من فقه المقاومه
دراسه تاصيليه للشيخ محمد عياش الكبيسي
ممثل هيئه علماء المسلمين في الخارج
الحلقه الاولي
المقاومه والجهاد
ملحوظه تم نقل النص بلا تحريف اواقتباس بل هو علي الصوره التي تم عرضها في موقع هيئه علماء المسلمين العراقيه قبل حجبه
بالتوفيق وهذا للنص كاملا فتفضلوا بقبوله مع فائق الاحترام والتقدير
البدايه :cry:



مقاومة الاحتلال والعدوان واجب إسلامي مقدس , وهي نوع من أشرف أنواع الجهاد , والمصالح العامة هي مقصد من أسمى مقاصد الشريعة , حتى قال علماؤنا : الشريعة كلها مصالح : جلب منفعة أو درء مفسدة , وهذا معنى قوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)الأنبياء/107,
فالرسالة أو الشريعة هي رحمة , وحينما نقول : المقاومة واجب شرعي , يعني هذا أن المقاومة رحمة , ولكن رغم وضوح هذه النتيجة واتساقها مع مقدماتها إلا أن الشرع لم يدع هذه القضية الكبيرة للقياس والاستنتاج ! وإنما تولى بنفسه تأكيد هذه النتيجة والدفاع عنها بوجه كل الشبهات والشكوك ، ويكفينا هنا تدبر النماذج الآتية من القران الكريم :
الأول : قوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون , لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) التوبة /41-42 .
الثاني : قوله تعالى ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون , يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ) التوبة /20/21 .
الثالث : قوله تعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) البقرة 216.
يتضح من هذه النماذج أن القرآن الكريم لا يتكلم عن الجهاد باعتباره واجبا شرعيا فحسب , وإنما هــو( الخير) و( الفوز) و(البشرى) و(الرحمة ) و(الرضوان) , وأما القعود عن الجهاد فهو( الشر) و( الهلاك ) هذا إضافة الى الفوارق الأخروية التي هي أشد وأكبر , ولكن كيف يكون الجهاد هو الخير وفيه بذل المال والنفس وضياع الأمن والاستقرار وتوقيف أعمال الناس ومصالحهم ؟! يجيب عن ذلك الإمام القرطبي وهو صاحب التجربة المريرة في ( الأندلس) حيث يقول في تفسيره لهذه الآيات ( والمعنى : عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم .. وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تُغلبون وتذلون ويذهب أمركم , قلت : هذا صحيح لا غبار عليه كما اتفق في بلاد الأندلس , تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار فاستولى العدو على البلاد وأي بلاد !!) تفسير القرطبي/3/39 .
واليوم وقد تعرض أكثر من بلد إسلامي لما تعرضت له الأندلس وإن اختلفت الصور والأساليب واستذكر المخلصون من هذه الأمة كل ذلك التاريخ فانطلقوا في مشروع مقاوم لمشاريع العدوان والاحتلال في القدس وكابل وبغداد وغيرها , واستطاع الشباب المسلم بإمكانياته المتاحة على تواضعها أن يفعل ما عجزت عنه الجيوش ! وحين بدأت الأمة تستعيد ذاكرتها وكرامتها والثقة بإمكانياتها الذاتية انبرى المنافقون الجدد لتخذيل الأمة وإرجاعها الى حالة الغثائية والإحباط وتحت لافتة ( المصالح العامة )!! لإقناع الناس بأن المقاومة تشكل خطرا على مصالحهم , ومن المقولات التي تتردد تحت هذه اللافتة :
1- ما ذا حققت المقاومة الفلسطينية طيلة العقود الماضية للشعب الفلسطيني رغم التأييد الرسمي والشعبي الواسع من كل العرب والمسلمين والعالم الحر لا سيما قبل ظهور القطب الأمريكي الأوحد ؟! وماذا ستحقق المقاومة العراقية لشعبها بناءا على ذلك ؟
2- إلى متى يستمر هذا النزيف ( العبثي ) للدماء والأموال؟ وإلى متى سيظل الناس قادرين على هذا البذل دون أن يروا بصيصا من الضوء في نهاية النفق ؟
3- إن حرمان هذه الشعوب من الاستقرار بسبب استمرار عمليات ( العنف) سيساهم في تخلف هذه المنطقة عن الركب العالمي وفي كل المجالات .
