وصل للمربد الرسالة التالية :

شيخ وصبية

طول العمر قرين الجوع !...
صدعت المذيعة رأسه بهذه الجملة, وهو الذي يقضي سحابة نهاره طاويا على كأس المتة , مد يده ليسكت صوت الراديو, توقف لسماع فيروز تصدح : زوروني كل سنه مرة...
وقحة هذه الإذاعة تأسره بأغاني فيروز الصباحية وتستغل فيه هذا العشق الفيروزي لتبث في سمعه سمومها المترهلة من بقايا موائد المتخمين من سهار الليالي الصفراء الذين يبدأ نهارهم حين يكون أمثاله من العاملين المعترين , قد نال منهم التعب في الشغل عصارة قدرتهم الجسدية والروحية .
طول العمر عندي يعني طول المعاناة والشقاء... ياربيبة اللصوص المحترمين !!!
بنزق أقفل الراديو وأفلت القلم من بين أصابعه, فاجأه حضورها , كم مضى عليها من الوقت وهي واقفة تتأمله يكتب ويستمع إلى الراديو !؟.
اقتحمت عليه باب حباته بجرأة لم يعرفها في غابر أيامه
طوقت عنقه, قالت بحنان أم تهدهد طفلها : حبيبي !
اكتب من حيث أنت , المهم أن تبدأ بالكتابة , اكتب ماتحكيه لي وللآخرين , الكلام المحكي ينسى في حينه أما الكلمة المكتوبة باقية مابقي إنسان ينشد المعرفة .
تساءل في سره ,كيف اقتحمت عليه باب أيامه بجرأة لم يألفها في سالف عمره , كانت على نصيب وافر من الملاحة ومخايل من الحسن والذكاء لا تخفى تطل من عينين قال الله كونا فكنتا فعولين في الألباب مايفعل السحر , مقبلة على الحياة كمهرة جموح في بواكير الربيع ترمح بين خلة وأصدقاء بل محبين ومعجبين حيثما حلت أو رحلت , وكنت وحيدا أرقب شمس العمر الهاربة تداري اصفرارها على مدار الشفق الدامي في صراعه مع خيول الععتمة الزاحفة , كيف عبرت تخومي ورفعت راياتها على فضاءات روحي , على غفلة مني أو بالأحرى في غفلة عن حالة الوعي .
رحت أتأملها صامتا أبحر في مدى عينيها في بريقهما متألقا عمقا وبوحا , مفعما باللحظة الحميمة , قطرات من العمر, أصفى من دمعة عاشق وافى الحبيب .
أحسست بأنفاسها الدافئة تبعث رعشة الحياة في عروقي الشائخة وهي تهمس :
لا تشغل بالك في ما ستكون عليه كتاباتك أو إلى أي جنس أدبي ستنتمي إليه هذه الكتابة ... الأهم أن تعيش أفكارك في كتاب ولو إكراما لخاطري .
صامتا ما أزال أسبح في لحظتي الهنية أسمعها تتكلم أكاد أطبق جفوني على هذه الهنيهة كيلا تسرقها مني حالة الوعي التي تقودني إليها حبيبتي ولا أقول تدفعني لأنها لم حيال مشاعري أكثر من حفيف فراشة أحسه ولا أنتبه إلى مصدره .
ليس من الضروري أن تسرد الأحداث بصيغة المذكرات منذ الطفولة وحتى الشيخوخة !!!!
هي : وعضة طائرة على الشفة السفلى أو هكذا خيل إلي وكأنها تحاول بهذه الكلمة " الشيخوخة" التي أفلتت منها في غمرة حماسها في إبلاغ فكرتها عن كتابتي .
أنا : وتيار صاعق اندفع من أعلى الرقبة لأسفل الظهر , مالها الشيخوخة ؟! أو ليست مرحلة عمرية , وما منكم إلا واردها , ألم يتقصف العمر على دروب بلوغها ؟ لماذا أحدثت كل هذا الانفعال, لفنا صمت ثقيل , وكأن تواطؤا خفيا بيننا, ما عاد بالإمكان ان نعي قول البهاء زهير :
لا قلت أنت ولا سمعت أنا هذا كلام لا يليق بنا
إن الكرام إذا صحبتهم ستروا القبيح وأظهروا الحسنا
واقفين بذهول نتأمل كتابي الذي تلاشى في الهوة التي انبثقت بين صباها وشيخوختي !.




سلميه في 13-3-2008
محمد الجندي ابو وضاح