الشاعر الرائع سيد البيان
يوسف أبو سالم
ها أنا ذي أعود واقرأ القصيدة مرات
ولا أمل قراءتها لأني أجدها وحدها تغرد أحلى تغريد
وتتناغم تقاسيم حروفها أرق نغم وأعذبه
وهذا أروع شيء يفاجئنا في القصيدة للوهلة الأولى
ففيها من الموسيقى الداخلية مالا يضيف إليه نغم الوزن شيئا
ولو قدر لها أن تكون غير موزونة على تفعيلة من التفاعيل
لضجت مفرداتها بالنغم بذاتها
كأنما يدوزنها تلاعب أنامل عازف فنان دون حاجة إلى وتر
أَعْـرِفُ أَنَّـكِ مِصْرِيـَّةْ
ترى ماذا تريد أن تقول لقرائك؟
أتريد أن تقول : يكفي أن تكون مصرية لتكون حسناء القصيدة؟
أم ترى يكفي أن تكون مصرية لتكون قاهرتي ومدينتي وتاريخ النيل بأسره؟
لماذا يصرّح يوسف بكلمة مصرية لتكون وحدها غزلا من الغزل؟
ومرة أخرى ككل مرة أقرأ لك فيها نصا
أجدني استمتع بطريقة فنية جديدة
كهذا الفعل الماضي الموحي بالاستمرارية الأبدية في قولك
فأسْهرُ- أتلظى- أبحر- أعزف
متى؟ وأين؟ وكيف؟.. على التوالي
في لغط الشفتين- في خفر الخدين
في عمق العينين- في موسيقى الخصر
تعبير غاية في الإيحاء كأنما يريد المعنى أن يقول
فعل مستمر إلى الأبد لا يريد أن ينقطع
وبصراحة شديدة
أهم ما استمالني نحو الموسيقى هو عبقرية النسج
ذلك الاستخدام البديع للتكرار بشكل إيقاعي مدروس
ولم يأت التكرار اعتباطيا ولا عشوائيا
بل جاء على وتيرتين راقصتين مختلفتين
الأولى في
مِنْ أيّ هُطُولٍ
رَشَحَتْكِ الغيماتُ
على قلبي
مِنْ أيّ هُطولْ
وفي :
وبأيّ طلولٍ
أبحثُ عنْ نفحاتِ
هواكِ
بأي طلولْ
مد ثم سكون، هطول وطلول
ثم تستخدم في الثانية ساكنا بعد ساكن بدون مد
مالي والشَّعْـرُ
إذا هربتْ أمواجٌ مِنْهُ
تعُبُّ رحيقَ التفاحَاتِ
على الخدينِ
على الكتفينِ
أغيثوني ..مالي والشَّعـرْ
وفي:
مالي والثغرُ
وقد نضجتْ فيه الأقواسُ
فراحتْ ترتشف الشفتين
رُضَاباً عَسَلاً ما أشْهَى
مالي والثغرْ
لماذا اختار يوسف هذين النغمين المختلفين والمتشابهين معا
سؤال حاولت أن اكتشف جوابه
فجعلني أبحر في النص أكثر
ولعل من أبحر فيه اكتشف مثلي ما كشفت
أستاذنا الشاعر الكبير
كل قصيدة جديدة أقرؤها لك
تضيف إلى رصيدي الكثير
فشكرا لك