"...أمهليني..."


هي لم تنسى زمنا كان في عمرها
في طفولتها...في ربيعها...في...
هي لم تنسى ما غار عميقا في قلبها
ما ترسخ مثل الجذر في ذاكرتها
أفرحها بقرب ...آلمها بفقد...
دفعها إلى ركنها المنسيّ
لتنزوي بكل ما تحمله مع وِحدتها...
لتنسى أو ...لتتذكر...
سكّنتها الخلوة حينا...و حينا أرَّقها حنين و ذكرى...
و ألم...
ولجت يدها عميقا ...محاولة إجتثاث الألم من صدرها
و إذا به يلوح مربوطا بعروقها
أفزعها ...فأعادته و العروق إلى مكانه...عميقا في صدرها...
....

و إستوقفت فرس الزمان بكلمات...من عنائها

~ ~ ~


على رِسلك يا فرس الزِمان أمهِليني

فقلبي ما تغير من أعوام و ما فيني

أغيره بين الحين و الحين،... خليني

أخط على جدار أيامي و سنيني

ما راح من فقدي و حنيني

فخوفي ما تكون لي عودة

و لا يدق الفؤاد ثانية بمثل رنيني

الذي كان من ماضي زماني

و الذي لم يفارقني إلى الحين

خليني أكتب للشهيد ما سال من جفوني

ما كان من تعبي و نزفي و أنيني


~ ~ ~


كنتَ حيا ما عرفتَ الخوف والآهات

كنتَ حُرا ما عرفت الصمت و الترددات

ناضلت و كنتَ المِدفع في الساحات

كنتَ الأسد في أدغال الوغى و الغابات

و خلفك ركضتُ إلى الموت و النكبات

إلى الأنفاق إلى المجازر و المذبحات

و فيك عرفتُ ما الشجن ما الألم ما العبرات

و فيك عرفتُ ما المُرّ ما التيه ما الزفرات

و فيك عرفتُ ما الفقد ما الكبت ما الانفلات

و فيك سمعتُ أصوات العذابات

و تجرعتُ حنظل المذاقات

كنتَ الحرّ و الموتُ بل الشهادة رفعت

روحك إلى أعلى السموات

و ضمّتِ الأرض ضلوعك الطاهرات

إلى حين البعث بعد الممات

و من أجلك كنستُ مقابر الأموات

و سِحْتُ بين مهجور السكنات

فلم تبارحني الرغبات و لا الذكريات

و لا الحنين و لا الاشتياقات

بل انتصبت خيالاتك في كل الجنبات

و أجّجت فيّ نارا ضوَّت كل الركنات

فانتفضتُ مثل البركان بكل الثورات

و كسَّرْتُ الحجر القاسي كي أحطم كل الرغبات

كل الحنين كل الإشتياقات

تفتت الحجر و ما تحطمت الرغبات

و لا الحنين و لا الإشتياقات

أضناني القلب و أنهكتني الحيرات

و ما عرفت مكانا أستقطع فيه اللحظات

إلا هناك عند أطراف الغابات

ها أنا ذا أنتهي إليك يا كهف الظلمات

و أغطي مدخلك بأغصان الشجرات

و آوي إلى ركن رطب من الركنات

يفوح فيه الطحلب و التراب بميز الرائحات

و ها أنت تجاورني يا جدار الظلمات

تمنحني صمتا أو ربما إنصاتا

و لذراعي برودة اللمسات

ماذا أقول لك يا جدار أم ماذا أخط عليك من كلمات

خليني أخط عليك كل الكلمات

فما عاد قلبي يهوى الصمت في حضرتك

و لا عاد يعرف الهدوء و لا السكنات

إني الفرسُ... مُرَوِضُها آسِرٌ ... ساقها إلى الوغى

و ما في الوغى من أخوات

سكنتِ القلب بما لا يُمحى من الآثار

و الذكريات

حلقتْ روح المُرَوض إلى رب الملكوت

فلم تعرف الفرس بعده و لا خيالا من الخيالات

جمحت و ما عادت تحتمل القيد و الربطات

عشقت الانطلاق و الأرض الممتدة و الحُريات

و أثارت التُرب بغُبار و دكـّت بحوافرها العاديات

كل الحصى و صلب الحجر و الشوكات

و في القلب رَمْيٌ لِدَكِّ ما هو أمرُّ مما

علا الأرض من مرارات

لكن القلب أخفق عن محو ما لديه من مفقودات

و في قلب الأرض ترقد أجساد المفقودات

و في السماء تحلق أرواحها العبقات

و الحوافر ما توقفت عن الركض تجابه الريح

في السرعات...

تثير الأرض صبحا و عشيا... موريات مغيرات

~ ~ ~

يا الله ...حار القلب في تعبه و دُنياه و الأنَّـات

و زادت كمَّلت عليه ليالي المنامات

ما تركته يرتاح لا دقائق و لا ساعات

كيف الهروب؟ إلى أين؟ ...ضاقت الأنفاس والطرقات

إلاَّ إليك

إلاَّ إليك يا رب الأرض و السموات