إدخال صناعة المنطق في العلوم الصحيحة يطول العبارة ويبعد الإشارة ويجعل القريب من العلم بعيدا واليسير منه عسيرا . ولهذا تجد من أدخله في الخلاف والكلام وأصول الفقه وغير ذلك لم يفد إلا كثرة الكلام والتشقيق ؛ مع قلة العلم والتحقيق . فعلم أنه من أعظم حشو الكلام وأبعد الأشياء عن طريقة ذوي الأحلام . نعم لا ينكر أن في المنطق ما قد يستفيد ببعضه من كان في كفر وضلال وتقليد ممن نشأ بينهم من الجهال كعوام النصارى واليهود والرافضة ونحوهم فأورثهم المنطق ترك ما عليه أولئك من تلك العقائد . ولكن يصير غالب هؤلاء مداهنين لعوامهم مضلين لهم عن سبيل الله أو يصيرون منافقين زنادقة لا يقرون بحق ولا بباطل بل يتركون الحق كما تركوا الباطل . فأذكياء طوائف الضلال إما مضللون مداهنون وإما زنادقة منافقون لا يكاد يخلو أحد منهم عن هذين فأما أن يكون المنطق وقفهم على حق يهتدون به : فهذا لا يقع بالمنطق . ففي الجملة : ما يحصل به لبعض الناس من شحذ ذهن أو رجوع عن باطل أو تعبير عن حق : فإنما هو لكونه كان في أسوأ حال لا لما في صناعة المنطق من الكمال .