أرجوك سامحيني :



صعد درجات السلم الأخيرة يتعثر في خطواته ، أحس حوله الدنيا كبستان مهجور تملؤه الأشواك و الحشائش المتوحشة ، حين مد يديه ليفتح الباب أصابته نفحة من تردد ، وجد ماضيه كله منبسطاً أمامه كلوحة تجريدية ، أعاد نفسه إلى واقعه بلحظة حزم ، ضغط مزلاج الباب بقوة كأنه بذلك يغلق باب ذكرياته الهادرة كالسيل .
رائحة الموت تعم المكان ، الجسد مسجى على السرير ، و مغطى كله بأحد أغطية النوم ، شعر وهو يقترب منه أنه يسير في عالم آخر ، اقترب من رأسها ، مد يديه ليرفع الغطاء فوجد شيئاً يمنعه ، و أحس أن برزخاً ما يفصل بينه و بين يديه .
كانت جدة فاضلة ، تأخر عن زيارتها زمناً ليس بالقصير ، مع علمه قدر محبتها إياه ، و هو يتذكر تفريطه في حقها انتبه ليجد نفسه قد حسر الغطاء عن وجهها دون أن يشعر ، وجد وجهها أمامه جامداً به مسحة من شباب ، بدت له قوية كما لم تبد من قبل ، ثابتة كما لم تبد من قبل ، صارمة كما لم تبد من قبل .
أصابته رعشة من خوف لم يدر سببها ، وجد نفسه دون تفكير يعيد الغطاء إلى وجهها ، يحث الخطى إلى باب الغرفة دون أن يلتفت ، ينزل باب السلم بخطى متثاقلة .
لم يعرف أحد ممن شهدوا الحادث في الطريق لم و كيف كان يقطع الشارع دون أن ينظر حوله ، كان ينظر للأمام دون أدنى التفاتة كأنما يحدق في شيء من الفراغ ، و حتى حين كان ملقى على الأرض كان لا يزال ذاهلاً يشخص ببصره نحو السماء و هو يتمتم : أرجوك سامحيني .... أرجوك سامحيني .