"مهند" التركي أسر عبر مسلسله المدبلج الذي لا أعلم عنه شيئا إلا بالسماع عقول النساء المتزوجات والكبيرات.. قبل أن يتمكن من خطف وتكبيل عقول "العازبات" والصغيرات برومانسية زوجية تفوق الوصف.. وتصور الحياة الزوجية على أنها حالة حب وغرام ولوعة دائمة ومستمرة لا تنقطع ولا تتوقف.. وقبله أشغل "ابن الملوح" الدنيا بحبيبته ليلى في حالة عشق تاريخية ظلت ترتسم في مخيلة كل باحث أو باحثة عن الحب وستظل كذلك إلى الأبد.
في ذات السياق وعبر مضمار الحب الذي لا ينتهي جاءت قصص عنترة وعبلة.. والحب الذي دارت أحداثه في أرض الجوا.. وقيس ابن ذريح ومحبوبته.. ثم ذلك الكم الهائل من المسلسلات والأفلام والمسرحيات والتي تجسد الحب وتفسره على أنه عشق وهيام ووله.. ووصف لمحاسن ومفاتن العشيق.. وتسبيل للعيون.. وآهات وحسرات من آلام البعد والفراق والحرمان.
كل تلك القصص والمسرحيات تصور الحب على غير حقيقته.. ولذا لا يمكن ربط مثل هذا النوع من الحب.. أو "الغزل" إن جازت لي تسميته بالحياة الزوجية.. والحب الذي ينبغي أن يكون بين الزوجين.. لأن ما يربط ويوثق العلاقة الزوجية حب مختلف بكل المقاييس والمعايير.. فآلياته وفاعلياته لها سمات وخصائص من نوع وشكل آخر.
لماذا ؟.. لأن الحب بين العشاق يتم في أجواء يعاني فيها العشيقان من البعد والهجر والحرمان.. وهذا الفقد يؤجج في دواخلهما كل المشاعر والعواطف والأحاسيس.. وقد يكون كل منهما في لهاث لا يعلم إلى أين يتجه به.. يعيش في وهم أو خيال.. لكنه قد لا يصل في لهاثه إلى الحب الحقيقي.. الحب الصادق.. الحب الذي أساسه العطاء والتضحية والإخلاص والوفاء والود والاحترام والإحساس والشعور النابع من القلب.. وهو حب قد ينتهي إلى لاشيء.. أو يفضي إلى المزيد من العذابات.
إذن في الحياة الزوجية حب لكنه من نوع مختلف.. إنه "مودة ورحمة".. ثم هو حب حقيقي هكذا ينبغي أن يكون.. لأن الحياة الزوجية ببساطة ليست حالة من الغزل أو اللوعة.. فالزوجان يعيشان سويا.. شوقهما يزداد عندما يغيب أحدهما عن الآخر ففي ذلك كشف لحالة الحب الكامنة.. وحالة الحب تتجلى في فيض العطاء.. والمشاعر.. والإحساس بالطرف الآخر هو دليل وبرهان آخر على وجود الحب الزوجي.
صحيح أن الغالبية يعيشون حياة زوجية تعاني من وجودها في إقليم زوجي قاري.. يعانون فيه من التصحر والجفاف والعطش العاطفي المهلك.. وهي ظواهر تحتاج إلى تحسين تلك البيئة الزوجية.. وكسر جمودها.. وتوظيف العبارات الرقيقة التي تحرك العواطف وتحفز كل منهما لتقديم المزيد.. والأهم من كل ذلك هو إشعار الطرف الآخر أنه الخيار الأفضل والأمثل.. والحب الوحيد .
الحياة الزوجية.. حقوق وواجبات ومسؤوليات مشتركة.. وتضحيات ومشاعر وأحاسيس متبادلة.. إنها ثقافة لابد من تأصيلها في المراحل الأولى من عمر الإنسان.
المصدر