شَطَرَتْ دقات الثانية عشرة مساء ً نِصفَي تلك الليلة الحالكة الظلمة ، السماء ترعد وتزبد غضبا لتلطم قطراتها معطف رضوان القرمزي ، وتصفع - دون رقة - كيسا يحمله بيديه .

كانت خطواته تعانق طرف شارع قروي بتؤدة ٍ تلفت النظر أول الأمر، ثمة خيال يتبعه كظله من جهة اليمين ، استدارت عيناه ببطء – دون أن يحرك عنقه - لتلمحان شبح ذلك الظل الذي يسايره حذو النعل بالنعل .

" تبا لهذا القلب الذي تضور جوعا ليخرجني في هذه الليلة الكئيبة لأحضر بعض المعلبات ، هل كان ذلك مبررا كافيا يغري قدماي بالخروج ؟
لماذا لم أدُسَّ رأسي تحت الفراش لتنتهي القضية وأنام ؟"

كان صراخ المطر وحفيف الاشجار الجنائزي على جانبي الطريق عاملان أساسيان عززا ارتفاع منسوب الرعب في داخله ، هرول قليلا ، والظل يتبعه

" ترى من هذا الذي يلاحقني ؟
نعم لا بد أنه قاطع طريق
ولكن هل انا – بكل ما أمتلكه من بساطة واضحة – فريسة ٌمغرية ٌ لقاطع طريق ؟
وعلى افتراض أن هذا اللص الأحمق قد خمن أن معي شيئا يستحق السرقة ، فلم َ يعذبني حتى اللحظة ؟
لماذا لا يدس خنجره في ظهري ويريحني قبل أن يريح نفسه ! "

كان لسانه حلبة ً تتصارع عليها هذه الأسئلة وهو يغذ السير مسرعا وقد ظهرت على ملامحه بوادر نفاد الصبر ، وعيناه تعكسان احساسا بالذعر .

بلغ مجهودا خرافيا للتغلب على ضعفه ثم توقف مرة واحدة ، نظر بطرف العين ليجد شبح الظل منتصبا بجانبه ،
تسمرت قدماه وكانما قدتا من رصاص فتملكه ضعف هائل ، ولكنه تمالك نفسه بجهد خارق ثم أطلق ساقيه للريح ، أخذ يعدو ويعدو تلفت يمنة ليجد الظل يتبعه .

أدرك أنه بات أقرب إلى الجنون مما جعله يفتقر في تلك اللحظات للوعي الكافي لتحليل الموقف

" إن التمسك بهذا الكيس – مطمح ذلك اللص - تفكيرٌ يتسم بالغباء لرجل يريد أن يحافظ على حياته مثلي ، إذن لا خيار أمامي سأرمي لذاك الكلب هذه العظمة من يدي "

قذف رضوان الكيس وهو يعدو ثم أزاح يعينه دون أن يحرك رأسه ليجد الظل متشبثا بمطاردته

"اللعنة إذن يريد حياتي ! "


كان تفكير رضوان يتركز في كيفية اجتياز تلك الأمتار البسيطة للوصول إلى باب شقته ، كانت تلك الأمتار العشرة بحجم قارة تتحدى عدو قدميه اللتان عَقـََل الرعبُ القاتلُ حركتهما

وصل البيت ، ووارب الباب بحركة سريعة وبدت عيناه الحادتان تلتمعان وسط الظلام الحالك الذي يطوي الشقة ، تسابقت أنامله لتديرا مصباح الضوء

"الآن أنا هنا فلتذهب إلى الجحيم أيها الوغد! "

كانت عنقه تتخذ وضعا ثابتا دون حراك ، حاول أن يثنيها ليتأكد أنها مازالت تؤدي وظيفتها ، التفت يمنة لتتسمر عيناه على منظر الظل !

كان ظل المعطف !