قصيدة للصحابي حبيب بن عدي رضي الله عنه

لقد جمع الأحزاب حولي و ألبوا قبائلهم و استجمعوا كل مجمع
و قد قربوا أبناءهم و نساءهم و قربت من جذع طويل ممنع
و كلهم يبدي العداوة جاهدا علي لأني في وثاق بميضع
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي و ما جمع الأحزاب لي عند مصرعي
و ذلك في شأن الإله و إن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
و قد خيروني الكفر و الموت دونه و قد هملت عيناي في غير مجزع
و ما بي حذاري الموت إني لميت و لكن حذاري جحم نار ملفع
فلست بمبد للعدو تخشعا و لا جزعا ؟ إني إلى الله مرجعي
و لست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يلاحظ أن الشاعر راوح في صياغته للقصة بين الفعل الماضي والفعل المضارع فقد جاء البيتان ( الأول و الثاني ) بصيغة الماضي , إذ عطف بين الأفعال الماضية ( جمع , ألبوا , استجمعوا , قربوا , قربت ) و ذلك في معرض روايته للخطوط العريضة للحدث و احتشاد الأفعال على هذه الصورة ينم عن السرعة في التنفيذ مما يكشف عن الحقد الدفين.
كما أن الشاعر حين أسند الفعل إلى ضمير المتكلم ( قربت ) بناء للمجهول حتى يتبين له أن ليس له في الأمر حيلة , و حين لجأ إلى استعمال الأفعال المضارعة تلبٌث عند التفصيل ليكشف عن المحنة المروعة و يبرزها في صورة حية, ولهذا جاءت جملة طويلة فيها احتفال بمكملات الجمل كالحال و أدوات الربط و الجار و المجرور ليكشف عن الكيفية التي عومل بها و استخدام مؤكدات الفعل ( قد ) بصورة ملحوظة ( و قد خيروني ) و ( و قد هملت ) كما استخدم وسائل التوكيد و الباء الواقعة في خبر ليس ( فلست بمبد ) و إن التو كيدية ذاتها والتقديم الذي يفيد التخصيص ( إلى الله أشكو ) و لكنها تكشف عن يقين قار في نفس الشاعر يعضد ذلك تكرار استخدام ( ليست ) النافية و استخدام صيغ اسم المفعول من الأفعال المضعفة مثل ممنٌع , ممزع , ملفع و ما إلى ذلك .
زاوج الشاعر بين أسلوب القص و الوصف و التقرير , فوظف القص في تكثيف الواقعة و تقديمها مركزة , و استعمل الوصف ليبرز تضاريس المشهد الذي كان جزءا منه أما التقرير فقد كشف عبره عن موقفه الصلب الذي لايلين.
أبرز الشاعر في صياغته للتجربة العنصر الذاتي و الوجداني و ذلك باستخدام ضمير المتكلم و الإسناد إليه فضلا عن الإضافة إليه أيضا
معجم الشاعر قرآني إسلامي : الأحزاب , وثاق, الله , يبارك , التخشع , الجزع ,مسلم .. الخ و لم تكن مثل هذه الألفاظ مألوفة أو شائعة كثيرا في الشعر الجاهلي.
هذه الأبيات مقطوعة ليس فيها اصطناع لأعرف أدبية أو فنية تقليدية لأن الموقف لا يحتمل التقبيح و التكلف , فهو موقف نادر يواجه الشاعر فيه الموت وجها لوجه .
في كلماته إيقاع حزين يتجلى في بناء الكلمات بناء لا نتوء فيه و لا خشونة حيث الإضافات المتكررة و ياء المخاطبة التي تبدو فيه نبرة البوح الوجداني و في تلك الحروف الحلقية و الحروف ذات المخارج العميقة و ما يسبق حرف الروي من تشديد ينم عن مبلغ المعاناة التي يحسها الشاعر .
تخلو المقطوعة خلوا تاما من الصور البلاغية أو الحلية اللفظية أو الصيغ الإنشائية التي تشي بالانفعال و الاضطراب و كل ما فيها يدل على الاطمئنان و التعبير الهادئ المفعم بالصدق.
دلف الشاعر إلى موضوعه مباشرة و توفرت في القصيدة وحدة الموضوع و اقترب بها أسلوب القص من مشارف الوحدة العضوية .
أثر الإسلام في القصيدة يتضح في المعجم القرآني الصافي كما سبق أن أشرت و يتبدي في صميم المعاني ففيها حديث عن سلوك الكفار و أخلاقهم , ثم الشكوى إلى الله و الإيمان بان الموت قدر مقدر و الاحتشاد بروح الجهاد و رفض الاستسلام .