليهود في زمانهم . والديانه اليهوديه التي ربما أنتشرت أول الأمر على أيديهم استمرت في الانتشار بعد زوالهم وأنقراضهم كشعب . وما زالت هذه الديانه منتشره في معظم أرجاء العالم بين شعوب مختلفه لا تمت الى بني اسرائيل بصله , لغه وعرق , مع العلم أن هناك عناصر من بني اسرائيل القدامى لا بدّ انها انصهرت في المجتمعات اليهوديه التي انتظمت في مختلف الأقطار بعد زوال ملك اسرائيل حيث قام . ومن البديهي ان العرق بحدّ ذاته لا يموت , انما الذي يموت هو " المجتمع والانتماء والاسم " , وذلك عن طريق التحول من واقع تاريخي الى واقع آخر . والأدّعاء السائد بين يهود العالم بأنهم من سلالة بني اسرائيل هو ادعاء شعري ّ لا يقوم على أي اساس من التاريخ . وبناء على ذلك فان الأدعاء " الصهيوني " الحديث بأن اليهود ليسوا مجتمعا دينيا فحسب بل شعب وريث لبني اسرائيل , هو ادعاء باطل اصلا , لأن بني اسرائيل شعب باد منذ القرن الخامس قبل الميلاد .
الواقع ان هذا الكتاب يبحث في " الجغرافيا التاريخيه للتوراة " وليس في أي أمر آخر , بما فيه قضية الصهيونيه . فيهود اليوم ليسوا استمرارا تاريخيا لبني اسرائيل ليكون لهم شيء يسمّى حقوق , والصحيح أن الحقوق التاريخيه للشعوب تزول بزوالها .
وأساس هذا الكتاب هو المقابله اللغويه بين اسماء الأماكن المضبوطه في التوراة بالحرف العبري , وأسماء أماكن تاريخيه أو حاليه في جنوب الحجاز وفي بلاد عسير مأخوذه اما عن قدامى الجغرافيين العرب ( الحسن الهمداني صاحب "صفة جزيرة العرب " , وياقوت الحموي , صاحب " معجم البلدان " ) أو عن المعجم الجغرافي للمملكه العربيه السعوديه , الذي بدأ بالظهور عام 1977 م . و" معجم معالم الحجاز " و " معجم قبائل الحجاز "
الذين صنفهما المقدّم عاتق بن غيث البلادي , ويذكر المؤلف عدة مراجع أخرى .....
وجدير بالاشاره الى أن المسح الأثري للمناطق الغربيه من شبه الجزيره العربيه لم يتم بعد بشكل كامل . ولم يقم علماء الآثار بحفريات منتظمه في هذه المناطق . ولربما جاء هذا العلم بما يدعم الاستنتاجات اللغويه والنظريه الموجزه في هذا الكتاب ويزيد في توضيحها . وجلّ ماهو معروف عن هذا الأمر حتى الان هو أن المناطق المشار اليها غنيه جدا بالأثار والنقوش القديمه . وهذا ما يجمع عليه الجغرافيون والرحّاله من عرب وأجانب . ومن الكتابات الصخريه الموجوده هناك ما كتب بأحرف أبجديه لم تحلّ رموزها بعد , كنقش " رهو الرّاء " في وادي الخلصه الذي يذكره الزهراني في معجمه الجغرافي لبلاد غامد وزهران .
وقد تبدو مقولة هذا الكتاب في منتهى الغرابه للوهله الأولى ليس فقط بالنسبه لليهود والمسيحيه بل أيضا للمسلمين . والواقع هو أن القرآن الكريم يقول بكل وضوح أن مقام ابراهيم الخليل كان " ببكّه " ( سورة آل عمران , 96 – 97 ) . وليس هناك في النص القرآني ما يشير الى أيّة علاقه بين بني اسرائيل وأرض فلسطين . ناهيك عن أن مفسّري القرآن الكريم لم يستبعدوا وجودا تاريخيا لبني اسرائيل في غرب شبه الجزيره العربيه .
والوجود اليهودي القديم في شبه الجزيره العربيه مشهود به في التواريخ العربيه وفي الشعر الجاهلي . وقد كانت اليهوديه ديانة آخر ملوك حمير باليمن , وربّما كانت أيضا ديانه واسعة الانتشار في مملكة حمير منذ أن قامت هذه المملكه عام 115 قبل الميلاد .


