يسال مداد كثير هذه الأيام بمناسبة ذكرى ما يعرف بـثورة 23 يوليو 1952 في مصر
وتتصارع أقلام المديح في رصف عبارات تمجيد هذا الإنقلاب العسكري
بيد أن قراءة ً متأنية وموضوعية لتاريخ هذه الحركة يكشف حقائق للرائي لا يمكن أن تقبل جدلا أو تحتمل أي نقاش .
فهذه الثورة جلبت الويل والثبور للشعب المصري الذي ودع طاغية واستقبل آخر ...
وعندما نتحدث عن هذه الثورة سينصرف الذهن إلى جمال عبدالناصر باعتباره قائدها وموجهها ، وهذه عبارة تحتمل نصف الحقيقة ، ذلك أنه إن كان عبدالناصر موجهها - بعد 1956 - فإنه بواقع الحال ليس قائدها الفعلي .
كل كتب التاريخ السياسي تتفق كلمتها أن القائد الرئيس لها هو اللواء محمد نجيب الذي نصفه مصري ونصفه الآخر سوداني من جهة أمه ، الرجل الذي تمتع بسماحة هيأت له شعبية جارفة في أوساط العسكر قبيل ثورته .
بيد أن محمد نجيب أطيح به في إنقلاب ابيض قاده البكباشي جمال عبدالناصر في 1956 ، وبهذا التاريخ تبدأ صفحة الطاغية الناصري الجديد ، الذي ظل نظامه الإرهابي الدونكيشوتي محرك الخيوط على مسرح الأحداث السياسية التي عصفت بالأمة بين 1956 - 1970 .
والحديث عن مجازر هذا النظام سيدخلنا في خطابة لا تنتهي ، فشمسها السوداء ما زالت ترسل خيوطها على سماء التخلف العربي ، التخلف الذي كان أبرز صناعة لهذه الثورة المشؤومة .
والذين يتغنون بمآثر الناصرية كالسد العالي الذي لا يزال التاريخ يذكر له هذا العمل على أنه مأثرة ، وما كان مأثرة بل وبالا على مصر .
إن أقل سلبية يوصم بها السد العالي - بشهادة كبار المهندسين الزراعيين - هو حجبه الطمى عن مجرى النيل الذى يعد خصبا طبيعيا للأرض الزراعية ، وإن انعدام هذاالطمى سيسبب نحرا فى شواطىء النيل والقناطر المقامة عليه مما يعرضها لأخطار الإنهيار .
اما الذين يتحدثون عن مجانية التعليم في عهده ، أدركوا الآن أنها سياسة فاشلة وصلت بالتعليم إلى درجة الحضيض ، تعليم قتل روح الابتكار والإبداع في نفوس الناشئة ، بشهادة كبار التربويين في مصر .
وسوف لن ننسى حروبه الدونكيشوتية في اليمن التي أهدر فيها مال الشعب وفلذات أكباده ، انتهت بهزيمة مشينة سحقت فيها كرامته .
والذين يتحدثون عن فضيلة " الوحدة " مع سوريا ، فسوف تصفعهم أحداث الثلاث سنوات من عمر تلك الوحدة ( 1958 - 1961) ، تلك الثلاث التي حول فيها البلد السوري الى عزبة له وزبانيته ، ونصَّب عبدالحكيم عامر جمالاً آخر على سوريا .
لقد فضحت نكبة 67 الستار الكرتوني الهش الذي كان يختبيء وراءه هذا النظام البائد ، فضحت الشعارات التي كان يلوكها ، والمفارقة المضحكة يوم أن خرج على شاشات التلفزة في التاسع من حزيران يكفكف بمنديله دموع التماسيح ويعلن عن مسرحية التنحي ، ثم تخرج المظاهرات في اليوم التالي مطالبة ببقائه ، وكأن رحيله هو الهزيمة والنكسة ! .
وقد كشفت بعض الزبانية المقربين من نظامه أنّ المخابرات المصرية كانت هي المحرك الفعلي لتلك المظاهرات التي تهتف بـ : " عودة الزعيم الملهم والبطل " .
ورغم إدانتي الكاملة لنظام السادات - الذي لا يقل بشاعة عنه - إلا أني أصفق لثورته المضادة التي كانت انقلابا شاملا على ذلك العهد الناصري الذي رسخ عبودية الفرد .
عموما لن تستطيع كل مساحيق التجميل الكتابية - هذه الأيام - أن ترمم وجه هذه النظام القبيح .