من جواهر العربيّة :( الإعراب لغة ً)
تزخرُ لغتنا العربيّة ُ بالتحف التي تشبه الياقوتَ القابعَ في محارته منتظراً أحداً ما أن يسبرَ أغوارَ البحر(حسبما عبّر عن هذا المعنى حافظ إبراهيم),ثمّ ليفتحَ هذا الجسمَ العجيبَ،فإذا هو أمام كنز ٍ يأسِرُ العقلَ ببديع نظمه،ويخلبُ الإحساسَ بأنيق وقعه...فلا يسعُه إلا أن يندهشَ بكلّ تصوّر ِ طفل ٍ مندهش ٍ أمام ظاهرةٍ تعرِضُ على حواسّه لأوّل مرّة.
بينما كنتُ أطالعُ في كتاب (الخصائص لابن جني)وهو من كتب الأمهات في اللغة نحوها وصرفها وأصواتها،استوقفني (باب القول على الإعراب),إذ يحلّل فيه ابنُ جني المعنى اللغويَّ للإعراب،ولكنّ المسألة ليست هنا؛فمعظمُ المهتمّين بالثقافة عموماً وباللغة خصوصا ً يعرفون أنّ الإعرابَ مصدرُ أعربَ أي :أبان ما في نفسه من حاجةٍ أو ما شاكل.ويمكنني هنا أن أذكرَ تعريفَ ابن ِ جني للإعراب في مطلَع ِ هذا الباب؛يقول: ( هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ؛ألا ترى أنّك إذا سمعتَ: أكرمَ سعيدٌ أباه،وشكرَ سعيدا ً أبوه،علمتَ برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعلَ من المفعول..). (الخصائص:ص :89 ـ ط 2:دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 2003 )
إذاً ما أريدُ الإشارة َ إليه هاهنا أنّ الأصلَ الذي أُخذَ عنه هذا المعنى هو قولهم:(عرّبتُ الفرسَ تعريبا ً إذا بزغته،وذلك أن تنسفَ أسفلَ حافره،ومعناه أنّه بان لك ما كانَ خفيّاً من أمره لظهوره إلى مَرْآة العين بعدما كان مستوراً؛وبذلك تعرفُ حالَه:أصُلبٌ هو أم رخوٌ؟و أصحيحٌ هو أم سقيمٌ؟ وغير ذلك.) (م ن ص: 89 ـ90)
وكأنّ العربَ استعارتْ هذا المعنى وهذا اللفظ َ لإطلاقه على الإعراب النحويّ،لما بين المسألتين من تشابه ٍ حاصل ٍ في أنّ الأمرين يدلان على ظهور شيءٍ بعدما كان مستوراً.
هذا ما أحببتُ أن أوصلَه إلى إخوتي في المربد،فأنا أعجبتُ بهذا التحليل الدّقيق عند العبقريّ ابن جني فما وجدتني إلا وأنا أكتبُ هذا المقال ـ على إيجازه ـ (لأعربَ) عمّا اعتمل في نفسي من أثر ٍ لهذا التراث البديع.
لكم تحياتي والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.