إن هذه المقولات ونحوها كثير تستغل حاجة الناس الطبيعية لا من أجل سد هذه الحاجات وإنما لإضعاف التيارات المقاومة ومحاصرتها شعبيا لإزالة العقبات الكبيرة أمام المشاريع الغازية , ولو كانت هذه المقولات صادقة لكشفت الحقيقة المجردة أمام الرأي العام بكل أمانة ثم تترك الناس بعد ذلك يقررون ما فيه مصلحتهم , ومن تلك الحقائق التي ينبغي أن تذكر مع تلك المخاوف والمآسي الميدانية :
1- من هو المسؤول قانونا وشرعا وعقلا عن كل هذا الذي يجري ؟ ومن الذي فرض هذا الواقع الكارثي على المنطقة ؟ وإذا أخذنا الحالة العراقية نموذجا لنسأل متى ظهرت جماعات (العنف) ومتى عرف العراقيون العمليات (الانتحارية)والسيارات (المفخخة )؟! أليس الواقع الذي فرضه ( وجوه الشؤم)الغزاة هو الذي أفرز مثل هذه الظواهر التي يراها الاسلاميون والوطنيون جهادا شجاعا وكفاحا جريئا لحفظ الأرض والعرض والكرامة وإن سماها الآخرون بأسماء وألقاب أخرى , لكن حتى هذا الاختلاف والانقسام بالرأي إن اعتبرناه كذلك من المسؤول عنه ؟ ولمصلحة من يكون هذا الانقسام في القضايا المصيرية والجوهرية ؟
2- هؤلاء الغزاة ماذا يريدون ؟! ولماذا يتحملون كل هذه الخسائر المتزايدة والنزيف المستمر من دمهم ومالهم وسمعتهم ؟! لماذا لا يصرحون بأهدافهم الحقيقية ؟! ولماذا لا يقول لنا عملاؤهم أو( أصدقاؤهم ) شيئا ما عن نوايا هؤلاء الغزاة وأهدافهم في المنطقة ؟ أهم يعلمون ويكتمون أم أنهم ( آلات مؤجرة )يعملون ولا يعلمون ؟ !!
3- لو افترضنا أن ( المقاومة) قد استمعت لـ ( نصائح) هؤلاء وألقت سلاحها فهل هنالك صورة لما يمكن أن تكون عليه الأمور بعد ذلك ؟ هل ستستقر الأحوال وتزدهر البلاد وتُحفظ الحرمات ؟ هل هناك ضمانات معينة ومؤشرات حقيقية أو هي محض الثقة المطلقة بوعود الصهاينة والصليبيين الجدد ؟!!
إن هذه التساؤلات طبيعية ومنطقية أيضا وهي تمس صميم ( المصالح الوطنية ) وكل من يحاول التقليل من شأنها أو التغاضي عنها فقد وضع نفسه - دون ريب- موضع التهمة والشبهة , فهذه التساؤلات تتجاوز المصالح الشخصية والآنية بل ربما تضحي بهذا النوع من المصالح من أجل المصالح العامة والبعيدة , وهذا يعني أن هناك تجردا في التفكير والتحليل مع وعي ناضج بطبيعة الصراع وأهدافه , واستذكار لتجارب الشعوب عبر التاريخ , فليس هناك في كل التاريخ والجغرافيا حالة واحدة اتحدت فيها متطلبات المصلحة الوطنية العامة مع أهداف المحتل وشركائه وعملائه , ونحن في العالم الإسلامي نحتفظ بنموذجين متقابلين يمثلان مقياسا دقيقا صالحا للحكم على كل الحالات التي تتعرض فيها البلاد للاحتلال وهما :
النموذج الأول : الغزو الصليبي لفلسطين وبلاد الشام , حيث سقطت هذه المنطقة المهمة ومن ضمنها القدس بيد الغزاة الصليبيين ولفترة طويلة أكثر بكثير من فترة الاحتلال الصهيوني القائم , لكن هذه الأرض تميزت بثقافتها الذاتية وهويتها المستقلة ولم تتطبع بطبائع الغرب وبالتالي لم تنجح كل وسائل الصليبيين من إحداث شرخ ما في جدار المقاومة المستمرة لعشرات السنين , رغم الخسائر والتضحيات الفادحة ورغم تخلي مركز الخلافة العباسية في ذلك الوقت عن القيام بواجبه ورغم تعاقب الأجيال إلا أن هناك قرارا صارما يموت عليه الكبير ويولد عليه الصغير (لا تعايش مع المحتل) وهذا ما مهد الأرضية لمقاومة وجهاد مستمر تكلل بالانتصار التاريخي المدوّي على يد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي , الذي هزّ العالم وغير موازين القوى العالمية في ذلك التاريخ .
