شعر عبدالعزيز جويدة
دقَّتْ نواقيسُ الوداعْ
والوقتُ ليلٌ والشتاءْ
والهاربونَ من البلاءِ
إلى البلاء
يُرددونَ تحيةَ العَلَمِ المُهانِ
ويهتفونَ الآنَ ضدَّ بلادِهِمْ
من قالَ إنَّ الانتماءَ ضريبةٌ
تأتي قضاءً أو قدرْ
ماذا أخذتَ من البلادِ
لكي تصونَ عفافَها ؟
ماذا جنيتْ
لتكونَ أنتَ الديدبانَ
وواقفًا خلفَ الحدودِ مدافعًا
عمن تُدافعُ يا تُرى ؟
أعن اللصوصِ مدافعٌ ؟
أعن البغايا والزناةِ
وعِليةِ الأقوامِ
تُجارِ البشرْ ؟
الشمسُ في هذا الوطنْ
ليستْ لنا
ليسَ الهواءُ ، ولا السماءُ
ولا القمرْ
حتى الشجرْ
حتى الثمرْ
وطني حجرْ
وقلوبُ من فيهِ
أشدُّ من الحجرْ
***
ماذا يُفيدُ الانتماءْ
إن كنتَ أنتَ المنتمي
نحو الذي لا ينتمي
في الأصلِ لكْ
وطنٌ وتشعرُ دائمًا
بِتَبرُّئِه ..
مني ومنكْ
ماذا إذا كانَ الوطن
خَصمًا عنيدًا يَرفُضُكْ
وهناكَ أرضٌ تَلفِظُكْ
وهناكَ ناسٌ تَجزُرُكْ
وهناكَ ناسٌ تُحبِطُكْ
وهناكَ ناسٌ في حياتِكَ تُقبِرُكْ
والقتلُ في الأوطانِ أصبحَ حرفةً
وطني أنا من علَّمَكْ ..
فنَّ اغتيالِ الحُلمِ في مهدِ الشّخوصْ
أو فنَّ تقطيرِ السمومِ ودسِّها
في شهدِ آلافِ النصوصْ
أوخدعةَ البسطاءِ بالشرفِ الرفيعْ
من أجلِ تسمينِ اللصوصْ
ما أهونَكْ
قد قلتَ لي :
كانَ الوطنْ
حلمًا جميلاً عذَّبَكْ
وطنٌ غريبٌ سيدي
قد حلَّلَ الغرباءَ فيهِ
وحرَّمَكْ
والشمسُ لا تَهَبُ الشتاءَ الدفءَ إلا عندما
في نارِها كلُّ المشاعرِ تَنصهِرْ
كي تصهرَكْ
ستمُرُّ مكسورَ الخُطى
وخُطاكَ أثقلُ من جبلْ
هي لحظةُ الإحساسِ بالعجزِ المُهينْ
في إثرِ فقدانِ الأملْ
هي لحظةُ الإحباطِ في حِضنِ الفشلْ
وهي الجروحُ بداخلِكْ
لا تندمِلْ
نوعٌ من الموتِ البطيءْ
ستمرُّ مكسورَ الخُطى
وتسيرُ مثلَ السلحِفاةِ
إلى الأجلْ
***
هذي البلادُ مِن الذين نُحبُّهم ..
كانوا كثيرًا يَحلُمونَ لأجلِنا
ماتَ الحنينُ ولم نَعُدْ
نشتاقُ دومًا أهلَنا
أو أرضَنا
من ذُلِّنا
صِرنا عبيدًا كلُّنا
والعبدُ شخصٌ ما له يومًا وطنْ
العبدُ يسكنُهُ الأسيرُ وحُلمُهُ
إما الهُروبْ
أو ينتقمْ
هو ليسَ يملِكُ هذهِ أو هذهِ
هو ليسَ إلا الانتهاءُ إلى العدمْ
العبدُ دومًا ينتظرْ
لقدومِ سيدِهِ الجديدْ
ليجُرَّهُ جرًّا
ككبشٍ من غنمْ
هلكَ الهلاكُ وما هلكْ
يأيها العبدُ السجينُ تحيتي
دُرْ في الفلَكْ
لتكونَ مخصيًّا جديدًا هاهنا
وغدًا ستركعُ في بلاطِ المُلْكِ
إن مرَّتْ هنا بنتُ المَلِكْ
إياكَ ترفعُ حاجبيكْ
"مسرورُ" خلفَكَ
ربما إن أمهلَكْ ..
