ضد مجهول
... فإذا بهم قد أحاطوا به وأمسكوه من كل جانب، وما هي إلا ثانية من الزمن حتى أخذ أحدهم بناصيته، وتولى آخر أخذ قدميه، فلم يمهلوه أن يتبين وجوههم، وقبل أن يرتد إليه طرفه، انهالوا على وجهه النحيل لطما بالأكف تارة، وتهافتوا ضربا على جسمه الهزيل الضامر بقبضات أيديهم تارة ثانية، ثم إنهم لم يكتفوا بما أذاقوه من هذا التنكيل الشنيع، فاستعانوا بأرجلهم وهم يتقاذفونه بينهم، وبالعصي والسياط على لسع وتحطيم جسده ...
أوجعوه وأدموه، وأغرقوه في مستنقع من بصاقهم، وهشموا سمعه بوابل من السب البذيء والشتم الفاحش القبيح، ثم إنهم بعد أن رأوه بينهم جثة هامدة بلا حراك، وقد كسرت عظامه ودقت، ومزقت أوصاله وثيابه كذلك شقت، وأحرقت أنفاسه وشلت، عمدوا إلى فمه فكمموه، وإلى عينيه فعصبوهما، وإلى يديه فقيدوهما، وإلى ملابسه فجردوه منها، وبحركة خاطفة كلمح البصر أو أقل، حمل من يديه ورجليه المترهلتين بين اثنين منهم إلى حيث لا يدري وهم يدرون، فألقوه هناك بعيدا من عل غير آبهين، ثم قفلوا عائدين وهم يسخرون منه ومن الحال التي آل إليها بين أيديهم، وقد أخذتهم العزة والنشوة بما اقترفوا وصنعوا ...
د. أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