النموذج الثاني : وقد أشرنا اليه آنفا وهو نموذج (الأندلس) حيث تنافس ملوك الطوائف لحماية عروشهم , وانتشرت ثقافة ( الحلول الجزئية) ثم تطورت الى ثقافة (أنج بنفسك) وقد ساعد على كل هذا تأثر الأندلسيين بالثقافات المجاورة والمتداخلة وتربية الخدر والفن العابث , حتى ضاعت الأندلس ولم يبق منها الا ذكريات وأبيات من الشعر وأسماء تاريخية ونحو هذا , واليوم يحاول بعض العراقيين الذين رضعوا من الثقافات والقيم الغربية , وكسر طول الألفة كل حاجز بينهم وبين أولئك الغربيين أن يكرروا في العراق ما حدث للأندلس وماذا في ذاك فـ ( الكافر العادل أفضل من المسلم الظالم)!! و( الغربي المتطور أفضل من البدوي المتصحر)!( والانحياز للدين والأهل والتاريخ والتراث نوع من التطرف والتعصب )! والمصلحة الشخصية مضمونة إن لم تكن بمغامرة التعاون مع المحتل فبالجنسية الأجنبية التي تطمئنه على خط الرجوع الآمن !!ومن هنا نفهم لماذا يشكل حملة الجنسيات ( المزدوجة ) الغالبية العظمى من دعاة التطبيع والتعاون مع المشروع الأمريكي الغازي .
إلا أن الذي ينبغي التنبه له هو أن المقاومة مع أنها تقوم بواجب شرعي ووطني مهما كانت النتائج , ومع أن تجارب الشعوب أثبتت أن العاقبة دائما للمقاومة وأن الهزيمة دائما للمحتل وأذنابه , إلا أن المقاومة عليها أن تقدم جوابا عن كل تساؤل وكشفا بإنجازاتها المرحلية لتعزيز الثقة بينها وبين شعبها , وتقديم مادة صالحة للمراجعة والتقويم وقياس مساحة النجاح وعوامله وتمييزها عن مساحة الإخفاق وأسبابه , وعلى الشعوب أيضا أن تعين المقاومة وتحمي ظهرها في كلا الحالتين , وبتقديري فإن التيارات المقاومة في كل مناطق الصراع قد حققت مستوى من الإنجاز أكبر بكثير من حجم الإمكانات قياسا بإمكانيات العدو الذي تواجهه , ومن ذلك :
أولا : مشاغلة العدو عن تنفيذ مشروعه في المنطقة , وأذكر بهذا الصدد حوارا دار بين أخ من فلسطين وأخ آخر من المملكة العربية السعودية , قال الأخير : هل تعتقدون أنكم ستحررون فلسطين بهذه العمليات ؟ فأجاب الأول : يكفينا لحد الآن أننا أوقفنا الصهاينة عن التفكير بالمدينة المنورة وخيبر ودولة ( إسرائيل الكبرى) رغم الخلل الكبير في توازن القوى , نعم فالعدو حينما يستقر سيرتفع سلم أطماعه , والعالم يذكر بعد سقوط بغداد مباشرة كيف بدأ البيت الأبيض يصرح بـضرورة تغيير ( مناهج التعليم ) وتصدير ( الديمقراطية المسلحة) وصناعة ( العراق النموذج) والاهتمام بقضية ( المرأة العراقية)!! بل وإعادة تشكيل ( خريطة المنطقة) !!لكن بعد تصاعد المقاومة العراقية اختفت هذه المطالب أو خفت وأصبح ( الملف الأمني ) هو الشغل الشاغل للبيت الأبيض ! وقد تنفست كثير من دول المنطقة الصعداء وشعرت بأن الخطر قد ابتعد عنها حتى تلك التي صُنفت ضمن ( الدول المارقة) أو ( محور الشر )!!وارتفعت أيضا الموارد المالية لكثير من دول المنطقة بسبب منع المقاومة للأمريكان من التحكم بموارد العراق الهائلة !