في المرةِ الأولى
مُحالٌ بعدَها أن يُمهِلَكْ
سيُطيحُ بكْ
ويَسُرُّهُ أن يَقتُلَكْ
ما أنتَ غيرُ الشمعدانْ
أو واقفٌ في البهوِ دومًا ديدبانْ
ويُكافئونَكَ لو يَرَونَ تَحَمُّلَكْ
سيُناقشونكَ في فِراشِ الموتِ
في جدوى انتِمائِكْ
ليُعلِّموكِ الحبَّ للأوطانِ
رغمًا عنكْ
وتكونَ مضطرًّا لذلكْ
ويعلِّموكَ فربَّما بالحبِّ
تتسعُ المداركْ
هذا جهازٌ في يدِكْ
كجهازِ ضغطِكَ
قِسْ بهِ
قدْرَ انتمائِكْ
وسيعرفونَ حقيقةً
وبأيِّ قدرٍ يا فتى
أحببتَ يا كلبًا بلادَكْ
أتُحبُّ حاكمَها ، وزوجتَهُ
وليَّ العرشِ ..
أكثَرَ من عيالِكْ ؟
سيُحاسبونكَ ، سوفَ تدفعُ جِزيَةً
من حُرِّ مالِكْ
وتَمُرُّ من أحدِ المعابرِ مرَّةً في العامِ
تدفعُ درهمينْ
ثمنَ الرصاصاتِ التي ..
كانتْ تُعجِّلُ باغتيالِكْ
الآنَ أصبحتَ المحبَّ المنتمي
فاذهبْ لصندوقِ اقتراعٍ
عاجلٍ أو آجلٍ
وسيعرفونَ حقيقةً
ما كان يجري في خيالِكْ
سيحاسبونَ بكلِّ خاطرةٍ
هنالِكَ أو هنا
مرَّتْ ببالِكْ
أما التقاعُسُ دائمًا
فهو الهلاكُ لمنْ أرادْ
فاربأْ بنا من فتنةِ المحيا
وطوفانِ المهالِكْ
***
قلْ لي بربِّكَ يا أخي
هل ينتمي عبدُ القصورِ إلى القصورْ
أو ينتمي عبدُ القصورِ
إلى الخدمْ ؟
حتى وإن سلَّمْتَهُ
سيفًا يُدافعُ عنكَ بهْ
فإن استدارَ
فمنكَ أنتَ سينتقمْ
هو ليسَ يملكُ من دوافعِهِ التي
في العمقِ
غيرَ اليأسِ ، أو طولِ الندمْ
هو ليسَ إلا وجهَ جُرحٍ
كُلَّما مَسَّتْهُ كَفٌّ
صارَ يَصرُخُ في ألمْ
هو ليسَ إلا فارسًا
جاءَ الوجودَ لينهزمْ
صعبٌ يكونُ الانتماءُ على الورقْ
قلْ ما تشاءُ
فأنتَ حرٌ
عندَ تعريفِ الرموزِ
وعندَ تبريرِ الغرقْ
من قالَ إنَّ الانتماءْ
دِينٌ جديدٌ يُعتنَقْ ؟
هو ليسَ إلا فكرةً
لتكونَ فلسفةَ المحبِّ
إذا عَشقْ
هو ليسَ أكثرَ من جزيلِ الشكرِ
نَمنحُهُ لمن ..
قطعَ العهودَ إذا صدَقْ