صدر للشاعر المغربي أحمد بهيشاوي ديوانا شعريا في 46 صفحة من الحجم المتوسط عن دار نعمان للثقافة ويعتبر هذا الديوان مجموع ما جادت به قريحة الشاعر من آهات وتجليات و أحاسيس صاغها في شكل قصائد من الشعر التفعيلي.
ولعل الملاحظ في هذا الديوان هو غربة وغرابة الألفاظ التي استخدمها الشاعر انطلاقا من العنوان وانتهاء بمفصليات الكلمات المشكلة لهذا الديوان ولعل ثقافة الشاعر وغوصه في أعماق اللغة يشفعان له بذلك ، بحيث إن الشاعر أحمد بهيشاوي يعتبر أستاذا لمادة اللغة العربية و آدابها فقد خبر أسرار اللغة وخباياها فجاءت قصائده وليدة هذه الخبرة وهذا التعمق في مكامن اللغة واختيار الألفاظ الدقيقة المناسبة للأحاسيس الشعرية .
إن تعمق الشاعر في بحور اللغة وبحور الشعر وقراءاته المتعددة لأمهات الكتب و الدواوين الشعرية جعلته ينظم قصائده في مستوى ما قرأ ومن هنا جاءت هذه الغربة وهذه الغرابة في أشعاره ، فالشاعر يكتب لفئة معينة من القراء لفئة خبرت اللغة وعرفت أبعاد الكلمة ، بهذا فالشاعر لم يعبر عن أحاسيسه لكي ينزل بها إلى الحضيض بل طلب من القارئ الصعود إلى مدارج المعرفة ليلتقط هذه المعاني الجميلة بلغتها الحية الراقية ، إن القارئ لديوان "هسيس الدهشة" يشعر و كأنه يقرأ منظومة من الفلسفة الجمالية أو يقرأ جدارية لرسام من الفن التجريدي لأن قصائد هسيس الدهشة لوحات مختلفة تجمع بينها أحاسيس واحدة أحاسيس الشاعر المتأثر بالبيئة بيئة بني ملال الخلابة المرهفة المشاعر .
إن الغرابة تبدأ من العنوان وهو المفتاح إنه المدخل لكل قراءة ، فالشاعر لم ينتق هذا العنوان بالصدفة بل كان اختياره وليد تأثره بالطبيعة وجماليتها لكن هذا الاختيار كان من نوع آخر من حديث الطبيعة وكأن الشاعر يشعر القارئ بحديثه مع الطبيعة وشعوره بالدهشة التي يحدثها هذا الحديث وهذه المناجاة إنها لحظة من لحظات تداخل ذات الشاعر مع الطبيعة فتبدأ في الرد وتحدث فيه هسيسا سماه بهسيس الدهشة.
و مع أول الودق/أطلت/ خاطرة ندية/تنثر / هسيس الدهشة/
وبهذه المناسبة نتذكرشعراء ساروا في هذا الدرب مثل أبي القاسم الشابي وبدر شاكر السياب وغيرهما من الشعراء الذين تشعر في قصائدهم وكأنهم يناجون الطبيعة يخاطبون الأشجار و الرياح و المياه العذبة التي تنساب انسيابا مما جعل أشعارهم تنساب على صفحات دواوينهم انسيابا.
قصائد شعرية ترقى بالحس و الذوق وتجعل القارئ المتلقي شاعرا يعيش هذا الحس وهذا الجمال ، كما أن قصائده التي تناول فيها الرؤية الفكرية و الفلسفية للواقع تجده صادقا فيها ففي قصيدة دولاب تشعر بالشاعر له نظرة خاصة إلى الحياة فيعتبرها دولابا مليئا بالأسرار و بالأحلام المبعثرة المغتالة ( أفتح دولاب أيامي/ألمح أحلامي/مبعثرة/على الرفوف)
يشكوا من خلالها معاناته مع غدر الزمان لكن رغم ذلك فنظرته إلى الحياة لم تكن موصدة بل ترك باب الأمل مفتوحا بل هو بنفسه فتح نافذة يطل من خلالها على مستقبل زاهر مليئ بالطموح و الأمل( عود إلى بدء/أغلق دولاب أيامي/أفتح شرفات الأيام/أقرأ أحوال طقسي/فأشذب أشجار الأحلام).
وقمة البوح عند الشاعر أحمد بهيشاوي ستظهر من خلال قصيدته بني ملال وهذه هي قمة العطاء في حق المدينة الربيعية قمة العشق و الولع بهذه الميدينة الخصبة الممتعة التي يشبهها بالمرأة الجميلة التي تنام في أجفان الأطلس إنها قمة في التصوير قمة في العشق و التماهي ، إنها لحظة من لحظات التجريد وتجسيد الجامد وكأنك تشعر بمدينة بني ملال مرحقة من تعب الزمن وإنهاك الزمن لكن رغم ذلك فهي الشجرة التي لا تدبل وتبقى دائما خضراء يانعة معطاءة.
إن للمدينة وجمال المدينة وعشق المدينة أثر كبير في رؤية الشاعر للحياة ، للناس الذين وصفهم الشاعر بطيبة النفس وأنهم يحبون الأمن و السلام وأنهم يرحبون بالضيف ويعشقون اللمة و الجماعة والتعاون فيما بينهم، فقصيدة فراق بمفردها تاريخ يسجل دورة حياة أهل بني ملال وظيفة الأم التي تحلم بمستقبل زاهر لأبنائها الأخت التي تلعب بظفيرتها الأخ الذي يبتكر الأب الذي يقرأ القرآن .
إن القارئ لديوان هسيس الدهشة يشعر و كأنه أمام آلة تصوير تعكس البيئة و المحيط الذي عاش فيه الشاعر لكن هذا الانعكاس ليس بشكل آلي ميكانيكي بل هو مزيج من الخيال و الواقع مما يرفع بالقارئ إلى نوع آخر من العوالم الذي يسميه النقاد بالعالم المتخيل ، إنه عالم يساهم في تقرير الواقع ، يساهم في إعطاء رؤية لهذا الواقع ، إنه خيال إيجابي وليس هروبا من الواقع و الانغماس في تجريدية تغرد خارج السرب.
محمد يوب
13-06-10