قراءة في رائعة الأستاذ ثروت سليم (( ويذوب ريق الورد في نيراني ))

قصيدة من البحر الكامل قافيتها من المتواتر .

استهلال :
للأديبة الأنيقة / روان يوسف
حاملة لواء التحليل والبحث عن مكامن الجمال في قصائد الشعراء في هذا المنتدى ، صاحبة البصيرة المستنيرة بنور العلم والاطلاع والثقافة . ناثرةَ الدرر الثمينة بقلم سيّال متدفق بالجمال موشحا بالرصانة والأصالة ، أقدم الشكر الجزيل لك ولقلمك .


القصيدة


مائي.. ونَارُكِ.. كيـفَ يلتقيـانِ.... والشاطئُ المسحُورُ ليسَ يراني؟
أنظَلُ تجمعُنَا الرؤى... ويضُمُنَـا.... ليلٌ.. ونمضي في دُنا النِسيَـانِ؟
أَصْحُو أرَى نفسي أُفَسِّرُ ما جرَىَ.... في نِيلِ مِصرَ وأنتِ في اليُونانِ؟
لابُدَ للقلـبِ الـذي مـن نبضـهِ.... نَبضي يُـرَدِّدُ سُـورَةَ الرحمَـنِ
أن يلتقي قلبي ويَسْمـعَ هَمْسَـهُ.... ويَضُخَ في شريانـهِ... شريانـي
لابُـدَ للعيْنيـنِ... أن تَتكَـحَّـلَا.... والرِمشِ فوقَ الرِمـشِ يلتقيـان
لابُـدَ للكفـيـنِ أن يتصَافَـحَـا.... ويمرَ دِفءُ الحُبِ عبْـرَ بنانـي
لابُدَ أن تَلْقَـى الشِفـاهُ شِفَاهَهَـا.... ويَذوبَ ريقُ الوردِ في نيرانـي
لَابُدَ للصَّـدرِ الـذي كَـمْ ضَمَّنـي.... وصَنَعْتُ مَرْمَرَهُ علَى أحضَانـي
أن يَجمعَ الدِفءُ الجميـلُ شتَاتَـهُ.... ويَغِيبَ فـي رُمَّانِـهِ... رُمَّانـي
هذي الحقيقةُ كيْفَ أُنكِرُ أصْلَهَـا.... وأنـا وأنـتِ كوَاحِـدٍ لا اثنـان
الحُـبُ يحمِلُنـا إلـى غابـاتِـهِ.... لنعيشَ في رَوْحٍ وفـي رَيْحَـانِ
ومدائنُ الأحـلامِ تحمِلُنـا معـاً.... وتَضُمُنَـا كالفُـلْـكِ والـرُبَّـانِ
مَا أجملَ اللُقْيَا وأعظـمَ لحظـةٍ.... أن يُمْـزَجَ الإنسـانُ بالإنسـانِ
واللهِ لولا الحبُ ما قامـت لنَـا.... دِّوَلُ القلـوبِ ونامَـت العينـانِ

وحيدا على ضفاف النيل ، قد شفه الوجد وألمه البعد .
يحاور نفسه ويطرح عليها أسئلة هو يعرف إجابته جيدا .

مـائي .. ونارك كيـــف يلــتقيان .... والشاطئ المسحور ليس يراني ؟
أنظـل تجمعـــنا الرؤى ويـضمـنا .... ليل .. ونمضــي في دنا النسيان .
أصحو أرى نفسي أفسر ما جرى.... في نيل مصر و أنت في اليونان .

حوار لم يغفل فيه حبيبته فاستخدم ضمير الخطاب رغم غيبتها و بعدها ،
حوار أشعل ما تبقى من فتيل الشوق عنده ، فخرجت أمنياته وتطلعاته كخيوط الضوء تنساب انسيابا لتشكل مشهدا حيا ترجم فيه الشاعر كيف يكون الحب وكيف يكون الإنسان العاشق .