ثانيا : فضح حقيقة هؤلاء الغزاة وكشف عورتهم أمام الرأي العام العالمي , فبعد أن سوّقت وسائل الإعلام الغربية وحتى إعلامنا العربي والإسلامي للأمريكي ( الإنسان) الذي تشرب مبادئ الحرية وحقوق الإنسان والرفق بالحيوان هاهي هذه الصورة يمزقها الأمريكان بأنفسهم في الفلوجة وأبي غريب وغوانتنامو , وبعد أن كانوا يسوقون الاتهامات للعرب والمسلمين بالتخلف والجهل والتصحر أصبحوا الآن في موقف الدفاع الضعيف وسقط العرش الكارتوني للأستاذية العالمية الذي تربع الأمريكان عليه فترة من الزمن .
ثالثا : لقد نجحت المقاومة ميدانيا بكسر إرادة القوة العظمى وليّ ذراعها في أكثر من منازلة , وبدأ صقور البيت الأبيض يتلاومون ويتبادلون التهم فأرقام الضحايا الحقيقية و(النعوش الطائرة)لا يمكن أن يُتكتم عليها إلى مالا نهاية , وهذا ما غيّر من قناعة الشعب الأمريكي ( المستغفل) حيث اقتنع أخيرا بأن هذه الحرب لا تصب في مصلحته , ولا يقدر أن يتحمل تبعاتها, بل تزايدت نسب الذين يعتبرون أن هذه الحرب لم تكن مبررة أصلا!! وهذا بداية واضحة لتآكل الاحتلال داخليا وشعبيا .
رابعا :إن هذه العوامل المتقدمة ساهمت في تكوين قناعة عالمية بأن عصر ( القطب الأوحد) بدأ بالأفول وأن العالم سيفرز حتما أقطابا جديدة تعيد الى الأرض بعض التوازن والاستقرار المنشود , وعلى العالم أن يقف تحية لشباب المقاومة العراقية الذين تمكنوا من إحداث الثقب الأول في البالون الأمريكي الذي خنق العالم .
خامسا : ولكي لا ننسى فإن المقاومة الإسلامية في فلسطين هي التي نفخت روح الحياة في هذه الأمة بعد سلسلة متتابعة من النكسات والإحباطات , وقد صنعت ثقافة جديدة تستند الى عقيدة الأمة وثوابتها و قادرة على النهوض بالأمة فوق مقاييس القوى والموازنات المادية , إن الحجارة الفلسطينية التي ظلت تقاوم الدبابة الإسرائيلية لسنوات عديدة هي التي ساهمت في صناعة ثقافة المقاومة في الفلوجة والموصل وديالى وبغداد , ولا زلت أذكر كيف يهنئ شباب الفلوجة بعضهم بعضا بعد كل عملية ينفذها المجاهدون الفلسطينيون , بل كانت تهنئة العيد المتبادلة ( تقبلك الله شهيدا على أبواب المسجد الأقصى) وهذه الروح التي بدأت تنتشر في كل جسد الأمة هي العنوان الأول للحياة الحرة الكريمة وهي السبيل الوحيد لتحقيق ( المصالح الكبرى ) على مختلف الصُعُد.