إلى من يرمون الشعر العربي القديم والحديث بالقصور والتقصير : قصيدة من عيون الشعر العربي
القسم الثاني ، وتتمة ما سبق
وفي خزانة الأدب ، ولب لباب لسان العرب ، لعبد القادر البغدادي
ولأهميته أنقله لكم :
وجران العود لقب شاعر من بني ضنة بن نمير بن عامر بن صعصعة.
والجران، بكسر الجيم.
والعود بفتح العين المهملة ، وسكون الواو ، وآخره دال مهملة :
هو المسن من الإبل.
كتب ياقوت بن عبد الله الحموي في :
حاشية مختصر جمهرة ابن الكلبي :
ومن بني ضنة بن نمير:
جران العود الشاعر ، واسمه عامر بن الحارث بن كلفة ، وقيل: كلدة.
وإنما سمي جران العود لقوله يخاطب امرأتيه:
عمدت لعود فالتحيت جـران هو للكيـس أمضى فـي الأمــور وأنـجـح
خــذ حـــذراً يـــا ضـرتــي فـإنـنـي رأيت جران العود قد كاد يصلح
والجران: باطن العنق الذي يضعه البعير على الأرض
إذا مد عنقه لينام ، وكان يعمل منه الأسواط .
فهو يهددهما. انتهى.
وكتب أيضاً في الهامش الداخل:
ومن بني ضنة بن نمير جران العود ، صاحب
الضرتين اللتين ضربتاه ، وخنقتاه ، فعمد إلى جمل
فنحره ، وسلخ جرانه ، وهو جلد ما بين اللبة إلى اللحيين من باطن
ثم مرنه وجعل منه سوطاً ، وهو يقول:
عمدت لعود فالتحيت جرانه .............البيتين
فسمي جران العود ، وذهب اسمه فلا يعرف.
وضنة بكسر المعجمة ، وتشديد النون.
قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء :
كان جران العود ، والرحال خدنين ، فتزوج كل واحد منهما امرأتين
فلقيا منهما مكروهاً ، فقال جران العود قصيدةً يذمهما
ويشكو منهما ، تقدم منها بيتان.
ومنها:
ألا لا تـغـرن امــرأ نوفلـيـةعلى الرأس بعدي أو ترائب وضح
ولا فاحم يسقـى الدهـان كأنـهأسـاود يزهيهـا لعينـك أبطـح
وأذناب خيل علقت فـي عقيصـةترى قرطها مـن تحتهـا يتطـوح
وفيها يقول:
جرت يوم جئنا بالركـاب نزفهـاعقاب وتشحاج من الطيـر متيـح
فأما العقاب فهـي منـا عقوبـةوأما الغراب فالغريـب المطـوح
هي الغول والسعلاة حلقي منهمـامكدح ما بيـن التراقـي مجـرح
خذا نصف مالي واتركا لي نصفهوبينـا بــذم فالتـعـزب أروح
وقال الرحال:
فلا بارك الرحمن في عود أهلهـاعشية زفوها ولا فيـك مـن بكـر
ولا الزعفران حيـن مسحنهـا بـهولا الحلي منها حين نيط إلى النحر
ولا فرش ظوهرن من كـل جانـبكأني أطوى فوقهن مـن الجمـر
فيل ليت أن الذئب خلـل درعهـاوأن كان ذا ناب حديد وذا ظفر
وجاؤوا بها قبـل المحـاق بليلـةوكان محاقاً كلـه ذلـك الشهـر
لقد أصبح الرحال عنهـن صادفـاًإلى يوم يلقى الله في آخر العمـر
وقوله: وكان محاقاً كله ذلك الشهر فيه إقواء.
وروى: وكان محاقاً كله آخر الشهر (5) .
2- جران العود شاعر جاهلي ، جيد الشعر ، حسن التشبيه
فصيح العبارة ، لطيف المعاني ، ألفاظه في الأكثر فصيحة
وشعره سهل عذب ، والغريب من ألفاظه يأتي عادة في القوافي .
وهو شاعر وجداني ، مرح ، خفيف الروح ، يمزج الجد بالهزل .
وفنونه الغزل والوصف .
وغزله صريح بريء الألفاظ ، غير بريء الإشارة .
ثم هو أمين على جاراته ، إنه يقول (ديوانه 28) :
فَما أَنا لِلمَطِيَّةِ بِاِبنِ عَـمٍّ ،وَلا لِلجارَةِ الدُنيا بِزير ِ (6)
ويلفت النظر في ديوان جران العود كثرة وصفه للنجوم
وصحة وصفه لها ، قال مثلا (ديوانه 43- 44) :
وَيَمَّمنَ الرِكـابَ بَنـاتِ نَعـش ٍوَفيها عَن مَغارِبِهـا اِزوِرارُ (7)
نُجـومٌ يَرعَويـنَ إِلـى نُـجـوم ٍكَما فاءَت إِلى الرُبَعِ الظُؤارُ (8)
ومن المستغرب جداً أن يكون في شعره ألفاظ ، وتراكيب ، ومدارك
تشبه أن تكون إسلامية ، مثل :
النشور ، وموعدك الحشر (ديوانه 25 – 30 )
بإذن الله (ديوانه 57) ، أو كقوله مثلاً (ديوانه 46) :
إِذا نادى المُنادي باتَ يَبكيحِذارَ الصُبحِ لَو نَفَعَ الحِـذارُ ،
أو كقوله (ديوانه 22) :
وَلَمّـا رَأَيـنَ الصُبـحَ بـادَرَ ضَـوءَهُدَبيبُ قَطا البَطحاءِ أَو هُنَّ أَقطَفُ (9)
وَأَدرَكنَ أَعجازاً مِنَ اللَيلِ بَعـدَ مـاأَقامَ الصَـلاةَ العابِـدُ المُتَحَنِّـفُ (10)
وَما أُبنَ حَتّى قُلـنَ : يـا لَيـتَ أَنَّنـاتُرابٌ ، وَلَيتَ الأَرضَ بِالناس ِ تُخسَفُ !