لابد للقلب الذي مــن نبضــه.... نبضي يردد سورة الرحـمن
أن يلتقي قلبي ويسمع همسه.... ويضخ في شـريانه شرياني

وهنا تظهر فلسفة الشاعر بل العاشق المتيم ، واضعا عنوانا عريضا لتلك الفلسفة سماه " الاندماج والامتزاج "
بدأها باندماج قلبه وقلبها في لحظة حميمة أتنتج تلاحما ضخت بموجبها الشرايين في بعضها .

لابد للعينين أن تتكحلا ....والرمش فوق الرمش يلتقيان

ويستمر شاعرنا في تفصيلات عنوانه وفي كل تفسير يأتي بتأكيد على أن الاندماج والامتزاج أساس لكل لحظة من لحظات الحب الساخنة .، حتى في تلك الشعيرات الصغيرة في جفن العين لابد أن تنال من الاندماج حظا ونصيبا .
حالة فريدة من الحب عاشها شاعرنا ولحظات نثرت مكنون النفس .
ثم ينتقل لنقطة لا تخلو منها لحظة لقاء وهي التصافح ولكنها عند المتيم ثروت تختلف فليست روتينا اعتاد المتقابلان على فعله بل هي عنده حالة أخرى من الامتزاج ولانصهار وحالة تروي عنده لهفة من لهفات المشتاقة .

لابد للكفين أن يتصافحا ....ويمر دفء الحب عبر بناني

حالة نفسية تحدث عنها علماء النفس كثيرا وهي حالة التصافح وما تحمله من دلالات متعددة , فيعرف من خلالها الا مبالي ويعرف بها كذلك والمجامل ؛ وربما استخدم الضغط على الكف كتنبيه وربما للإعجاب وفي أحيان أخرى للإشادة والتشجيع .
وشاعرنا تناول تلك الحالة تناولا مغايرا فجعل منها تواصلا روحيا يلامس بها مكامن النفس وما فيها من لهف و وجد .

لابد أن تلقى الشفاه شـــفاهها.... ويغيـــب في رمانــه رمــــاني
لا بد للصدر الذي كم ضمـــني.... وصنعت مرمره على أحضاني
أن يجمع الدفء الجميل شتاته ....ويغيــب في رمانـــــه رمــاني

وهنا سيتوقف القارئ لا محالة ، وسيعيد القراءة مرات عدة ليمعن النظر في هذا المشهد ،
مشهد استطاع الشاعر فيه أن يرسم الموقف بحرفية وبراعة ، وكأن القارئ يشاهد مقطعا سينمائيا لا أبيات شعرية .
هنا أكثر لحظات اللقاء سخونة وعمقا هنا الاندماج والامتزاج هنا التقارب بكل تفصيلاته و أشكاله هنا يذوب ريق الورد في نيران المشتعل شوقا هنا يتكون الكيان الواحد بعد أن تلاحمت مكوناته وتمازجت .

هذي الحقيقة كيف ينكر أصلها.... و أن و أنت كواحد لا اثنان

من ينكره يا ثروت سليم لن ينكره إلا متحذلق بالحب سقيم .

ثم يبدأ الشاعر المتيم وقد ارتوى عطشه وانجلى همه واتحدت أجزاءه بترجمة فلسفته وبيان قواعدها التي بنيت عليها معززا رؤاه و مؤكدا إياها بلحظات من لاندماج والامتزاج وصولا لقاعدة يؤمن بها العالم بأسره معززا إياها بقسم ، وقسمه و أمثاله لن يحنث أبدا " نعم الحب هو عمار القلوب ودوله وبه تنام الأعين وتستكين .

الحــب يحمــلنا إلى غـــاباته.... لنعيش في روح وفي ريحان
ومدائن الأحلام تحمـــلنا معا.... وتضمـــــنا كالفلــك والربان
ما أجمل اللقيا و أعظم لحظة.... أن يمزج الإنــسان بالإنسان
والله لولا الحب ما قامـت لنا.... دول القلوب ونامت العيــنان

جهد متواضع أمام عمل عظيم ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, عابر سبيل