يقول القرآن الكريم ان هناك من اليهود من " يحرّفون الكلم عن مواضعه " وأنهم يفعلون ذلك " ليّا بألسنتهم " ( سورة النساء ) . وفي هذه الايه اشاره واضحه وبالغة الدقّه في الوصف الى العمل الذي كانت تقوم به فئه دون غيرها من أحبار اليهود , وهم المعروفون بالمصورييتّين ( أي أهل التقليد ) , ابتداء بالقرن الميلادي السادس وحتى العاشر الميلادي . وبالفعل , فقد قام هؤلاء بتحريف النصوص التوراتيه عن طريق ادخال الحركات والضوابط عليها بصوره اعتباطيه في أحيان كثيره , ممّا غيّر اعراب الجمل وحوّر المعاني . ولم يرق عمل المصوريتيين هذا لغيرهم من أحبار اليهود المعروفين بالربّانيين في البدايه , لكن الربانيين قبلوا ما عمله المصوريتيون مع الوقت , بحيث أصبح النص التوراتي المصوريتي المضبوط من التوراة هو النصّ المعتمد من قبل اليهود . وقبل المسيحيون أيضا بالنص المصوريتي للتوراة , وعلماء التوراة اليوم , بمن فيهم العلماء اليهود , يعرفون تماما ان ضبط المصوريتيين للتوراة لم يكن صحيحا في مواقع كثيره , وقد قامت عدة محاولات لاعادة النظر في هذا الضبط , وهذه المحاولات لم تف بالمطلوب , لأن التحريف الذي أدخله الضبط المصوريتي على النّص التوراتي هو أضخم بكثير مما يتصوره علماء التوراة .
وبناء على ذلك , فقد عمدت في معالجتي للنصوص التوراتيه في هذه الدراسه الى اهمال الضبط المصوريتي لهذه النصوص , واجتهدت قدر الامكان في فهم المقصود منها كما وردت أصلا بالأحرف الساكنه . وقد نتج عن ذلك فهم جديد لمقاطع توراتيه عديده , وذلك زياده عن النتائج التي توصّلت اليها بشأن جغرافيا التوراة . ومن علماء التورات من يفترض بأن المصوريتيين لم يكتفوا بتحريك النص التوراتي حسب ما ارتأوا , بل أنهم ذهبوا الى أبعد من ذلك فغيّروا الأحرف الساكنه في بعض الأحيان . وربما حدث ذلك بالفعل دون أن يمس بأسماء الأماكن .
- يقدم الكاتب طرح مثير جدا في ما يلي :
- ان اللغات الساميّه الثلاث التي نحن بصددها كانت لغات قائمه جنبا الى جنب , سواء في في الشام أو في غرب الجزيره العربيه , في آن واحد . وفي هذا الواقع وحده ما يقلب المفاهيم بالنسبه الى جغرافيا اللغات الساميّه وتاريخها رأسا على عقب . ولا عجب في أن اللغه العربيه كانت معاصره للكنعانيه والآراميه في الأزمنه التوراتيه . فالعربيه , سواء من ناحية تصويتها ( أي فونولوجيتها ) أو من ناحية صرفها ( أي مورفولوجيتها ) تعتبر أقدم اللغات الثلاث من قبل أهل الأختصاص . وربّما كانت في الأصل لغة الأعراب من أهل الباديه , في حين أن الكنعانيه والاراميه كانتا من لغات النبط ( أو النبيط وهم سكّان الحواضر ) . ولا بدّ أن أنهيار حضارات النبط في هذه الأقطار , ابتداء بالقرن الثاني أو الثالث للميلاد , وامتداد نفوذ الأعراب الى الحواضر المحيطه بالباديه , كان هو السبب في انتشار لغة الأعراب وحلولها مكان اللغات النبطيه حيث وجدت . وفي اليمن حلّت اللغه العربيه محل ّ اللغه اليمنيه القديمه القريبه من الحبشيه . والواضح من أسماء الأماكن في اليمن أن لهجات من الكنعانيه والآراميه كانت منتشره هناك قبل تحوّل هذه المنطقه من شبه الجزيره العربيه الى اللغه اليمنيه القديمه . وربّما حدث هذا التحول في وقت سابق للقرن السادس قبل الميلاد , اذ هناك نقوش باللغه اليمنيه تعود , حسب تقديرأهل الأختصاص , الى ذلك القرن . ويبدو أن هذه اللغه كانت منتشره في زمانها من اليمن شمالا حتى مشارف الحجاز .
- المهم في ذلك أن الدراسه اللغويّه لأسماء الأماكن هي ضرب من علم الأثار , لأن أسماء الأماكن هي في الواقع أثار .
- ومهما كان الأمر بالنسبه الى صحة مقولة هذا الكتاب على وجه العموم , فلا بدّ أني وقعت في أخطاء كثيره في التفاصيل , خصوصا وأني أوّل من عالج هذه التفاصيل .
- وقد قيل ان الحقيقه هي وليده الزمن , ولا يص في النهايه الا الصحيح .
- كمال سليمان الصليبي - 27 اذار 1985 .
-------------------------------------------------------