رسالة بعثها بديع الزمان الهمذاني إلى أستاذه وشيخه أحمد بن علي الفارسي اللغوي والنحوي المشهور رداً على رسالة كان قد أرسلها الفارسي إليه يعاتبه فيها على عدم تواصله معه ويقول له فيها يبدو أن الزمان قد فسد وأنك قد نسيت أستاذك فيجيبه الهمذاني :
الشيخ يقول لي فسد الزمان حفظك الله أفلا تقول لي متى كان صالحا أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها .يقصد ما حصل فيها من الفساد والظلم ....إلخ. أم المدة المروانيه وفي أخبارها لا تُكْسَعُ الشُوَلُ بأغبارها . وهذا مثل يضرب كناية عن كثرة النهب والسرقة والمدة المروانيه تبدأ كما هو معروف من مروان بن الحكم وحتى آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد. والشول هي النوق وكسع الناقة بغبرها أي ترك في ضرعها بقية من الحليب كي يغزر حليبها في اليوم التالي وكانت العرب تفعل ذلك وقد قال الشاعر الحلزة بن يشكري :
لا تكسع الشول بأغبارها
فإنك لا تدري من الناتج
أي لاتترك حليبا في ضرع ناقتك لأن اللصوص كثر وقد تُسرق فعلى الأقل انتفع بحليبها. ثم يتابع الهمذاني :
أم السنين الحربية :والسيف يُغمد في الطلا ....والرمح يُركز في الكلا ....ومبيت حُجْرٍ في الفلا ....والحرّتين وكربلا
و طبعا السنين الحربية نسبة إلى جد معاوية حرب بن أمية وهو يشير إلى فترة حكم معاوية ويزيد .وهذه الأبيات تحتاج لشرح طويل ليس هنا مكانه .ثم يعود الهمذاني إلى الوراء ويضيف : أم البيعة الهاشمية وعليٌ يقول :العشرة براس من بني فراس.
يقصد فترة خلافة الإمام علي. ويُعرّض بقول الإمام علي لجنده ليت أن لي بكل عشرة منكم رجلاً واحدا من بني فراس بن غنم وهم قوم اشتهروا بالشجاعة.
تتمة رسالة بديع الزمان الهمداني إلى أستاذه وشيخه أحمد بن علي الفارسي اللغوي والنحوي المشهور :أم قبل ذلك في خلافة عثمان والسفر إلى الحجاز والعيون إلى الأعجاز ... أم قبل ذلك والخليفة عمر يقول : وهل بعد النزول إلا النزول ..... أم قبل ذلك والخليفة أبو بكر يقول :طوبى لمن مات في نأنةٍ من الإسلام . والنأنة كمفردة هي الضعف.
ونأنة الطريق هي بدايته. ثم يتابع الهمذاني : أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانه فقد ذهبت الأمانه . أم على عهد الجاهلية ولبيد الشاعر يقول :
ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم
وبقيتُ في خَلفٍ كجلد الأجرب
أم قبل ذلك وأخو عاد وثمود يقول :
بلادٌ بها كنّا وكنّا نحبّها
إذ الناس ناسٌ والزمانُ زمانُ
أم قبل ذلك وآدم عليه السلام يقول :
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الأرض مغبَرٌ قبيحُ
تغير كل ذي لونٍ وطعمٍ
و قلّ بشاشة الوجه المليحُ
أم قبل ذلك والملائكة تقول : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .... الآية... ثم يتابع الهمذاني مخاطباً أستاذه : سيدي وشيخي ما فسد الناس وإنما اطّرد القياس وما أظلمت الأيام وإنما امتدّ الظلام وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا من صباح .