جلست وحيدة في الغرفة ، الصمت خيم على المنزل لأن الكل كان قد خرج. إنها شريكة الصمت الآن، شعرت بالوحدة.

تحركت الرياح خفيفة في حديقة المنزل الصغيرة ، إنها بداية الخريف ....شعرت بقشعريرة تسري في جسدها و بحاجة إلى الخروج ، فحملت جسدها النحيل وخرجت إلى الحديقة.

مشت بخطوات متثاقلة نحو ذلك الجذع العتيق حيث اعتادت أن تجلس حين تكون وحيدة. أسندت ظهرها إليه و إستسلمت إلى الشرود.....شريط الماضي يمثل أمامها .

يحدثها بصوت داخلى : لقد تغيرت كثيرا يا فاطمة ، قبل 6 سنوات كنت إنسانا و الآن أنت إنسان آخر. تجيبه : حقا لقد تغيرت و تغيرت و كأن كل العمر قد مضى..يسألها : ما سبب ذلك يا فاطمة؟ .تجيبه: سبب ذلك هو قلبي ، قلبي الذي لم أفهمه و لست أفهمه حتى الآن ،....... لماذا يا قلبي؟.....لماذا أحببت إنسانا كان من المستحيل أن أكون له أو يكون لي ، ألم تعي كل تلك الظروف ؟

ظروف كثيرة و كثيرة لا حصر لها ، ظروف منطقية و واقعية... و... و .... تجعل إمكانية أن أكون مع ذلك الإنسان مستحيلة و ضربا من الخيال ، لماذا أحببته يا قلبي ؟ و عذبتني بحبه ؟ سافر المحبوب إلى رحلة اللاعودة في الزمان و المكان و أنت ، كي تخفف الألم ، هربت إلى الوهم و أقحمتني معك في الخيال و سراب الأمنيات التي لن تتحقق . عشت حياة الوهم طويلا معك مع قلبي ، أنسيتني من

أكون و ماذا يجب أن أكون ، أضعت بضع سنين من عمري ، لم أدري كيف مضى ليلها و نهارها. و الآن بعد كل هذا الوقت لم أعد أشعر بأني نفس الإنسان ، لست فاطمة التي كانت قبل أن تحب ، و لست فاطمة التي أحبت....، بل إنسان آخر بقلب ثقيل يستثقل كل

شيء ، خائر الإرادة ، ميت المشاعر رغم خفقانه ، ... يحدثها الصوت الداخلي مجددا : إن حسين شاب طيب و محب لك ، يمكنه أن ينسيك الماضي و يشفي الجراح ، و كل الظروف مناسبة للم شملكما. تطيل فاطمة الصمت .......و تشعر بتثاقل.... ذلك التثاقل الرهيب....قلبي عاجز عن العطاء .....لماذا أنت هكذا يا قلبي ؟ لماذا أنت عاجز عن حب من يمكنه أن يكون لي ؟ لست أفهمك ، لست

أفهم سوى أنك تعذبني و تشتت أفكاري و ترهق عقلي . أعلم أنك ستنافق حسين لأنك عاجز عن حبه ، حسين ذلك الإنسان الطيب الذي يحبني و الذي أكن له كل الإحترام ، لا يستحق أبدا أن أبادل قلبه المحب بقلب بارد منافق ، لا يستحق تلك المشاعر الباردة أبدا ...كم أنت قاس عليه يا قلبي. ليتك تتغير مع الوقت ...يرهقني غموضك و يجعل مني كيانا مفككا عاجزا لا يمكنه العطاء. ليتك تتغير يا قلبي و إن لم تتغير فليتك تخبو إلى الأبد .