صاحب الكوخ
... فلم يجد ما يهون عليه مكابدة الترحال المتواصل ووحشة الإغتراب، بعيدا عن الديار التي غادرها بالأمس النائي وحيدا، وحن اليوم إلى رسمها وأهلها حنينا شديدا ...
وما إن حل غريبا بين أهل القرية التي قدم إليها منذ أعوام أدبرت باحثا عن والده مثل ما قدم إليها اليوم، حتى قصد في مشيه يريد أحد الأكواخ، دون سابق تعيين له أو اختيار، لعل صاحبه يجود عليه داخله بركن هادئ يستريح فيه من وعثاء سفره الطويل، ويقيه من حر الشمس ولسع سياطها القائظة، وعسى أن يستقبله من فيه بما يؤنسه من طيب حديث يخفف عنه بعض الذي يؤلمه من الفقد العسير ويؤرقه من الشوق الجارف، أو يمده بقبس جديد يمكنه من العثور على والده ويكون سببا في ملاقاته، أو يدله على سبيل يسلكه من أجل الإهتداء إلى مكانه ...
لم يكن السؤال عن والده بالأمر الهين عليه، على الرغم من اعتياده توجيهه إلى كل من يصادفهم في حله وترحاله، فقد ألف أن ينبض به فؤاده المحترق قبل أن يجريه لهيبا على لسانه، وهو ذات السؤال العاصف الذي كان يحدث في أعماق نفسه الرجفة تلو الرجفة ...
وقف غير بعيد مشرفا على الكوخ الصغير، فأرسل صوته المبحوح من شدة النصب مناديا على صاحبه، إلا أن المناداة لم تطل به، إذ خرج إليه شيخ طاعن في السن، فما إن رآه وتبين ملامح وجهه ونبرات صوته حتى اغرورقت عيناه بالدمع الغزير ...



د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

aghanime@hotmail.com