فكأن جران العود ينظر هنا إلى قوله تعالى ، في سورة النبأ :
{ وَيَقُولُ الْكَافِرُ : يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا } [النبأ : 40]
وإلى قوله تعالى :
{ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ } [ سبأ : 9 ]
راجع أيضا :
( القصص / 81 ، والعنكبوت / 40 ، والملك / 16 ).
أترى أن ألفاظ جران العود ، وتراكيبه
وافقت ما جاء في القرآن الكريم !!؟؟
أم ترى أن جران العود عاش حتى نزل القرآن ، فتأثر بآياته !!؟؟
أم ترى أن الرواة نسبوا شيئا من شعر
المستورد جران العود العقيلي الإسلامي
إلى الحارث جران العود النمري الجاهلي !!؟؟
---------------------------------------
الهوامش والتعليقات :
1- اسمه الحارث لا المستورد ، كما ذكر الفيروز آبادي
في القاموس المحيط (جرن)
وجران العود المستورد :
شاعر آخر ، من بني عقيل ، عاش في الإسلام ..........
وفي تاج العروس (عود) :
( جِرَانُ العَوْدِ: شاعرٌ عُقَيْلِيٌّ ، سميَ بقوله:
فإِنَّ جِرانَ العَوْدِ قد كادَ يَصلُحُ
أَو لقوله:
عَمَدْتُ لِعَوْدٍ فالتْحَيْتُ جِرَانَه
كما في المزهر.
واختلِف في اسمه ، فقيل : المستورِد ، وقيل : غيرُ ذلك.
والصحيحُ أَن اسمه عامِر بن الحارث) .
وفي المزهر للسيوطي :
ومنهم جِِرَان العَوْد العقيلي، سُمي بقوله:
عَمدتُ لعَوْدٍ فانْتَحَيْـتُ جِرَانَـهوَلَلْكَيْسُ أمْضَى في الأَمورِ وأَنجَحُ
وبهذا خلط السيوطي في مزهره ، والزبيدي في تاجه
بين جران العود النمري الجاهلي ، وجران العود العقيلي الإسلامي
وعند الزركلي في الأعلام :
عامر بن الحارث النميري
شاعر وصاف أدرك الإسلام ، وسمع القرآن
واقتبس منه كلمات وردت في شعره.
2- جران العَود ، معناه :
(مقدم عنق البعير المسن)
وكان يلقب نفسه به في شعره.
وفي الصحاح للجوهري (جرن) :
(جِرانُ البعيرِ: مقدّم عنقه من مَذبَحه إلى منحره
والجمع جُرُنٌ ، وكذلك من الفرس) .
3- وإنما لقِّب بذلك لقوله يخاطب امرأَتيه:
خُذا حَذَراً، يـا جارَتَـيَّ، فإنَّنـيرأَيتُ جِرانَ العَوْدِ قد كاد يَصْلَحُ.
أَراد بِجران العَوْد سوطاً قدَّه من جِران عَوْدٍ نَحَره وهو أَصلب ما يكون.
الأَزهري:
ورأَيت العرب تسوَّي سياطها من جُرُن الجِمال البُزْل لصَلابتِها، وإنما حذَّر امرأَتيه سوطَه
لنُشوزهما عليه، وكان قد اتخذ من جلد البعير سوْطاً ليضرب به نساءَه.
4- الخِدن : الصديق .
والتبع : الذي لا يفارق صاحبه .
5- إلى هنا ينتهي ما نقلناه من خزانة الأدب ، لعبد القادر البغدادي .
6- أي : لا أشفق على المطية ، بل أذبحها للضيوف ؛ لأنني كريم
ولا أقوم بزيارات عاطفية لجاراتي القريبات من مكان سكني .
بالله عليكم هل هناك أكثر عفة من ذلك !!؟؟
7- في الديوان : وفينا ، ولا معنى له .
ومعنى البيت :
إن بنات نعش الكبرى ، المعروفة أيضا باسم :
الدب الأكبر ، من الخسّان ؛
أي : النجوم التي لا تغيب ، وهي تدور حول الجدي ، نجم القطب الشمالي ، من الشرق إلى الغرب ، وكلما وصلت بنات نعش الكبرى إلى أقصى مجراها ، في الغرب ، وظن الرائي أنها ستغيب وراء الأفق الغربي ، كسائر النجوم ، ازورت ومالت عن الغرب ، راجعة في الدوران نحو الشرق .
8- يرعوين : يرجعن ، ويعدن.
فاء : رجع ، وانقلب وعاد .
الربع : الفصيل ، الجمل الصغير ، الذي يُنتج ، أي يولد في أول الربيع .
والظؤار ، جمع ظئر : المرضع ؛ يتفق في حياة الحيوان
أن تعطف ناقتان ، أو أكثر ، على ولد واحد ، يسرعن بين الحين والحين
إليه مرة واحدة .
وقد شبه الشاعر دوران الخسّان حول الجدي ،
نجم القطب الشمالي ، بتراكض النوق نحو فصيل واحد .
والتشبيه هنا دقيق جدا ، وبارع أيضا .
9- لما رأين أن ضوء الصبح قد أسرع ، وبادر ، وعجل ،
كدبيب القطا ( وهو طائر معروف) ، أي قليلا قليلا
أو هنّ ، أي : القطا ، أقطف ، أي : أقصر خطا .
يقصد أن ضوء الصبح كان ينتشر بسرعة .
10- أعجازا من الليل : الأقسام الأخيرة من الليل .