عمرها أكثر من 60 عام...ما ضر لو استبدلنا كلمة "الأمريكان" بكلمة "الإنكليز فيها
"يوم الفلوجة"... قصيدة الرصافة المتجددة بالدم
ما أشبه الليلة بالبارحة.. فمدينة الفلوجة العراقية كانت خلال الأيام الأخيرة محوراً لأحداث جسام، واجهت فيها المقاومة الباسلة لأهلها قوات الاحتلال الأمريكي المدججة بالسلاح، وحرمتها من دخول المدينة.وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه؛ فأثناء الحرب العالمية الثانية قبل حوالي 65 عاما، وبالتحديد في العام 1941م، وبينما بريطانيا قد فرضت انتدابها على العراق، بعد أن احتلته قواتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى وفصلته عن الدولة العثمانية، حاولت قوات الاحتلال البريطاني دخول الفلوجة لتأديب المقاومة ضد المحتل، فواجهت دفاعا مستبسلا وشرسا من أهلها، فلجأت إلى أبناء الأقليات، وسلطتهم لإيذاء الأهالي.وقد سجَّل شاعر العراق الراحل "معروف الرصافي" هذه الأحداث مصوراً كبرياء وعزة أهل الفلوجة البطلة ومقاومتها ضد الاستعمار عام 1941 في قصيدة بعنوان: (يوم الفلوجة)، وكأنَّ التاريخ قد أكمل دورته خلال ما يربو على ستين عاما، فعادت قوات بريطانيا متحالفة مع أمريكا لاحتلال العراق، لكن قوات بريطانيا قد وعت الدرس واكتفت بجنوب العراق، تاركة قوات الاحتلال الأمريكي يقودها الغرور لمصيرها المشؤوم في مواجهات دامية مع مجاهدي الفلوجة الأبطال في وسط العراق.بينما صمود أبناء الفلوجة في مواجهة أعتى قوة على سطح الأرض، أمر يشبه المعجزة، فالحرب صارت بين أمريكا (العظمى!) والفلوجة، مثلما كانت قبل قرن بين بريطانيا العظمى والفلوجة.وما ضر لو استبدلنا كلمة "الأمريكان" بكلمة "الإنكليز" التي وردت في مطلع القصيدة، فلن يختلف السياق كثيرا،.. وما أشبه الليلة بالبارحة!
يقول الشاعر الرصافي:
أيها الإنكليز لن نتناسى ***** بغيكـم فـي مساكـن "الفلوجـة"
ذاك بغي لن يشفي الله إلا***** بالمواضـي جريحـه وشجيجـه
هو كرب تأبى الحمية أنا ***** بسوى السيـف نبتغـي تفريجـه
هو خطب أبكى العراقييـن***** والشـام وركـن البنيـة المحجوجـه
حلها جيشكم يريد انتقاماً ***** وهو مُغـرٍ بالساكنيـن علوجـه
يوم عاثت ذئاب ( آثور ) فيها***** عَيْثةً تحمل الشَنـارسميجـه
فاستهانت بالمسلمين سَفاهاً ***** واتخذتم من اليهـود وليجـه
وأدرتم فيها على العُزْل كأساً ***** من دماء بالغدر كانت مزيجـه
واستبحتم أموالها وقطعتم ***** بين أهل الديـار كـل وشيجـه
أفهـذا تمـدن، وعـلاء***** شعبكـم يدّعـي إليـه عروجـه
أم سكرتم لما غلبتم بحرب ***** لم تكن في انبعاثهـابنضيجـه
قد نتجنا لقوحها عن خِداج***** فلذاك انتهـت بسـوء النتيجـه
هل نسيتم جيشاً لكم مُبْذعرَّاً ***** شهدت جُبنه سواحـل إيجـه
وهوى بانهزامه حصن "أقريط" ***** وأمسى قذىً علـى "عيـن فيجـه"
سوف ينأى بخزي وبعار***** عن بـلاد تريـد منهـا خروجـه
لا تغرنكم شِبـاكْ كبـارٌ ***** أصبحـت لاصطيادنـا منسوجـه
لستم اليوم في المسالك إلا ***** جملاً تحـت صـدره دُحروجـه
وطن عشت فيه غير سعيد***** عيش حر يأبى على الدهر عوجه
أتمنى فيه السعادة لكن ***** ليـس لـي فيـه ناقـة منتوجـه
أخصب الله أرضه ولو انّي ***** لست أرعى رياضـه ومروجـه
كـل يـوم بعـزّه أتغنـىّ ***** جاعـلاً ذكـر عـزّه أمزوجـه
ما حياة الإنسان بالذل إلا ***** مـرة عنـد حَسْوِهـا ممجوجـه
فثناءً (للرافديـن) وشكـرا ***** وسلامـاً عليـك يـا فلوجة